< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل يجري الإستصحابُ في الشبهات الحكميّة أم لا ؟

هل يجري الإستصحابُ في الشبهات الحكميّة أم لا ؟
لا شكّ في أنّ هذه المسألة هي مسألة مهمّة جداً في مرحلة الإستنباط، وآثارها الفقهيّة خطيرة، والخلاف فيها مشهور، رغم أنها بديهيّة الجواب، فنقول :
الأسئلة المتعارفة التي توجّه عادةً إلى العلماء في هذه المسألة هي التالية :
هل أنّ المولى تعالى أجاز لنا تقليد المرجع بشرط أن يكون حيّاً وواعياً ـ غير مغمى عليه ـ وعاقلاً ـ لم يطرأ عليه الجنون ـ أم أجاز لنا تقليده حتى فيما لو طرأ عليه الموت بعد المرجعية أو طرأ عليه الإغماء أو الجنون، ولو بسبب أننا نقلّد كتبه، وكتبه باقية ؟
وهل أنّ المولى عزّ وجلّ حَرَّمَ وطْءَ الزوجةِ إذا حاضت حتى تغتسل، أو أنه جلّ وعلا حرّم وطأها إذا كانت فعلاً حائض، بحيث لو نقت لكان وطؤها جائزاً حتى ولو لم تغتسل ؟
وهل أنّ حكم الماء الذي تغيّر بالنجاسة هو نجس ـ حتى ولو نقى تماماً وصار صالحاً للشرب ـ حتى يزول التغيّر ويتّصل بماء معتصم، أو أنّ المولى تعالى حكم بنجاسته طالما هو متغيّر بالنجاسة فقط، بحيث لو زال التغيّر لصار طاهراً من دون حاجة إلى اتّصاله بالماء المعتصم ؟
وهل أنّ الكلب الذي وقع في المملحة سنين طويلة يبقى نجساً حتى يفنى بالدقّة العقليّة أو أنه يحكم بطهارته إذا صار ملحاً بالنظر العرفي ؟
قبل الدخول في البحثِ يجب القول بأنه لا شكّ أنه إذا تغيّر الموضوع قليلاً بحيث بقي إسم الموضوع عرفاً أي بقيت الماهيّة عرفاً فإنّ حكمه يبقى قطعاً وبالإجماع، كما إذا مرض المرجع أو صار أعمى، فإننا يجب أن نقول بجواز البقاء على تقليده بالإجماع .
وأمّا إذا تغيّر إسمُ الموضوع أي حصل انقلابٌ في ماهيّته ـ كما لو صار المنيُّ فرساً ـ فإنه لا يصحّ الإستصحاب بالإجماع، وذلك لوضوح ذلك من أدلّة الإستصحاب التي مُفادها أننا يجب أن نستصحب بقاء الحالة السابقة لنفس الموضوع، فلو صار المنيُّ فَرَساً مثلاً فإنّ الموضوع بما أنه تغيّر فلا يمكن استصحاب النجاسة، وذلك لتغيّر الموضوع أو قُلْ لِتَغيُّرِ الحقيقة والماهيّة، وهذا بطبيعة الحال أمر إجماعي أيضاً .

الأقوال والأوجه في المسألة : في المسألة عدّة أقوال وأوجه أهمّها ثلاثة :

الوجه الأوّل : قد تقول : نستصحب بقاء الحكم الفعلي ـ كأنْ نستصحبَ الحرمةَ الفعليّة لوطءِ الحائض التي نَقَتْ ـ كما يقول سيدنا الشهيد رحمه الله !!
أقول : لا يمكن جريان استصحاب الحكم الفعلي المجعول مع غضّ النظر عن موضوعه، وذلك لأنّ الشكّ هو في بقاء موضوع الحرمة الذي هو عِلّة الحرمة . وبتعبير آخر : لا يمكن إجراء الإستصحاب في المعلول (أي الحكم) الذي هو ظلّ لموضوعه ونغضّ النظر عن موضوعه، وإنما يجب أن ننظر إلى موضوع حرمة الوطء في عالم الجعل . ومثاله ما لو أزلنا النجاسة عن المحلّ فإنه لا يصحّ أن نستصحب النجاسةَ ـ كحُكْم ـ مع زوال نفس القذارة ـ كموضوع ـ، وهذا أمْرٌ يجب أن يكون مسلّماً .
الوجه الثاني : قال بعض الناس بأنه يجب إجراءُ استصحاب بقاء الموضوع إذا شككنا في مقوّميّة الخصوصية الزائلة لموضوع الحكم ـ وذلك كما كنّا نستصحب كريّة الماء ـ كما قال الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية ـ تمسّكاً بقولهم (عليهم السلام) ـ في عدّة روايات ـ ( لا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشكّ، وإنما تنقضه بيقين آخر )، قالوا وهذا ما يفهمه العرف من هذه الروايات، بل هذا ما يحكم به العرف على المستوى العقلائي أيضاً، فنحن كنّا على يقين بوجود الموضوع، فهل تغيّر بهذا الطارئ الحاصل ـ كمَوت المرجع أو نقاء الحائض ـ أم لا، أو قُلْ هل هذه الخصوصيّة الزائلة كانت مقوّمةً للموضوع أم لا ؟ لا ندري، فنتمسّك بقولهم (عليهم السلام) ( لا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشكّ، وإنما تنقضه بيقين آخر )، وبتعبير آخر : الإستصحاب يقضي بعدم تغيّر الموضوعِ حتى يثبت ذلك ... يتبع

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo