< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/02/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : آخر الكلام في شبهة انفصال زمان اليقين عن زمان الشك

[ شبهة انفصال زمان اليقين عن زمان الشك ]

ذكرنا أمس كلامَ صاحب الكفاية وقلنا إنه قال بأننا إذا أردنا استصحابَ بقاء أحد أجزاء الموضوع إلى زمان حصول الجزء الآخر للموضوع ، فمع احتمال تغيّر الجزء الأوّل قبل حصول الجزء الثاني ، فقد انفصل الجزء الأوّل المعلوم عن زمان تحقّق الجزء الآخر بالعلم بتغيّر الجزء الأوّل ، فلم يعلم بتواجد الركن الثاني من أركان الإستصحاب ، فلا يجري الإستصحاب[1] .

بيانُ ذلك : اِنّا إذا افترضنا العلمَ إجمالاً بحدوث الملاقاة من الساعة الواحدة إلى الساعة الثانية ، وعَلِمْنا بحدوث الكُريّة في نفس الزمان ، لكن مع الشك في المتقدم منهما والمتأخِّر ، وحينئذ فإنِ استصحبنا قلّةَ الماءِ فهنا احتمالان : فقد تكون الملاقاةُ قد حصلتْ أوّلاً ـ أي قبل صيرورة الماء كثيراً ـ وبالتالي يكون زمان الشك ببقاء قِلّة الماء ـ وهو الساعة الأولى ـ متصلاً بزمان اليقين بوقوع الثوب في الخزّان ، فح يكون ماء الخزّانِ متنجّساً ، وقد تكون الكريّةُ قد حصلت أوّلاً ـ أي في الساعة الاُولى ـ وحصلت الملاقاة في الساعة الثانية ، فهذا يؤدّي إلى انفصال زمان اليقين بالقلّة عن زمان الشك في بقاء القلّة ـ أي زمان الملاقاة ـ بزمان اليقين بالكُريّة ، وما دام هذا التقدير محتمَلاً فلا يجري استصحاب قلّة الماء إلى زمان الملاقاة لإثبات النجاسة ، وذلك لعدم إحراز اتصال زمان الشكّ بزمان اليقين على كل تقدير ، فيبنى على طهارة الماء .

قال السيد الشهيد+ : ونلاحظ على ذلك أنَّ البيان المذكور ـ لو تمَّ ـ لمَنَعَ عن جريان استصحاب عدم الكُريّة حتى في الصورة التي اختار صاحب الكفاية جريانَ الإستصحاب فيها وهي حالة الجهل بالتاريخ ، دون معلوم التاريخ ـ أي في صورة الجهل بزمان حدوث الكُريّة مع العلم بزمان الملاقاة واَنّه الساعة الثانية مثلاً وشُكَّ في أنَّ الكُريّة حدثت قبل الملاقاة أو بعدها ـ ، فإنّ استصحاب قلّة الماء يحتمل فيه انفصال زمان اليقين عن زمان الشك باحتمال حصول الكريّة قبل وقوع الثوب المتنجّس في خزّان الماء ـ لأنَّ الكُريّة معلومة إجمالاً في هذه الصورة أيضاً ويحتمل انطباقها على الساعة الأولى ـ فإذا كان جريان الإستصحاب في حالة مجهولَي التاريخ متعذّراً لاحتمال الفصل بين زمان اليقين وزمان الشكّ ، إذن يجب أن تقول ـ يا صاحب الكفاية ـ بتعذّر جريان الإستصحاب في حالة العِلْمِ بتاريخ أحدهما ـ كزمان الملاقاة ـ والجهل بالآخر ـ كزمان صيرورة الماء كرّاً ـ مع احتمال فصل زمان اليقين عن زمان الشك بالعلم بالكُريّة .

قد تتوهّمُ ـ في مقام التأيـيد لسيّدنا الشهيد+ـ بأنّ ما قاله حقّ واضح ، وأنه لا فرق بين ما لو فُرِضَ الجهلُ بكلا التاريخين ، وبين ما لو جُهِلَ أحدُ التاريخين وعُلِمَ الآخرُ ، ففي كلتا الحالتين يُحتمَلُ الفصلُ بين (عدم الكريّة) وبين (الملاقاة) بـ (حدوث الكريّة) ، فكيف لا تُجري الإستصحابات في الجهل بكلتا الحالتين ، وتُجري الإستصحابَ ـ يا صاحب الكفاية ـ في صورة الجهل بزمان عدم الكريّة والعلم بزمان وقوع الثوب ؟!! إذن ، فابْقَ ـ يا صاحبَ الكفاية ـ على سببيّة التعارض فقط ، بين (استصحاب عدم الكريّة) و (استصحاب عدم الملاقاة) بلا تفصيل .

فأقول : ما ذكره سيّدُنا الشهيد غيرُ صحيح ، فإنه لا شكّ في وجود فرق بين ما ذكره صاحب الكفاية وبين ما ذكره سيدُنا الشهيد ، أمّا ما ذَكَرَه صاحبُ الكفاية فقد كان في مقام العلم الإجمالي المنجّز بأنّ الكريّة قد حصلت إمّا قبل الملاقاة وإمّا بعدها ، وكذلك الملاقاة ، إمّا أن تكون قد حصلت أثناء القلّة أو أثناء الكريّة ، فهما إذن متعارضان ، وذلك بخلاف ما لو كان زمان الملاقاة معلوماً ، وزمان الكريّة مجهولاً ، فالعلم الإجمالي غير منجّز في هكذا حالة ، ولذلك ترى العقلاءَ يُجرون استصحابَ القلّة إلى زمان الملاقاة بلا شكّ ، ويَرَون استصحابَ القلّة ح استصحاباً بسيطاً ، بمعنى أنه حينما لا يجري استصحاب عدم الملاقاة ـ لكونه معلوم التاريخ ـ لا يكون يوجد أي تعارض في البَين أصلاً ، بخلاف حالة الجهل بالتاريخين .

هذا ولكن التحقيق يقضي بأن نقول : إنه في حال الجهل بكلا التاريخين فلا مانع من جريان كلا الإستصحابين وإنه لا تعارض بينهما أصلاً ، وذلك لأننا استصحبنا قلّة الماء إلى آخر زمان محتمل ، واستصحبنا عدم الملاقاة إلى آخر وقت محتمل ، فنتج عن ذلك طهارة الماء حتماً ، بلا أن نقع في مشكلة إثبات عنوان (الإقتران بين القلّة وعدم الملاقاة) ، فإنْ وصلنا إلى الساعة الثانية ـ مثلاً ، حيث نعلم بحصولهما جميعاً ، أي بالكريّة والملاقاة ـ فهنا أيضاً يجب أن نقول بالطهارة ، ولا مشكلة في البَين أصلاً ، والحمدُ لله ربّ العالمين .


[1] راجع منتهى الدراية، ج9، ص128، طبعة نشر ذوي القربى، قُمّ المقدّسة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo