< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تطبيقات للجمع العرفي

1 ً) قلنا أمس بأنه لا يصحّ أن يُرجع إلى عموم العام أم إلى المخصِّص في حالتَي الشبهة المصداقية ـ في مثال (أكرم العلماء) و (لا تكرم فسّاق العلماء) وكان زيد عالماً ، وشككنا في عدالته وفسقه ـ والشبهة المفهوميّة ـ كما لو شككنا في المثال السابق في معنى الفاسق ، هل هو خصوص مرتكب الكبائر أم يشمل مرتكب الصغائر أيضاً ـ .

2 ) وقلنا أيضاً بأنه إذا وردت جملتان شرطيَّتان ، لكلٍّ منهما شرطٌ خاص ، ولهما جزاء واحد ، من قبيل (إذا خفي الأذان فقصِّرْ) و(إذا خفيت الجدارن فقصِّرْ) فإنّ العرف يجمع بينهما بالتخيير بوضوح ولا يرى أيّ تعارض بينهما ، بمعنى أنه إذا حصلت علّة واحدة لوجب التقصير حتى ولو لم تحصل العلّة الأخرى ، ولا ينظر إلى المفاهيم ، وذلك لأظهريّة المنطوق من المفهوم .

3) وقلنا بأنه إذا وردت جملتان شرطيَّتان متَّحِدَتان جزاءً ومخـتلفتان شرطاً ، وثَبَتَ بالدليل اَنّ كُلاًّ مِنَ الشرطين عِلَّةٌ تامَّةٌ كما في (إذا أفطرتَ فأعتِقْ) و(إذا ظاهرت فأعْتِقْ) ، ووُجِدَ الشرطان معاً ، فهل يتعدد الحكم أوْ لا ؟ الجواب : لا شكّ في تعدّد الحكم ، أي في وجوب إعتاقين ، وذلك لوضوح تحقّق علّتين مستقلّتين ، وهو المشهور ، وهذا ما يسمّى بـ أصالة عدم التداخل في المسبَّبات ، وهذا أمر بديهي .

4) وقلنا بأنه إذا تعارض دليلٌ إلزامي ـ مثل أكرِمِ العلماءَ ـ ودليلٌ ترخيصي ـ مثل لا يجبُ إكرامُ الفقراءِ ـ بالعموم من وجهٍ قُدِّمَ ـ في منطقة الإلتقاء ، أي في العالِم الفقير ـ الدليلُ الإلزامي ، وقد يقرَّبُ ذلك بأنّ الدليل الترخيصي ليس مُفادُه عرفاً اِلاّ اَنّ العنوان المأخوذ فيه لا يقتضي الإلزام ، فإذا فرض عنوانٌ آخر ـ كعنوان العالِم ـ أعم منه من وجه دل الدليلُ الإلزامي على اقتضائه للإلزام اُخِذَ به ، بسبب كونه عالماً ، ولا تعارض بين الدليلين ، وهذا في الحقيقة ليس من الجمع العرفي ، لأنّ الجمع العرفي يفترض وجود التعارض بين الدليلين قبل التعديل ، والبيانُ المذكور يوضح عدم التعارض رأساً .

5) واليوم نقول بأنه إذا تعارض عموم شمولي ـ مثل (لا تُكْرِمْ أيّ مُتْرَفٍ) ـ وآخَرُ بَدَلِيٌّ ـ مثل (أكرِمْ عالِماً) ـ بالعموم من وجه ، أي تعارضا في محلّ الإلتقاء ، فإن كان أحدُ الدليلين دالاًّ على الشمول بالوضع والأداة ، والآخر بقرينة الحكمة قُدِّمَ ـ في مِنطَقَة الإلتقاء ـ ما كان بالوضع ، سواء اتصل المطلق الشمولي بالمطلق البدلي أو انفصل عنه ، لأنه أظهر دلالةً ، اَمّا في حالة الإتصال ـ كما إذا قال المولى (لا تُكْرِمْ أيّ مُتْرَفٍ وأكْرِمْ عالِماً) ـ فلأنّ الدمج يصير بينهما على مستوى الدلالة التصوّريّة ، بمعنى أنّ (أكرِمْ عالماً) تـتصرّف بالعام على مستوى الدلالة التصوّريّة ، فمن الأصل لا ينعقد دلالة تصوّريّة في وجوب الإكرام إلاّ لعالِم واحد على أن لا يكون مُتْرَفاً ، فإن كان مترفاً ـ وهو محلّ الإلتقاء ـ فإنه يحرم إكرامه ، أي تقدّم جهة الحرمة لأنها بالدلالة الوضعيّة ، وجهةُ الوجوب تدلّ على الشمول بالإطلاق ، والدلالة بالوضع أقوى وأظهر من الدلالة بالإطلاق .

وأمّا في حالة الإنفصال فإنّ الدلالة التصوّريّة تنعقد ـ كما لو ورد (لا تُكْرِمْ أيّ مُتْرَفٍ) ـ وحينما جاءنا ـ في مقام آخر ـ (أكرِمْ عالِماً) فإنّ الدلالةَ التصوّريّة الأولى تسقط ويتشكّل دلالة تصوّريّة لمجموع الكلام ، وهي ما نعبّر عنها بنتيجة الجمع العرفي ، وفي مثالنا المذكور سوف تكون النتيجةُ نفسَ نتيجة الجمع العرفي السالف الذكر وهو (أكرم عالماً إلاّ أن يكون مُتْرَفاً ، فإنْ كان مُتْرَفاً فإنه يَحْرُمُ إكرامُه حتى ولو كان عالماً) .

وأمّا إذا كان كلاهما بالوضع ـ مثل (لا تكرم أيّ فاسق) و (أكرم أيّ عالم) ـ أو بقرينة الحكمة ـ مثل (لا تُكْرِمِ الفاسق) و (أكْرِمِ العالِمَ) ـ فقد يقال بأنهما يتساقطان لأنهما متكافئان في الظهور ، ولكنه خطأ ، وإنما يجب تقديمُ الشمولي ـ وهو لا تكرمِ الفاسق ـ على البدلي ـ وهو أكرِمِ العالِمَ ـ ، وذلك لأنّ النهيَ الشمولي يشمل كلّ فاسق فاسق ، كما تقول (لا تكذب) (لا تسرق) (لا تظلم) ، فكلّ مصداق من الكذب ، وكلّ مصداق من السرقة ، وكلّ مصداق من الظلم منهيّ عنه بملاك إلزامي ، وأمّا البدلي فهو ينظر إلى فرد واحد ، ومن غير المستهجَن أن لا يكون العالِمُ واضحَ المعالِمِ من جميع الجهات ، وبالتالي يمكن عرفاً أن يخصَّص العالِمُ بعدم كونه فاسقاً ، أي من غير المستهْجَنِ أن يقال ـ في مقام الجمع العرفي بينهما ـ (أكرِمِ العالِمَ إلاّ الفاسق فإنه يحرم إكرامه) ، ولا يفهم العرف المعنى التالي "لا تُكْرِمِ الفاسق إلاّ إذا كان عالماً ، فلكَ أن تطبّق وجوب الإكرام على الفاسق العالِم" وذلك لأنّ الفاسق منهيّ عن اكرامه ، لفرض وجود مفسدة عظيمة في ذلك ، فلذلك ترى العرفَ لا يجمع الجمع الثاني ـ وهو تطبيق وجوب إكرامِ العالم على خصوص الفاسق المنهيّ عن إكرامه ـ ويستهجنه جداً . وبتعبير آخر : أنت مرخّصٌ لك في أن تطبّق (وجوب إكرام العالم) على أيّ عالم ، فلماذا طبّقتَ هذا الترخيصَ على خصوص الفاسق أو الفاجر أو الكافر ؟! أليس العرفُ يقدّمون ـ في هكذا حالةٍ ـ الدليلَ الإلزامي على الدليل الترخيصي السالف الذكر في التطبيق الرابع ؟! وبتعبير ثالث : أليس التحريم إلزاماً ، والترخيص في التطبيق ليس إلزامياً ؟! على أنك إن أكرمتَ العالِمَ الفاسقَ فأنت لا تعلم براءةَ الذمّة ، وذلك لاحتمال غلبة المفسدة على المصلحة ، لا بل أنت تحتمل أنك تكون قد ارتكبت حراماً ، والأصلُ الإشتغال وعدمُ براءة الذمّة ، وأمّا إن أكرمت العالِمَ العادلَ ـ اجتناباً للإكرام المحرّم ـ فأنت تعلم ببراءة الذمّة .

أمّا إن ورد (لا تكرم أيّ فاسق) و (أكرم كلَّ عالم) مع الشكّ في أهميّة جانب المفسدة على جانب المصلحة أو العكس ، فإنّ العقل يحكم بتقديم جانب المفسدة والنهي على جانب المصلحة .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo