< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأدلّة على حجيّة مثبتات الأمارات

بعدما رأيـتـَنا نبحث في هذا الركن الثالث في مثبَتات الإستصحاب وغيرها صار من الواجب علينا أن نبحث في النقطتين التاليتين :

 

1 ـ مثبتات الأمارات والأصول

لا شكّ أنك تعلم أنّ مثبتات الأمارات حجّة ، بخلاف مثبتات الاُصول العمليّة التي كنّا نتكلّم فيها حتى الآن ، أمّا وجه حجيّة اللوازم في الأمارات فقد أفاد المحقّق النائيني أنّ المولى تعالى حين تعبّدنا باعتبار الأمارة عِلْماً فإنّ هذا يعني أنه تعبّدنا بحجيّة الأمارة بكلا مدلوليها المطابقي والإلتزامي ، وذلك لكون كلا مدلولي العلم حجّة ، فكذا كلا مدلولي الأمارة حجّة . وهذا الكلام لا بأس به ، بناءً على مسلكه الذي تبنّيناه وهو مسلك الطريقيّة ، وقد أوضحنا دليلنا على هذا المسلك ص 180 واستدللنا على ذلك بآية النبأ وغيرها من الروايات .

لكننا نفترق قليلاً عن قول المحقّق النائيني ، فنحن ندّعي أنّ المولى تعالى قد نزّل الإحتمال في الأمارات منزلة العلم ونَزَّل أيضاً مؤدّاها منزلةَ الواقع ، وقد استدللنا على ذلك ص 29 بآية النبأ والعديد من الروايات فراجع .

ونضيف هنا على تلك الأدلّة الكثيرة بعض الروايات التي تفيدنا أيضاً تنزيلَ احتمال الإصابة في الأمارات منزلة العلم وتنزيل مودّاها منزلة الواقع فلنلاحظ بعض الروايات :

روى أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجُبن ، وقلت له : أخبَرَني مَن رأى أنه يُجعل فيه المَيتةُ ، فقال : ( أمِنْ أجْلِ مكانٍ واحدٍ يُجعل فيه المَيتةُ حُرِّمَ في جميع الأرضين ؟! إذا علمت أنه ميتة فلا تأكلْ ، وإن لم تعلم فاشترِ وبِعْ وكُلْ ، واللهِ إني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم والسمن والجُبن ، واللهِ ما أظن كلَّهم يُسَمُّون ، هذه البربر وهذه السودان )[1] [2] ،

ولاحِظْ أيضاً ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعاً عن القاسم بن محمد(الإصبهاني المعروف بكاسام وهو مجهول) عن سليمان بن داوود(المنقري ، ثقة) عن (القاضي) حفص بن غياث[3] [4] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال له رجل : إذا رأيتُ شيئاً في يدَي رجلٍ يجوز لي أن أشهد أنه له ؟ قال : ( نعم ) ، قال الرجل : أشهد أنه في يده ، ولا أشهد أنه له ، فلَعَلَّهُ لغَيره ! فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( أفَيَحِلُّ الشراءُ منه ؟ ) قال : نعم ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( فلَعَلَّهُ لِغَيره ، فمِنْ أين جاز لك أن تشتريَه ويصير ملكاً لك ثم تقول بَعْدَ المُلك هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنبسه إلى من صار ملكُهُ مِنْ قِبَلِهِ إليك ؟ ) ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوقٌ )[5] مصحَّحة الكافي ، ورواها الصدوق بإسناده عن سليمان بن داوود . وقد تصحّح أيضاً من باب رواية الصدوق عنه في الفقيه مباشرةً ممّا يعني أنّ كتابه من الكتب التي عليها معوّل الشيعة وإليها مرجعهم .

وجه التقريب أنّ الإمام (عليه السلام) حينما أجاز له الحلف على التملّك ، مع أنه اعتمد على أماريّة اليد ، وقد يكون البائع سارقاً للغرض المباع ، فإنّ هذا يعني أنّ اليد تفيد عادةً وشرعاً الملك ، ظاهراً ، ومع ذلك أفادتنا حجيّة لوازم أمارة اليد ، وهي الحلف على التملّك ، وهذا الحلف من أعظم اللوازم وأعجبِها ، ومع ذلك لا أظنّ أنّ أحداً اعترض على هذه الناحية من هذه الرواية . ومثلُها ما بَعدها .

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعاً عن أبي عبد تعالى ـ في حديث فدك ـ أنّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر : ( أتحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين ؟ ) قال : لا ، قال : ( فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيتُ أنا فيه ، مَن تسألُ البيِّنَةَ ؟ ) قال : إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين ، قال (عليه السلام) : ( فإذا كان في يدي شيءٌ فادَّعَى فيه المسلمون تسألني البينةَ على ما في يدي وقد مَلَكْتُهُ في حياة رسول الله (ص) وبَعْدَه ، ولَمْ تَسألِ البيِّنَةَ على ما ادعَوا علَيَّ كما سألتني البينةَ على ما ادعيتُ عليهم ؟ ـ إلى أن قال ـ وقد قال رسول الله (ص) : ( البيِّنَةُ على مَنِ ادعَى واليمينُ على مَن أنكر )[6] ، وهي تفيدنا بأنّ اليد أمارة الملكيّة بما في ذلك من لوازم .

وروى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة(عامّي بتري) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول : ( كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه ، أو خُدِعَ فَبِيعَ قهراً ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيرُ ذلك ، أو تقومَ به البيِّنَةُ )[7] ، ورواها الشيخ في يب بإسناده عن علي بن إبراهيم ، وهي موثّقة السند ، وتَثبت وثاقةُ مسعدة بن صدقة برواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً وقد شهد أنه قد أخذ رواياته عن المصنّفات والاُصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع ، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ ، وهذه الطريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال ، ولذلك وصفها جملةٌ من الأعلام بالموثّقة كالشيخ الأنصاري وصاحب الحدائق وغيرهما .

وهي تقول : كل شيء شككت في حرمته وحلّيّته فابنِ على أنه حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه مِن قِبَل نفسك ، وذلك مِثْلُ الثوبِ يكون عليك قد اشتريتَه وهو سرقة واقعاً ، ولكنك لا تعلم أنه سرقة ، فابنِ على أنّ البائع كان مالكاً له ، بناءً على ظاهر أنّ اليد أمارةٌ على ملكيّته . والمملوكُ عندك لَعَلَّهُ حُرٌّ قد باع نفسَه ، أو خُدِعَ فَبِيعَ قهراً ، فابنِ على ظاهر الحال وعلى كلام البائع بأنه ملكه ، وبقرينة عدم اعتراض العبد ، فاشتَرِه ، ولا بأس بذلك . أو امرأة تحتك وهي أختك واقعاً أو رضيعتك ، لكن لا دليل على ذلك ، ولا اعتراض من أحد ، فلا بأس أن تبقيها معك ، حتى وإن توسوستَ . والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيرُ ذلك ، أو تقومَ به البيِّنَةُ . فالإمام إذن يعلّمنا على عدّة أمارات في هذه الرواية : اليد ، وأصالة الصحّة في عمل الغير .


[3] عامّيّ، له كتاب معتمد ـ ست، وقال الشيخ في العدّة، عملت الطائفة بما رواه فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه، ويروي عنه في الفقيه مباشرةً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo