< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إستصحاب الشرائع السابقة
إستصحاب بقاء الشرائع السابقة وعدمُ نسْخِها
أفضنا في البحث حول هذا الموضوع، وممّا يدلّنا على عدم وجود أيّ حكم في شرائعهم يخالف شريعتنا كون فصال الرضيع عن ثدي اُمّه بعد كمال العامَين لقوله تعالى [وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ (14)][1].
وأيضاً بالنسبة إلى جواز نقْلِ الموتى إلى أماكن مقدّسة وَرَدَ في جملة من النصوص أنّ يوسف نقَلَ جنازةَ أبيه يعقوب في تابوت من مِصْرَ إلى كنعان من أرض الشام، وحَمَلَ موسى بنَ عمران عظامَ يوسفَ إلى الشام، فقد قال في مفتاح الكرامة : ( قال في الذكرى : قال المفيد في الغَرِية : قد جاء حديث يدل على الرخصة على نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول (اِنتهى ما في الذكرى) . ويدل عليه أيضاً ما رواه في مجمع البيان من حمْلِ يوسفَ يعقوبَ في تابوت إلى أرض الشام، وما روي في الكافي والفقيه والخصال والعيون من إخراج موسى عظامَ يوسف )(إنتهى ما في مفتاح الكرامة) [2].أقول : وفي قرب الإسناد للحِمْيَري القمّي(ط ري وكل عصر الغيبة الصغرى) قال : 183 ـ حدثني السندي بن محمد(كان ثقة وجهاً في أصحابنا الكوفيين ط 7 أي ط د وقيل إنه بقي إلى زمان دي i) قال حدثني صفوان بن مهران الجمّال(ط 5) عن أبي عبد اللهt قال ـ في حديث ـ : ( إنّ الله عَزَّ ذِكْرُه أَوْحَى إِلَى مُوسَىt أَنِ احْمِلْ عِظَامَ يُوسُفَt مِنْ مِصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ بِالشَّامِ )[3].
وورد عن العامّة بطرقهم عن زيد بن أرقم قال قلت أو قالوا : يا رسول الله : ما هذه الأضاحي ؟ قال : (هي سُنَّةُ أبيكم إبراهيم )[4] .
وقلنا إنه قد يتوهّم بعض الناس أنه كان في شرائعهم بعض الأحكام المغايرة لأحكام شريعتنا من قبيل تحريم بعض الأمور، وأجبنا على ذلك أنّ هذه التحريمات لم تكن أحكاماً خالدةً مؤبّدة، وإنما كانت عقوبات لبعض الناس اقتضت أن يحرّم اللهُ عليهم بعضَ الأمور، لاحِظْ مثلاً بعضَ المعاصي التي كان يفعلها بنو إسرائيل، قال تعالى [ لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ (181)] ([5]) وأيضاً بلجاجتهم وعدم تسليمهم لكلمات نبيّهم استحقوا تحميلَ الثـِّقْلِ كما هو معروف في قصة بقرة بني إسرائيل وكما قال سبحانه [ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ] .. لكن هذه عقوبات مؤقّتة أي طالما كانوا على المعصية، هذه العقوبات أوهمت بعض الناس أنّ الشرائع السابقة قد نسخت، لاحِظْ قولَه [ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِـبَغْيِهِمْ ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ] [6]، فإذاً هذا ليس حكماً مؤبّداً، وإنما هذا عقاب[7]، أي طالما كانوا على البغي، وهذا العقاب هو الإصْرُ الذي حمّله اللهُ تعالى على الذين مِنْ قَبْلِنا في قوله سبحانه [ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ، رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ (286)] [8]
وهناك بعض الظروف اقتضت تشريع بعض الأحكام بلحاظ بعض الأفراد لمصحلة خاصّة كما في قوله تعالى ـ في مقام مدح يحيىt ـ [ فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِـيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ][9] قيل أي لا يأتي النساء !!
أقول : الظاهرُ جدّاً أنّ السبب في تشريع عدم الزواج ـ على فرْض ذلك ـ هو أنّ اليهود قد نسبوا إلى أنبياء الله أنّ كلّ همّهم هو النساء والدنيا وشهواتُها .. فأراد اللهُ تعالى أن يُزيل هذه التهمةَ عن الأنبياء فشرّع هذا الحكمَ مؤقّتاً ولأسباب اضطراريّة وبلحاظ أفراد مخصوصين وقِلّة جدّاً، واهتمّ بالجنبة الروحانيّة للإنسان أكثر ممّا اهتمّ بجنبته الماديّة، مضادّةً باليهود الذين كانوا قد أعطوا الدنيا كلّ اهتمامهم وتركوا الإهتمامَ بالآخرة، فأحبّ اللهُ تعالى أن يوازن بين هذا وذاك، وعلى فَرْضِ أنّ معنى حصور هو الذي لا يأتي النساء ولكن يجب أن يكون هذا الإمتناع من الجماع باختياره، ولا يصحّ أن يكون هذا الإمتناع عن عنَن، لأنّ العَنَنَ عَيبٌ لا يجوز على الأنبياء ... ولم يُعْهَدْ رجحانُ (عدمِ الزواج) بنحو نوعي في شريعة إلهية، فلا يكون هذا الحكم منافياً لما في شرائع الله فضلاً عن شريعة الإسلام والتي صرّح بها رسول الله ( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني )
ولـِما ذكرنا شرّع اللهُ تعالى بعضَ الأحكام الخاصّة ببني إسرائيل فقال [ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا ، وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ ، وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)] [10] . إذن شرَّعَ اللهُ لهم هذه الرهبانيّةَ ابتغاءَ رضوانِه جلّ وعلا ولتلك الظروف المعروفة، لكنها لا شكّ أنها كانت رهبانيّة عقلائيّة لكونها كانت ذات أسباب وجيهة جدّاً، وإلاّ لما كتبها الله عليهم ابتغاء نيل رضوانه . والظاهرُ أنّ رهبانيّتهم كانت (صلاةَ الليل) ونحوها، وذلك لما رواه في يب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط(بن سالم ثقة وكان أصدق الناس لهجةً وأوثقهم، كان فطحيّاً ثم رجع إلى المذهب الحقّ) عن محمد بن علي بن أبي عبد الله (يروي عنه البزنطي بسند صحيح وهذا أمارة الوثاقة) عن أبي الحسنt في قوله تعالى[ ورهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله] قال ( صلاة الليل )[11] مصحّحة السند، إذن المراد من (الرهبانيّة) هي صلاة الليل لا الرهبانيّة السلبيّة التي قد تـتبادر إليها الأذهان . إذن معنى الآية ـ واللهُ العالم ـ هو أنّ الله تعالى جعل فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ـ أي المؤمنين ـ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً جيّدة كصلاة الليل والإستغفار في الليل والتفرّغ لعبادة الله، لكنْ هم ابتدعوا هذه العبادات الحميدة، لا نحن، ولم تكن مِن قَبْلِهم في أزمان السابقين، لكننا قَبِلْنا بِدْعَتَهُم هذه، لأنها كانت جيّدة في ذاتها ولتُوْصِلَهم إلى [ رِضْوانِ اللهِ ] وهذا صريح في أنه جلّ وعلا شرّعها لهم إستثناءً، أي من باب الحكم الثانوي، لغرضهم الجيّد، لكنِ الفاسقون منهم ما رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، فلعلّهم شابوا ذلك ببعض البدع المبغوضة كترك الزواج ولبس المسوح وترك اللحوم ونحو ذلك وبالرياء أو بالإعتماد في معاشهم على غيرهم، أو صار همّهم الدنيا وجمعَ المال من الناس على أساس أنهم رهبان متفرّغون لعبادة الله .
وبما أننا لا نعرف حقيقةَ ما تركوه فلا يَدخل هذا الموردُ في بحث (استصحاب الشرائع السابقة) لأننا لا نعرف رهبانيّتَهم بالتفصيل، أي لا نعرف ماذا كان يفعل المؤمنون منهم وماذا كانوا يتركون لنستصحبَ مشروعيّةَ ذلك، فلا يقين بالحدوث ولا شكّ في البقاء .
نظرة المفسّرين إلى آية [ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا ، وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ ، وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا، مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)] .
قال الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر : ( ويمكن أن نفهم من هذه الآية الكريمة عدةَ أمور : الأمر الأول : إن هذه الرهبانية بمنطوق الآية من عطاء الله سبحانه للذين اتبعوا النبيّ عيسى بن مريم، وقد عدّها اللهُ سبحانه إلى جنب الإنجيل ليكونا معاً مفخرة من مفاخر دين هذا النبي الكريم . الأمر الثاني [الَّذِينَ اتَّبَعُوه] هم الذين اتبعوه بحق، كما هو ظاهر الآية الكريمة، لأن مَن يدّعي الإتباع بالباطل لا يكون تابعاً حقيقياً يشهد الله له في الآية بالإتباع، وإنما ذاك صورةُ الإتباع وليس واقعاً . الأمر الثالث : إن الرهبانية من الرَّهْبَة، وهي درجة عالية من درجات الخوف من الله عزّ وجلّ، والرهبانية هي هذه الرهبة بالذات مع ما تستـتبعه من سلوك حياتي معين هو في الأغلب الإنقطاعُ عن الناس وتركُ طريق الدنيا على العموم . الأمر الرابع : ممّا نفهمه من الآية الكريمة أن الرهبانية مكانُها الأصلي هو القلب [ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ] فهي عطاء من الله موطنه قلوبُ أولئك الذين اتبعوا نبيّهم اتباعاً حقيقياً، والقلب هو ظرف العواطف، كما أن العقل هو ظرف الإدراك والفكر . والرهبانية أو الرهبة من أجَلّ العواطفِ تجاه الله وتحصل عندما يُدْرِكُ الفردُ بوضوح موقفَه المتصاغرَ كعبد ذليل خاضع لله الربّ القوي العظيم، فتحدث في قلبه الرهبةُ والخشيةُ، وفي جسمه الرعدةُ، وفي وجهه الصفرة، وفي فكره الذلة، وفي نفسه الضعة أمام الله العلي العظيم . الأمر الخامس : الرهبة هي الإستعظام يعني الشعور بأن الطرف الآخر عظيم وجليل ومرهوب الجانب، وهذا قد يحدث للأمور الدنيوية، كما في إرادة الإقدام على بعض الأعمال الصعبة، ولذا قيل في المثل : (إذا هِبْتَ أمْراً فقَعْ فيه)، والهَيبة والرهبة متشابهان في هذا المجال، وكما في إرادة مقابلة بعض الشخصيات المهمة في المجتمع، كما لو كان الفرد المرادُ مقابلتُه عالماً أو حاكماً أو حكيماً، ولذا ورد أنه لا ينبغي للفرد أن يَهابَ غير الله أو يَرهبه . ولذا إذا اتصلت هذه العاطفة بالله سبحانه كانت حقاً لا ريب فيه، لأنه جلّ جلاله أهْلٌ لأن نَرْهَبَ منه وأن نخافه وأن نستعظمه، لأنه أهْلٌ للعظمة والجلال . الأمر السادس : تدل الآية الكريمة التي نتحدث عنها على أن الرهبة أو الرهبانية لم تكن موجودة فيما قبل هذا الجيل من أتباع المسيحt، والسر الذي نعرفه في ذلك هو أن العطاء الإلهي يناسب دائماً مستوى الفرد الثقافي والإيماني والعقلي، فلم يكن مستوى المؤمنين قبل ذلك يناسب مثلَ هذا العطاء الكبير، على حين كان هذا الجيل هو أول جيل مستحق لهذا العطاء في البشرية . ولا يخفى أنَّ اتِّباعه للمسيحt له دخْلٌ كبيرٌ في هذا العطاء لما اشتهر بالتواتر عن هذا النبي الكريم من الزهد بالشهوات ومن البُعْدِ عن الدنيا والأمرِ بانتظار الموت والعمل للآخرة، فعندما يرون نبيّهم على هذا المنوال وهم الذين اتبعوه بحق، يكونون أولى الناس بهذا الشعور وبهذا المسلك . الأمر السابع : تدل الآية الكريمة على أن الرهبانية مكتوبة على هؤلاء، والكتابة هنا إما أن يراد بها الكتابة التكوينية الخَلْقِية، وإمّا أن يراد بها الكتابة التشريعية، فالكتابة التكوينية هنا أكثر من إيداع هذه الرهبة في قلوبهم، فكأنه قال : ما فعلنا ذلك إلاّ ابتغاء مرضاة الله، يعني لكي يـبتغوا مرضاة الله عزّ وجلّ . والكتابة التشريعية تعني الطلب منهم وجوباً أو استحباباً أن يمشوا في هذا الطريق، ويواكبوا هذه العاطفة، وهي الرهبانية، ويؤكَّدوها بالشكل الذي يعلمون . ولعلّ هذا هو الأظهر من الآية الكريمة، والذي فهمه أكثر المفسرين، وإن كان الأول لا يخلو من وجاهة .. الأمر الثامن : تدل الآية الكريمة على أن هناك أمرين قد حصلا : أحدهما : إعطاء الرهبانية لقلوب هؤلاء، الثاني : تشريعها في حقّهم، والمفهوم عادة أو تقليديّاً هو أن الأمر الأول سابق على الثاني، ولعل ذلك مفهومٌ مِن تأخّرِه في الذكر في لفظ الآية، إلاّ أن الإنصاف أننا لو تأملنا الآية الكريمة لم نجد أي غضاضة في افتراض أن الكتابة متقدمة على العطاء، فقد كتبها سبحانه عليهم وأعطاهم التجاوب مع هذه الكتابة والإطاعةَ لها وتطبيقَها في حياتهم فيكون قوله [ ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ] يعني ما كتبناها عليهم حين كتبناها وذلك في عصر نبيّهم المسيحt، وإلا فكيف بلغهم أن الله تعالى كتبها عليهم إذا كان ذلك بعده . الأمر التاسع : إنّ الآية الكريمة تدل على أن هذا الجيل من الذين اتبعوا المسيحt قد ابتدعوا الرهبانية، والإبتداع مصدر مَزيد من الإبداع وهو بمعناه، وهو الإيجاد على غير مثال سابق ... ولا يتعين أن يكون هذا الإبتداع من البدعة في الدين، بل الآية نص برضا الله عزّ وجلّ عن هذه الرهبانية وإقراره لها وتشريعه لوجوبها، فكيف تكون بدعة في الدين ؟!)(إنتهى) [12].


[3] قرب الاسناد : ج 1، ص 375، وإني لم أعرف كيف يروي عبدُ الله بن جعفر في قرب الإسناد عن السندي بن محمد مباشرةً مع أنهما متباعدان كثيراً . قال النجاشي فيه : ( قَدِمَ عبد الله بن جعفر الكوفةَ سنة نيف وتسعين ومائتين ( أي بعد سنة 290) وسمع أهلُها منه فأكثروا، وصنف كتباً كثيرة منها كتاب قرب الإسناد إلى الرضا. tوكتاب قرب الإسناد إلى أبي جعفر ابن الرضاo ) (إنتهى) وهذا يعني أنه ولد حوالي سنة 250 هـ، أي كان في زمان الغيبة الصغرى تقريباً، ولادةً ووفاةً، فكيف يروي عمّن هو من طبقة الأئمّة الرضا والجواد والهاديi ـ الذي استشهد سنة 183 هـ ـ أي أنّ الظاهر أنّ السندي بن محمد مات قبل ولادة عبد الله بن جعفر بحوالي 70 سنة ؟! وبتعبير آخر : كيف يروي مَن هو من طبقة الغَيبة الصغرى عمّن هو من طبقة الإمامين الصادق والكاظمo بواسطة واحدة فقط ؟! فالمظنون قويّاً أنّ الرواية مرسلة . على كلّ، رواها في الكافي أيضاً ج 8 ص 155، وقال في الخصال ص 205 هكذا : حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال(ورع ثقة في الحديث إلاّ أنه كان فطحيّاً) عن أبي الحسن(الرضا)t أنه قال : احتبس القمرُ عن بني إسرائيل فأوحى الله جل جلاله إلى موسىt أن أخرِجْ عظامَ يوسف من مصر، ووعَدَهُ طلوعَ القمرِ إذا أخرج عظامَه، فسأل موسى عمن يعلم موضعه، فقيل له : ههنا عجوز تعلم عِلْمَه .. ) . وفي بعض الروايات : (. فَدَلَّتْه المرأةُ العجوزُ على قبر يوسف فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر، فلمّا أخرجه طَلَعَ القمرُ، فحمله إلى الشام، فلذلك يَحْمِلُ أهلُ الكتابِ موتاهم إلى الشام) (مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى للشيخ محمد تقي الأملي ج 7 ص 19 نقلاً عن كتاب مَن لا يحضره الفقيه) .
[12] ما وراء الفقه : ج 2، ص 348 . .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo