< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/12/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مثبَتات الاُصول العمليّة
... هذا التنزيل بلحاظ المداليل الإلتزامية غير موجود في الأصول العمليّة، ذلك لأنّ الأصول العمليّة تَعبّدنا الشارعُ المقدّس فيها بخصوص المدلول المطابقي، ولم يتعبّدنا بالمدلول الإلتزامي ـ كبقائه تحت الحائط وبالتالي فقد مات في المثال السالف الذكر ـ .
مثال آخر : إذا بنينا على طهارة مدفوع حيوانٍ شَكَكْنا في كونه مأكولَ اللحم ـ كي يكون مدفوعُه طاهراً ـ أو محرّمَ الأكل ـ كي يكونَ مدفوعُه نجساً كالسباع ـ فإنه ليس لنا أن نبنيَ على حِلِّيَّة أكله بذريعة الملازمة بين بنائنا على طهارة مدفوعه وحِلّيّة أكْلِه شرعاً، لأنّ قاعدة الطهارة تفيدنا جوازَ البناءِ على الطهارة وما يترتّب على الطهارة من آثار شرعية كجواز شرب الماء الذي بنينا على طهارته، ولا تفيدنا البناءَ على اللوازم التكوينيّة للطهارة من حلّيّة أكله، وذلك لأنّ حِلِّيَّة الأكل مترتّبةٌ على نفس الحيوان، لا على طهارة مدفوعه، أي أنّ حليّة الأكل من لحم هذا الحيوان ليست من آثار طهارة مدفوع هذا الحيوان، وإنما حِلِّيّةُ الأكل هي من آثار نفس الحيوان وجنسه، فلو أردنا أن نُثبِتَ حِليّةَ الأكلِ يلزم علينا أن نثبت جنس الحيوان أوّلاً، ثم يترتّب على جنس الحيوان حليّةُ أكله، وطهارةُ المدفوع لا تُثبِتُ جنسَ الحيوان، أي أنّ قاعدة الطهارة لا تثبت آثاراً غير شرعيّة . وأنت تعلم أنه ليس للمولى تعالى أن يتعبّدنا بغير الآثار الشرعية في الأصول العمليّة .. سواءً كان للأثر العقلي أثرٌ شرعي أم لم يكن .
فإن قلتَ : كيف تقول هذا الكلام وأنت بنفسك تقول بأنّ المولى تعالى نزّل مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي ؟!
قلتُ : هذا التنزيل المصرّح به في موثّقة عمّار الساباطي إنما هو بلحاظ الآثار الشرعيّة فقط، فمن صلّى بثوب طاهرٍ ظاهراً ـ أي قد نزّله المولى تعالى منزلةَ الطاهرِ الواقعي ـ تكون صلاتُه صحيحةً واقعاً، ويكون طوافه صحيحاً واقعاً، ولكنْ هذا التنزيلُ لا يفيدنا إثبات أنّ جنس الحيوان هو من مأكول اللحم .
مثالٌ ثالث : لو أطلق شخصٌ رصاصةً على المؤمن من بعيد، وهَرَبَ، ولم يَدْرِ بعد ذلك أبداً هل أنّ المؤمن قد تحرّك من مكانه قبل وصول الرصاصة إليه فتخلّص من القتل أم بقي في مكانه فقتلته الرصاصةُ ؟ فإنِ استصحبتَ بقاءَه في مكانه فعليك أن ترتّب على مُطْلِقِ النارِ كلَّ آثار القتل، أي القَوَد والكفّارة، ولكن لا أظنّ أنّ أحداً من الفقهاء يوجب القود أو الدية والكفّارة على مُطْلِقِ الرصاصةِ، أي أنهم لم يستصحبوا بقاءَه في مكانه كي يرتّبوا على ذلك الديةَ والكفّارة، ومعنى ذلك أنّ لوازمَ الإستصحاب ـ وهي بقاؤه في مكانه ثم حصول موته ـ لا تَـثبُت . ودليلُهم على ذلك هو أنّ التعبّد بالإستصحاب هو أمْرٌ تعبّدي محض، ولم يكن لكاشفيّته ـ كما كان الحال في الأمارات ـ فيجب الإقتصار على القدر المتيقّن من التعبّد، بل هذا هو مقتضى العقل والعرف أيضاً، ولذلك علينا أن نستصحب عدم حصول القتل للمؤمن، ولا معارض لهذا الإستصحاب، ولعلّ أصحابنا لمجموع ما ذُكِرَ أَجمَعوا على عدم ترتّب القود أو الديّة والكفّارة ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo