< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/02/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الإستصحاب في الاُمور التدريجيّة

4 ـ الإستصحاب في الاُمور التدريجيّة

وخلاصته أنه يصحّ استصحاب الزمان ، ولا يصحّ استصحابُ الزمانيات وهي الحركات . بيان ذلك :

المستصحَبُ إمّا أن يكون من الأمور القارّة ـ كطهارة الثوب ـ وهذا يجري الإستصحاب فيه بلا شكّ ولا خلاف ، وإمّا أن يكون من استصحاب الزمان ـ كما في استصحاب بقاء الليل والنهار ـ وهذا يجري فيه الإستصحاب لأنه يُعتبَرُ ـ عرفاً ـ قطعةً واحدة ، وإمّا أن يكون من استصحاب بقاء الزمانيّات ، وهي حركات الماديّات السيّالة الوجود زمنيّاً ، كخروج الدم من الجرح ، وكنزول المطر من السماء ، وكمَشي الشخص . فالمراد من الحركات هي ما كانت موجودة في مادّة ، وهذه الحركة سيّالة الوجود زمانيّاً ، تحدث وتـتصرّم فوراً ، لا كحياة زيد ، والفرق بين الأمور الزمانيّة وحياة زيد هو أنّ خروج الدم أمر قائم في الجوهر ـ أي في الدم ـ ، فخروج الدم هو حركة ، لا غير ، تحدث وتـتصرّم ، أمّا حياة زيد فهي بقاء الروح فيه ، فهي غير متصرّمة ، وإنما هي ـ لولا أخْذُ اللهِ تعالى لها ـ هي باقية ما بقي الدهر . وكذا طهارةُ الثوب ـ مثلاً ـ هي قارّةٌ عرفاً ، وإلاّ فهي ـ بالدقّة الفلسفيّة ـ متصرّمة لأنّ نفسَ موضوعها ومحلّها متصرّمُ الوجود ، خاصةً على مسلك صدر المتألّهين من الحركة الجوهريّة والتصرّم الدائم في الماديّات ، مادّةً وصورة .

وأمّا في استصحاب الزمان ، فلا شكّ في صحّته عرفاً ، بلا شكّ ولا خلاف أيضاً ، ولذلك يستصحبون عدم دخول الفجر ، وعدم الزوال ، وعدم دخول شهر رمضان ، وعدم انتهائه ، ويستصحبون بقاء الليل ، فيأكلون في شهر رمضان ، ويستصحبون بقاء النهار فلا يأكلون في رمضان .. وهكذا . والسبب في ذلك أنّ الناس يرون أنّ الزمان هو أمر متّصل ، وكأنه قارّ ، ولا يلتفتون إلى أنه سيّال متحرّك تدريجي ، وأنه يتصرَّمُ كلّ ثانية ، بل كلّ لحظة ، فماذا تستصحب ؟! فإن قيل : نستصحب هذا الكمّ من النهار ، قلتُ : ماذا تعني بـ (هذا النهار) ؟ هل تستصحب النهار السابق ، وقد انصرم قطعاً ، أي لا شكّ في بقائه ، لانصرامه ، أم تستصحب النهار الآتي ، الذي لم يأتِ بعدُ ، أي لا يقين بأصل حدوثه ؟! ورغم هذا الإشكال تَرى الناسَ يقولون بأنّ الليل والنهار هما عبارة عن مجموعة الأجزاء الزمانية المعروفة ، فهما كُلٌ واحدٌ ، والثواني هي أجزاؤهما ، فللّيل والنهار وحدة شخصيّة عرفاً ، ولذلك يستصحبون بقاءَ هذا الكلّ الواحد المتّصف بالنهار ، فالإستصحاب للليل والنهار هو استصحاب نعتي ، وذلك لأنه حتى لو زال النهار أو الليل لبقي الزمان موجوداً ما بقيت المادّة المتحرّكة . المهم هو أنّ العُرْفَ يستصحبون الزمان ككلّ ، مع غضّ النظر عن الثواني والدقائق . ولذلك إذا قال المولى "إذا دخل شهر رمضان فصوموا" وشككنا في دخوله ، فإننا لا نصوم بالإجماع ، وإذا قال "إذا طلع الفجر فلا تأكلوا ، وصلّوا" فإذا شككنا في طلوعه فإنّ لنا أن نأكل ، ولا يصحّ أن نصلّي الصبح ، وهكذا .

نعم إن كان عرفاً غيرَ متّصل كما في مشي الشخص في البستان مبتغياً مكاناً قريباً مناسباً لقعوده وقعود عياله ، فإننا نعلم أنه سوف يتوقّف بعد قليل ، فهو لا يريد أن يتكلّف بزيادة المشي ، لذلك يرى العرفُ أنّ مشيه الزائد هو قطعات حادثة زائدة على ما مشى سابقاً وفيها تكلّف ، فإنه يصعب عند العرف والمتشرّعة أن يستصحبوا مشيه ، وكذا إن شككنا في الوحدة العرفيّة ، كما في خروج الدم من الشفة ، وكمشي الشخص الذي يتنزّه وبانياً على المشي الكثير ، فإنهم يرون أنّ خروج الدم في الدقيقة الثانية غير خروج الدم في الدقيقة الثانية ، والمشي في الدقيقة الثانية غير المشي في الدقيقة السابقة ، لذلك فإنه يصعب عليهم الإستصحاب في هكذا حالات .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo