الموضوع : الركن الثالث من أركان الإستصحاب

(3) وأمّا الركن الثالث ـ وهو وجود أثر شرعي للإستصحاب ـ فدليلُه وجهان :
الأوّل ثبوتي : وهو عدم إمكان جريان الإستصحاب ثبوتاً وعقلاً إلاّ إذا كان يترتّب عليه أثرٌ شرعي ـ أي حكم شرعي وضعي أو تكليفي ـ وإلاّ لكان التعبّد بإجراء الإستصحاب لغوياً، كأنْ يتعبّدَنا الشارعُ المقدّس ببقاء حياة زيد الذي ضاع صغيراً ليرتّب على ذلك أنّ لحيته قد نبتت وأنه زاد طولاً وعرْضاً وخَشُنَ صوتُه !!! فنبات اللحية ليس حكماً شرعيّاً، وليس للمولى تعالى أن يتعبّدنا بما ليس له أثر شرعي، كأنْ يتعبّدَنا بكون الحائطِ تفّاحاً أو برتقالاً، ولذلك لا يجري الإستصحاب فيما لو كان الأثر له هو نبات اللحية ونحو ذلك، ذلك لأنّ نبات اللحية ليس أثراً شرعياً، حتى ولو كان يترتّب على نبات اللحيةِ وجوبُ ذبح شاة ـ كما في المثال المعروف ـ . ثم إنه يكفي أن يترتّب الأثرُ الشرعي على المستصحَب ـ كعدم البلوغ ـ لأنه يعني أنّه يترتّب على الإستصحابِ أثَرٌ شرعي ـ كعدم ترتّب التكاليف الشرعية عليه ـ .
ويترتّب على ما قلناه عدمُ جريان الإستصحاب حتى فيما لو كانت الواسطةُ خفيّةً .

والثاني إثباتي، وهو أنّ أدلّة الإستصحاب ـ مثل "لا تنقضِ اليقينَ بالشكّ" ـ منصرفةٌ متشرّعيّاً إلى ما له أثرٌ شرعي . فلو استصحبنا الطهارةَ فالأثر الشرعي واضح ومعلوم، وهو صحّةُ الصلاة بالثوب الذي استصحبنا طهارته، وجوازُ شربِ الماء الذي استصحبنا طهارتَه، وهكذا .
توضيح ذلك :
لو قال المولى ( إنْ علمْتَ بوجود زيد في البيت فلا تتركِ البيتَ ) واستظهرنا الطريقيّةَ من هذا العِلم الموضوعي، أي فهمنا أنّ المراد هو : إنْ ثَبَتَ وجودُ زيدٍ في البيت ـ بأيّ دليل، ولو بدليل تعبّدي ـ فلا تتركِ البيتَ"، فإنْ عَلِمْنا سابقاً بوجود زيد في البيت فإنّ علينا أنْ نستصحبَ بقاءَه، فيتحقّق ح موضوعُ الحكم السابق ـ وهو ثبوت وجود زيد في البيت تعبّداً ـ ويتنجّز ح التكليفُ بعدم جواز ترك البيت . هنا الأثر ترتّب على نفس الإستصحاب .
ومن أمثلة ترتّب الأثر الشرعي على نفس المستصحب ما لو كنّا نستصحب عدمَ طروءِ النوم، فإنّ الأثر الشرعي يترتّب على المستصحب ـ أي أنّ الأثر المترتّبَ على عدم طروء النوم هو بقاء الطهارة المعنويّة ـ وبالتالي تترتّب الطهارةُ على استصحاب عدم طروء النوم، وهنا الأثر ترتّب على المستصحب، ومع ذلك، فهذا يعني أنّ للإستصحاب أثراً شرعياً، إذن تتعدّد الألفاظ، والمعنى واحد .