< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حُكْمِ المخصِّص

الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حُكْمِ المخصِّص

بيان الأمر باختصار : قد يقال بجواز التمسّك بعموم العام وحُكِيَ ذلك عن السيد اليزدي ، ومبنى جواز التمسّك بعموم العام هو البناء على عدم تعنون العام بعنوان ما عدا الخاص ، وإنما يبقى العام على عموميّته ، فلو قال المولى (أكرم علماء الحوزة) ثم قال (لا تُكرم فسّاقَهم) ، ثم شككنا في عدالة زيد ـ الذي هو أحد علماء الحوزة ـ أو في فسقه ، فإنّ علينا أن نرجع إلى عموم (أكرم علماء الحوزة) حتى يثبت فسقه ، طبعاً إن لم يكن يوجد عنده حالة سابقة بالعدالة أو الفسق ، وإلاّ فإنها تُستصحَبُ

ومبنى عدم الجواز هو تَعَنْوُنُ العامِّ بعنوان (العام المخصَّص) ، أي يصير العامُّ جزءً مِنَ الموضوع بالتخصيص بعد اَنْ كان العامُ تمامَ الموضوع قبل التخصيص ، أي تصير الجملة هكذا (أكرم علماء الحوزة العدول) ، فمع الشكّ في فسق زيد أو عدالته فإننا يجب أن نرجع إلى براءة الذمّة من وجوب إكرامه .

مثال ثانٍ : قال الله تعالى[أَوفُوا بالعُقود] ، وثَبَتَ في الشرع خِيارُ الغَبن ، فلو شُكَّ في أنّ خيار الغبن هو على نحو الفَور أو على نحو التراخي ، فهل يصحّ التمسّك بـ [اَوفُوا بالعُقود] ـ في حال زوال الوقت الأوّل ـ لإثبات وجوب الإيفاء بالعقد أم نستصحب بقاء خيار الغبن ؟

الجواب : إنّ القدر المتيقّن هو أنّ خيار الغبن هو في الوقت الأوّل ، ونشكّ في ثبوته بعد ذلك، فيجب الرجوع إلى الإطلاق الأزماني لدليل [اَوفُوا بالعُقود] وهو وجوب الإيفاء بالعقود في كلّ الأزمان ، سَقَطَ الزمانُ الأوّلُ شرعاً بسبب الغبن ، فنبقى على إطلاق [اَوْفُوا] في سائر الأزمنة . وبتعبير آخر : معنى الإطلاق الأزماني لـ [اَوفوا بالعقود] هو وجوب الإيفاء به في الدقيقة الاُولى وفي الدقيقة الثانية وفي الدقيقة الثالثة وفي كلّ دقيقة ، والرجوعُ إلى هذا الإطلاق الأزماني أقوى من الرجوع إلى إطلاق (خِيار الغَبْن) ، لأنه مع الشكّ في مقدار وحدود هذا الخِيار يجب الإقتصار على القدر المتيقّن من الخروج من تحت العمومات الفوقانية والرجوعُ دائماً إلى العمومات الفوقانية ، ولا صحّة للتمسّك باستصحاب بقاء خيار الغبن ، وذلك لسببين : الأوّل : لأنه مع وجود أمارات وأدلّة محرزة لا يصحّ عقلاً ولا شرعاً التمسّكُ بالإستصحاب ، وثانياً : لأنّ الشكّ في بقاء خيار الغبن إلى المدّة البعيدة هو شكّ في مقدار الجعل ، وأنت تعلم أنّ الإستصحاب لا يجري في الشبهات الحكميّة ، فيبقى أن نرجع إلى عموم العامّ ، ولك أن تقول بأنّ مرجع ذلك إلى أصالة عدم التخصيص الزائد ، ولا مجال للقول باستصحاب بقاء الخيار .

مثال ثالث : لو تردّد أثناء سفره في إكمال سفره أو في رجوعه إلى وطنه ثم عاد إلى الجزم بإكمال السفر قبل أن يقطع شيئاً من الطريق ولم يكن الذهاب الباقي مع العَود مسافةً ، فإمّا أن تكون فترة التردّد طويلة عرفاً كأكثر من ساعة فهنا يجب عليه صلاةُ التمام بوضوح ، لكون القصد الثاني غير القصد الأوّل ولكون وظيفته ـ لو أراد أن يصلّي أثناء تردّده ـ أن يصلّي تماماً .

وإمّا أن تكون فترة التردّد قصيرة عرفاً فهنا كان السير ثمانية فراسخ عن قصدٍ متصلاً عرفاً ولم يفصل بين أجزائها ما هو فاقد للقصد لِفَرْضِ عدمِ قطعه شيئاً من الطريق حال التردّد . فاللازمُ هنا التمسّكُ بعموم أنّ حُكمَ مَن ضَرَبَ في الأرض هو التقصير ، ولا يوجد دليل يدِل على أنّ مجرّد التردّد ـ ولو القصير ـ يُفسد الشرطَ الثاني ـ وهو قصْدُ قطْعِ المسافة ـ ، ذلك لأننا استفدنا الشرط الثاني من روحية الروايات لا من نصّ صريح ، فيكفي بقاءُ القصد عرفاً ـ ولو كان بالدقّة العقلية قصْداً ثانياً ـ خاصةً إذا كانت فترة التردّد قصيرة للغاية . وما اُريد قولَه هو عدم صحّة استصحاب البقاء على التمام بذريعة أنه مجرّد أنه تردّد ـ ولو دقيقة ـ فقد صار حُكْمُه التمام ، فنستصحب التمامَ !! وإنما يجب أن تقول : الأصلُ عدمُ التخصيصِ الزائد في شرطيّة القصد

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo