< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة الكلام في الأدلّة على الإستصحاب

( أدلّة الإستصحاب )

1 ـ حجيّة الإستصحاب على أساس إفادته للظن
2 ـ حجيّة الإستصحاب على أساس السيرة العقلائيّة
3 ـ حجيّة الإستصحاب على أساس الأخبار

البحث الأوّل : حجيّة الإستصحاب على أساس إفادته للظن
لا شكّ أنك تعلم أصالةَ عدمِ حجيّة الظنّ، ولا دليل ـ لا من عقل ولا من عقلاء ـ يفيدنا حجيّة الإستصحاب من باب حجيّة الظنّ مطلقاً أو في خصوص الإستصحاب، لا بل قد يظنّ الإنسان بتغيّر الحالة السابقة أيضاً، فلا نطيل في هكذا دليل .

البحث الثاني : حجيّة الإستصحاب على أساس السيرة العقلائيّة
يشتري الشخصُ لعياله طعاماً بانياً على بقاء حياة العيال، وكذا الحيوانات، حينما تصطاد وتأتي بالطعام لصغارها وفراخها، فإنما تأتي بالطعام من باب الظنّ بالبقاء، بل لمجرّد احتمال بقاء الحياة، إذن يجب أن نقول بأنّ البناء العقلائي وسكوت المعصومين (عليهم السلام) أدلّ دليل على حجيّة الإستصحاب من باب السيرة العقلائيّة .
أقول : ما ذُكِرَ غيرُ صحيحٍ من حيث الصغرى، فقد يكون إتيانُ الشخصِ للطعام من باب الإحتياط أو العادة أو الاُنس، أو من باب الإطمئنان الشخصي ببقائهم على قيد الحياة، أو الغفلة عن احتمال موتهم ..، بل هذا يحصل عادةً في موارد القضايا التكوينيّة لا الشرعيّة، وما نريده إثباتَه نحن هنا هو سيرتهم على أساس حجيّة الإستصحاب مطلقاً ـ أي حتى ولو حَصَلَ عندنا احتمال ببقاء الحالة السابقة وفي خصوص مجال الشرعيّات ـ، فنحن نريد إثباتَ حجيّة الإستصحاب على أساس بنائهم على صحّة الإستصحاب مطلقاً، وهذا لا يوجد عندهم قطعاً .
ولتوضيح عدم وجود هكذا صغرى نَذْكُرُ المثالَ التالي من الشرعيّات : لو ظنّ الناسُ نجاسةَ ماءٍ معيّن في الطريق، وتَبَعْثَرَ هذا الماءُ على ثيابنا، فهل يقول لنا المتشرّعةُ ـ من حيث هم عقلاء ـ إبنِ على طهارة هذا الماء ؟!! طبعاً لا، لن يقولوا هذا الكلام مع ظنّهم بنجاسته . فالعقلاء في هكذا اُمور لا يعملون إلاّ بالإطمئنان . ولذلك لا يصحّ التمسّك بحجيّة الإستصحاب على أساس ادّعاء وجود سيرة عقلائيّة .

البحث الثالث : حجيّة الإستصحاب على أساس الأخبار
وَرَدَ في جملة من الأخبار ما يفيد حجيّة الإستصحاب، نذكرها روايةً رواية :
1 ـ ما رواه في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له الرجل ينام وهو على وضوء، أتُوجِبُ الخفْقَةُ والخفقتان عليه الوضوء ؟ فقال : (يا زرارة، قد تنام العَين ولا ينام القلب والاُذُن، فإذا نامت العَين والاُذُن والقلب وجب الوضوء )، قلت : فإنْ حُرِّكَ على جنبه شيءٌ ولم يَعلم به ؟ قال : ( لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمْرٌ بَيِّنٌ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك، وإنما تنقضه بيقين آخر )[1] .
وتمام بيانها وتقريب الإستدلال بها يظهر من عدّة نقاط :
الاُولى في بيان إفادة هذه الرواية لكبرى كليّة لا في خصوص الوضوء فنقول :
لا شكّ أنّ الرواية غير مختصّة بباب الوضوء، وذلك لعموم التعليل في قوله (عليه السلام) ( وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك، وإنما تنقضه بيقين آخر )[2] وهي كلمات تفيد ـ بنظر كلّ الناس ـ العمومَ والكُلّيّة، فإنّ قوله (عليه السلام) ( وإلا فإنه على يقين من وضوئه ) واضح في التعليل العقلائي، كما تقول ( لا تشربِ الخمر فإنه مسكر ) أو كما يقول الطبيب لمريض القرحة ( لا تأكل هذه الرمّانة فإنها حامضة )، فهنا كلّ الناس تعمّم الحرمةَ لكلّ مسكر ولكلّ حامض على مريض القرحة، وهكذا الأمر في الرواية تماماً، وإلاّ فلو كان التعليلُ في الرواية ناظراً إلى خصوص الوضوء فلا معنى ح لهذا التعليل العقلائي، لأنه لا يوجد في ارتكاز العقلاء هكذا كبرى في خصوص الوضوء، إنما الإرتكاز عامٌّ شاملٌ لكلّ الموارد . نعم نحن لا نقول بحجيّة الإستصحاب على أساس ارتكاز العقلاء، وإنما نقول بوجود الإستصحاب في ارتكازهم بشكل إجمالي فقط، كما في حالات الإطمئنان والغفلة والعادة ونحو ذلك، فإنّ العقلاء يميلون بطبعهم إلى بقاء الحالة السابقة، وهذا الميل ليس دليلاً شرعياً على الإستصحاب، لكنه موجود في ارتكاز العقلاء إجمالاً، وفي كلّ الموارد، ولهذا استدلّ الإمامُ (عليه السلام) بهذا الإرتكاز الإجمالي الموجود في كلّ الموارد عند العقلاء .
وببيان آخر : يَفهم الناسُ من هذه الرواية أنّ الإمام (عليه السلام) يريد أن يقول الشكل التالي :
هو على يقين من وضوئه (الصغرى)
ومَن كان على يقين سابق لا ينبغي أن ينقض يقينه أبداً بالشكّ اللاحق (الكبرى)
إذَنْ لا ينبغي أن يَنقض يقينَه السابق بالوضوء بالشكّ اللاحق (النتيجة)
وبالتالي تكون الكبرى هي قوله ( ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك).
بل لا وجه لتخصيص قاعدة الإستصحاب بباب الوضوء، ذلك لأنّ الإستصحاب قد ورد في عدّة موارد متفرّقة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo