< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الأصل المـُثْبِت
الأصل المـُثْبِت
والسؤالُ هو : هل تشمل أدلّةُ الإستصحاب صورةَ ما لو ترتّبت الآثارُ الشرعيّة بواسطةٍ عقليّة أم لا ؟
الجواب : قد تقول إنه يمكن القولُ بشمول ( لا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشكّ ) للآثار الشرعية المترتّبة على الآثار العقليّة، فلا يوجد مانع عقلي من الشمول، بدليل أنه لم يكن هناك مانع من التعبّد بالآثار الشرعيّة المترتّبة على الآثار العقليّة في الأمارات، والتعبّد فيهما واحد . فكيف يُعقَلُ التعبّدُ باللوازم العقليّة للأمارات دون الأصول ؟! أليس في كليهما تعبّدٌ ؟!
وكذلك لا مانع ظهوري من شمول أدلّة الإستصحاب لما فيه أثر شرعي مترتّب على أثر عقلي، فيكفي أن يكون طبيعي الأثر شرعياً، أي يكفي أن يكون الأثر الأخير شرعيّاً، ويكفينا إطلاق أدلّة الإستصحاب دليلاً على ما نقول، ولا دليل على وجوب الإقتصار على خصوص الآثار الشرعيّة المباشرة .
فأقول : ما ذُكِر صحيحٌ، فالمقتضي لجريان الأصل المثبت موجود، والمانع العقلي مفقود، ولكن المشكلة هي في وجود مانعَين آخرَين يمنعانِ مِن جريان الأصل المثبت وهما : (تغاير المستصحَبِ مع موضوع الحكم) والثاني : (إستبعادُ اعتبار الآثار العقليّة حجّة شرعاً في الأصول العمليّة ممّا يصرف أدلّةَ الإستصحاب عن الحجيّة في اللوازم العقليّة)، فإنّ المولى تعالى إنما اعتبر اللوازمَ العقليّة لمؤدّى الأمارات حجّة لأغلبيّة موافقة الأمارات للواقع، ولأنّ الإخبار عن شيء ـ كقطع رأس زيد ـ إخبارٌ عرفاً عن لوازمه أيضاً ـ كموت زيد بالقطع ـ، فحينما يعتبر الشارعُ المقدّس الأمارةَ حجّةً فإنّ العرف يفهم من ذلك أنها حجّة فيما تكشف عنه، وهي تكشف عن مدلولَيها المطابقي والإلتزامي بنفس القوّة، وحينما ينزّل المولى تعالى مؤدّى الأمارةِ منزلةَ الواقع وينزّل الظنّ الحاصلَ منها منزلةَ العِلم فإنّ العرف يفهم من ذلك تنزيلَ لوازمِها العرفيّةِ والعقليّة أيضاً منزلةَ الواقعِ ... وقد ذكرنا آيةَ النبأ والرواياتِ الصحيحةَ الدالّةَ على ذلك سابقاً بتفصيل، وليس الأمر في الإستصحاب كذلك، فإنه من المستبعَد أن يوافق مؤدّى الإستصحابِ الواقعَ غالباً كما كان الحال في الأمارات، كما أنّ الإستصحابَ تعبّد محض، لا كاشفيّة فيه كي يقال بأنّ التعبّد بالمستصحَب ـ كالتعبّد بطهارة اللحم المطروح في الصحراء ـ تعبّدٌ بلوازمه ـ ككون الحيوان مذكّى ـ إذن فيجوز الأكل منه !! وكالتعبّد ببقاء حياة زيد فإنه لا يُثْبِتُ ـ عقلائيّاً ـ نباتَ لحيتِه ولا شيبَها، وإنما يترتّب على بقائه حيّاً بقاءُ الزوجيّة وحرمةُ تقسيم ماله، ولذلك يَستبعَدُ الناسُ تشريعَ حجيّة الإستصحاب في لوازمه العقليّة ممّا يصرف أدلّةَ الإستصحاب عن الحجيّة في اللوازم العقليّة، ويكفينا أن نقول بأننا لا نعلم بحجيّة اللوازم العقليّة للمستصحَب، والأصل عدم الحجيّة .
على أنه ليس في الإستصحاب تنزيل مطلقاً، وذلك كما كان الحال في مؤدّى الأمارة، فلو كنّا قد توضّأنا بماءٍ كنّا قد استصحبنا طهارته، وبعد الصلاة علمنا بأنه كان متنجّساً، فإنّ علينا أن نعيد وضوءنا وصلاتنا، وذلك لأنّ المطلوب في شرط الصلاة هي الطهارة الواقعيّة، لا الأعمّ منها ومن الظاهريّة، والإستصحاب لا يثبت إلاّ وظيفة عمليّة ظاهريّة فقط، لا واقعيّة، وكذلك كان الأمر في الأمارات، فإنه لا يقوم مؤدّى الأمارة مقام الواقع مطلقاً أي حتى في قضيّة الإجزاء، فلو دلتنا البيّنةُ العادلة إلى جهة القبلة ثم تبيّن لنا ضمنَ الوقتِ أنّها كانت مخطئة وأنّا كنّا مستدبرين للقبلة كان علينا أن نعيد صلاتنا، نعم إن علمنا خارج الوقت فلا يجب الإعادة على ما هو المعروف، إذن لم ينزّل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع مطلقاً أي حتى مع تبيّن خطئها .
مسألةٌ : قد تكون الحالة السابقة للمائع هي الخمريّة، وخلالَ عمليّةِ التخليلِ ـ مثلاً ـ شككنا في بقائه على الخمريّة، فإذا أردنا استصحابَ الخمريّة لإثبات أنه خمر ـ فهو إذن حرام ـ فهذا الإستصحاب يكون أصلاً مثبتاً، لأنك أردت بالإستصحاب إثباتَ أنه خمر، أي أنك أردت إثبات موضوع الحكم، والإستصحاب لا يثبت، وإنما ينفي، فما الجواب ؟
الجواب : نحن في الواقع نـُثْبِتُ بقاءَ موضوع الحكم، وهذا ليس أصلاً مثبتاً، وذلك لعدم وجود واسطة عقليّة في البَين، وليس هناك تغايرٌ بين المستصحَب وبين موضوعِ الحكم، وهذا كما يستصحبون بقاءَ كريّةِ الماء في الخزّان، بل هذا أمْرٌ مسَلَّمٌ عند المسلمين جميعاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo