< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تكملة الكلام في الشبهات الحكميّة

( أركان الإستصحاب )

للإستصحاب ثلاثة أركان : (1) ثبوت الحالة السابقة بحجّة شرعيّة، (2) الشكّ في بقاء موضوع الحكم، و (3) الأثر الشرعي للإستصحاب .
(1) أمّا الركن الأوّل وهو ثبوت الحالة السابقة
(2) أمّا الركن الثاني ـ وهو الشكّ في بقاء موضوع الحكم بسبب احتمال طروء ما غيّره ـ فدليلُه وجهان : عقلي ونقلي :
أمّا العقلي، فإنّ الإستصحاب حكم ظاهري وهو متقوم بالشكّ، فلا بُدّ واَنْ يُفرَضَ الشكُّ في البقاء لا محالة .
وأمّا النقلي فللتصريح بذلك في أَلسِنَة الروايات المتقدمة .
وعند تطبيق الإستصحاب في الشبهات الحكمية نشأت بعض المشاكل، إذ لوحظ اَنّا حين نأخذ بصياغة الشيخ الأنصاري لهذا الركن نلاحظ اَنّ موضوع الحكم عبارة عن مجموع ما أخذ مفروض الوجود في مقام جعله، والموضوعُ في الشبهات الحكمية غيرُ محرَزِ البقاء، لأنّ الشك في بقاء الحكم ينشأ من الشك في بقاء تمام خصوصيات موضوع الحكم، وإلا لم يقع شك في بقاء الحكم أصلاً .
كما أنّا حين نأخذ بالصياغة التي اختارها صاحبُ الكفاية+نجدُ عنده لزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة، وهذا لا يتحقّق في الشبهة الحكمية، لدخول بعض التغيّر على موضوع الحكم .
والخصوصيّةُ الداخلة على الموضوع أو الزائلة عنه على نحوين : (فإمّا) بأنْ تكون دخيلةً في حدوث الحكم فقط دون الحاجة إلى بقائه، وذلك كما في خصوصيّة حياة المرجع في جواز تقليده، فإنّا نعلم أنّه لا يصحّ تقليد المرجع الميّت إبتداءً، أي أنه يشترط أن يكون المرجع الذي نقلّده ابتداءً حيّاً، فإذا مات حصل عندنا شكّ في بقاء جواز تقليده، وكالشك في نجاسة الماء بعد زوال تَغَيُّرِه، (واِمّا) بأنْ تكون مقوّمةً لموضوع الحكم ـ كما في نقاء الحائض ـ، فإذا ارتفعت خصوصيّةُ الحيض إرتفعت الحرمةُ .
فإذا تردّدنا في الخصوصيّة الداخلة أو الزائلة بين كونها من النحو الأوّل ـ وهي ما يعبّرون عنها بالحيثية التعليلية ـ وبين كونها من النحو الثاني ـ وهي ما يعبّرون عنها بالحيثيّة التقييدية أي المقوّمة ـ حصل عندنا شكّ في بقاء الحكم، فما هو الموقف اتّجاه هذه المشكلة ؟
الأقوال والأوجه في المسألة :
في المسألةِ عدّةُ أقوالٍ وأوجه أهمّها ثلاثة :
* الوجه الأوّل : قد تقول : نستصحب بقاء الحكم الفعلي ـ كأنْ نستصحبَ الحرمةَ الفعليّة لوطءِ الحائض التي نَقَتْ ـ كما يقول سيدنا الشهيد رحمه الله !! وكذا لو تغيّر الماءُ الكرّ بأوصاف النجاسة ثم أزلنا أوصافَ النجاسة بالدقّة، حتى صار نقيّاً، صالحاً للشرب، فقد تـقول أيضاً بلزوم استصحاب النجاسة ـ كَحُكم ـ .
أقول : لا يمكن جريان استصحاب الحكم الفعلي المجعول مع غضّ النظر عن موضوعه، وذلك لأنّ الشكّ إنما هو في بقاء موضوع الحرمة الذي هو عِلّة الحرمة . وبتعبير آخر : لا يمكن إجراءُ الإستصحاب في المعلول (أي الحكم) الذي هو ظلّ لموضوعه ونغضّ النظر عن موضوعه، وإنما يجب أن ننظر إلى موضوع حرمة الوطء في عالم الجعل . ومثاله الثاني ما لو أزلنا النجاسة عن المحلّ فإنه لا يصحّ أن نستصحب النجاسةَ ـ كحُكْم ـ مع زوال نفس القذارة ـ كموضوع ـ، ولذلك فنحن لا نستصحب الحكم ـ حتى في الشبهات الموضوعيّة ـ وإنما نستصحب عدم طروء تغيّر على الموضوع فقط، لا غير، وهذا أمْرٌ يجب أن يكون مسلّماً .
الوجه الثاني : قال بعض الناس بأنه يجب إجراءُ استصحاب بقاء الموضوع إذا شككنا في مقوّميّة الخصوصية ـ الداخلة أو الخارجة ـ لموضوع الحكم ـ وذلك كما كنّا نستصحب بقاءَ كريّة الماء ـ كما قال الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية ـ تمسّكاً بقولهم (عليهم السلام) ـ في عدّة روايات ـ ( لا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشكّ، وإنما تنقضه بيقين آخر )، قالوا وهذا ما يفهمه العرف من هذه الروايات، بل هذا ما يحكم به العرف على المستوى العقلائي أيضاً، فنحن كنّا على يقين بوجود الموضوع، فهل تغيّر بهذا الطارئ الحاصل ـ كمَوت المرجع أو نقاء الحائض ـ أم لا، أو قُلْ هل هذه الخصوصيّة الزائلة كانت مقوّمةً للموضوع أم لا ؟ لا ندري، فنتمسّك بقولهم (عليهم السلام) ( لا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشكّ، وإنما تنقضه بيقين آخر )، وبتعبير آخر : الإستصحاب يقضي بعدم تغيّر الموضوعِ حتى يثبت ذلك .
فلو مات المرجعُ مثلاً، وشككنا في مقوميّة حياةِ المرجع لجواز تقليده، فإنّ موضوع الحكم قد تغيّر إلى حدّ ما قطعاً، لكننا شككنا في هذا القيد المفقود هل هو دخيل في موضوع الحكم، أم لا ؟ لا ندري، إذن يجب استصحاب بقاء الموضوع رغم شكّنا بأصل بقائه . قالوا : وبالتالي نستصحب وجوبَ البقاء على تقليده، وذلك بتقريب أنه بموته لم يُعدَم وإنما انتقل إلى عالَم آخر فقط، أو قُلْ : قَوامُ الإنسانِ بروحه الإنسانية وعقله، لا ببدنه، إنْ بدنُهُ إلاّ مَرْكَبٌ لروحه، وأنّ المهمّ في المرجع هو عِلْمُه لا حياته .
أقول : يَرِدُ على هذا الوجه الثاني ما يلي :
أوّلاً : لا يمكن أن نستصحب بقاء موضوع الحكم في الحالة المذكورة، لأننا من الأصل ليس عندنا عِلْمٌ بجواز تقليد المرجع إلى ما بعد موته، أو قُلْ : نحن من الأصل ليس عندنا عِلْمٌ بجواز تقليده حتى بعد موته، فماذا نستصحب ؟!! فإن قلتَ : نستصحب بقاء نفس الموضوع ! قلتُ : الموضوع قد تغيّر قطعاً، ولو إلى حدّ ما، ولذلك حصل عندنا شكّ في بقاء الحكم ! وعليه لا يصحّ أن تقول : "إن شاء الله ما تَغَيّرَ الموضوعُ" !!
وإن قلتَ : إذن نستصحب الحكم فقط دون الموضوع !
قلتُ : إستصحاب الحكم من دون صلاحيّة على استصحاب الموضوع هو كاستصحاب الزوجيّة في حال الشكّ في بقاء الأربعة ! وهذا من المضحكات، إذ ليس الحكمُ إلاّ معلولاً للموضوع . ولذلك لا يصحّ استصحاب الحكم حتى في الشبهات الموضوعيّة، إنما المستصحَب في الشبهات الموضوعيّة هو (عدم طروء النجاسة) في مثال الشكّ في طروء النجاسة عليه، وليس (الطهارة)، وذلك لأنّ الطهارة ليست إلاّ حكماً شرعيّاً للشيء الغير مصاب بالقذارة . وفي مثال احتمال طروء النوم ـ في مثال من شكّ في طروء النوم عليه وفساد وضوئه ـ نستصحب بقاء الطهارة المعنويّة كموضوع، لا كحكم .
ثانياً : إنّ تغيّر موضوعِ الحكم الذي سبّب عندنا الشكّ في بقاء الحكم وزواله هو أشبه شيء بموضوع قاعدة اليقين، فكما كنّا نشكّ هناك بنفس اليقين السابق، فقالوا بعدم صحّة استصحاب اليقين السابق، لأنّ نفسَ اليقينِ السابق تزلزل، فكذلك هنا تماماً، نفسُ اليقين بوجود موضوع التقليد متزلزل، ونفس اليقين ببقاء موضوع حرمة الوطء متزلزل ... وهكذا، فلا يقين سابق ببقاء الموضوع، فضلاً عن أن نقول لقد تزلزل يقينُنا السابق .
ثالثاً : لا شكّ أنك لاحظتَ كثرةَ تأكيد أئمّتنا (عليهم السلام) على لزوم أن يكون الحادث سابقاً متيقّنَ الحدوث، وأنّ الشكّ إنما هو في طروء طارئ غيّر حُكْمَ الموضوعِ الذي لم يطرأ عليه شكّ أصلاً . وأمّا ما نحن فيه فلم يبقَ عندنا يقين ببقاء الحالة السابقة، وإنما نفسُ الموضوع السابق قد تغيّر، فالركنُ الأوّل زال، ذلك لأنّ اليقينَ السابق بالموضوع قد زال، فماذا نستصحب ؟! والفرقُ بين الوجه الثاني والوجه الثالث هو أنّ النظر في الوجه الثاني هو إلى تشبيه ما نحن فيه بقاعدة اليقين، والنظرُ في الوجه الثالث هو إلى زوال الركن الأوّل من أركان الإستصحاب .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo