< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : في القواعد المشابهة للإستصحاب

( الإستصحاب )

المقدّمة :
1 ـ تعريف الإِستصحاب
2 ـ ملاك تشريع الإستصحاب
3 ـ هل الإستصحاب مسألة اُصوليّة أم قاعدة فقهيّة ؟
4 ـ الفرق بين الإستصحاب وقواعد اُخرى مشابهة له
ثم نشرع في أدلّة الإستصحاب

البحث الرابع : وهو في القواعد المشابهة للإستصحاب :
1 ـ قاعدة الإستصحاب القهقرائي
وهو استصحاب عقلائي واضح عند العقلاء، ولم أجِدْ لها مورداً إلاّ الشكّ في تغيّر اللغة عَمّا كانت عليه في الزمان القديم . ولك أن تسمّي هذا الإستصحاب بـ (أصالة الثبات) . ومنشأ هذا الوضوح عند العقلاء رؤيتُهم ثباتَ اللغة وعدمَ تغيّرِها، وأنّ تغيّرها إنما يكون بطيئاً جداً، وهذا لا يؤثّر بنظر الناس على بقاء فهم اللغات القديمة . وهذا الإستصحاب في الحقيقة هو غير الإستصحاب الطردي المعهود بيننا ـ أي الذي يكون فيه اليقينُ في الزمان السابق والشكّ في الزمان اللاحق ـ، فالإستصحاب القهقرائي ـ أي الذي يكون فيه اليقينُ في الزمان اللاحق والشكّ في الزمان السابق ـ أمارةٌ عقلائيّة، لأنه مبنيّ على الإطمئنان ببقاء اللغة القديمة على معانيها التي نفهمها نحن في زماننا هذا، وأمّا الإستصحاب الطردي فهو أصل عمليّ محرز لا أكثر .
المهم هو أنّ هذا الاستصحاب ليس بحجة لعدم الدليل على حجيّته، إلا في مورد واحد، وهو إثبات اللغة، كما إذا علمنا فعلاً بدلالة كلمة (الصعيد) اليوم على مطلق وجه الأرض، وشككنا في دلالتها على ذلك في زمان التشريع، فنُثْبِتُ ذلك بهذا الإستصحاب، ولولا حجيّةُ هذا الإستصحاب القهقرائي لما أمكن الإستنباطُ اليومَ .

2 ـ قاعدة اليقين
وتسمَّى أيضاً بـ (قاعدة الشك الساري)، والسببُ في هذه التسمية الثانية واضح من نفس التسمية، وهو أنّ الشكّ ناظِرٌ وسارٍ إلى نفس اليقين .
إذن موردُ هذه القاعدة هو ما لو شكّ الشخصُ في نفس صحّة يقينه السابق، أي هل أنه حينما اعتقد بالأمر الفلاني كان يقينه مبنياً على أسس موضوعيّة صحيحة أو أنّ منشأَ يقينِه لم يكن موضوعيّاً، وإنما كان واهياً ؟
وعليه، ففي قاعدة اليقين يسري الشكُّ المتأخِّرُ إلى نفس اليقين السابق فيزيله، كما إذا تَيَقَّنّا يومَ الجمعة بعدالة زيد يوم الخميس، ثم شككنا يومَ السبت في صحّة اعتقادنا السابق بعدالته، فالشكّ إذن يسري إلى نفس اليقين فيزيله تكويناً .
وعليه فالسؤال إذن هو : هل قاعدة اليقين حُجّةٌ أم لا ؟
المعروف هو عدم حجية هذه القاعدة، بمعنى عدم ترتب الأثر على اليقين السابق . قال الشيخ الأنصاري في نهاية بحثه عن القاعدة : ( وحاصل الكلام في هذا المقام هو : أنه إذا اعتقد المكلف قصوراً أو تقصيراً بشيء في زمان، موضوعاً كان المعتقَدُ به أو حكماً، وسواء كان اعتقاده مبنيّاً على الإجتهاد أو كان مبنيّاً على التقليد، ثم زال اعتقاده، فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتب آثار المعتقَد به، بل عليه أن يرجع بعد زوال الإعتقاد اليقيني إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة بالنسبة إلى الآثار المترتبة عليه سابقاً ولاحقاً ) (إنتهى بتصرّف قليل للتوضيح) .
وقد تقول : بل يجب أن نتمسّك بأصالة الفراغ لنبنيَ على صحّة يقيننا السابق، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إذا شكّ الرجل بعدما صلّى فلم يدرِ أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينُه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يُعِد الصلاةَ، وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك )[1]، وفي موثّقة بُكَير بن أعيَن قال قلت له : الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ ؟ قال : ( هو حين يتوضّأُ أَذْكَرُ منه حين يَشُكّ)[2] .
فنقول : يمكن ذلك، ولكن يصعب التأكّدُ من شمول روايات الفراغ لهكذا حالة، وذلك لعدم وضوح نظر روايات الفراغ إلى صحّة اليقين أيضاً، لأنّ الروايات ناظرة إلى صحّة العمل، ولم يثبت نظرها إلى لزوم البناء على صحّة اليقين أيضاً، وبالتالي يَصعب البناءُ على صحّة اليقين السابق وموضوعيّةِ مقدّماته .

3 ـ قاعدة المقتضي والشكّ في المانع
وموردُها أن يتعلق اليقين بوجود المقتضي للتأثير، ويتعلق الشك بوجود مانع من التأثير، فيكون متعلق اليقين غيرَ متعلق الشك . ومثالُه ما إذا صببنا الماءَ لتحصيل الطهارة من الخبث أو الحدث مثلاً، وشككنا في تحقق الغَسل لاحتمال وجود مانع ـ أي حاجب ـ من وصول الماء، فمتعلقُ اليقين هو صَبُّ الماء على الجسم المتنجس، وهو مقتضٍ لحصول الطهارة، ومتعلقُ الشك هو وجود مانع من وصول الماء إلى الجسم، وبالتالي يحصل شكّ في أصل حصول الطهارة المادّيّة . فإذن عندنا شكّ في أصل تحقّق الطهارة الماديّة أو الوضوء أو الغُسل، بخلاف الإستصحاب، الذي نعلم فيه بتحقّق الفعل ـ الغَسل أو الوضوء أو الغُسل ـ وإنما الشكّ هو في حصول ما يرفعه، والبناءُ العقلائي يؤيّد الإستصحابَ، لأنهم يرَون أنّ الأصل في الشيء ـ كالطهارتين الماديّة والمعنويّة ـ بقاؤه، ولكنه لا يُعلم أنّ العقلاء يؤيّدون أصالةَ عدم وجود المانع، لِيَبْنُوا على تحقّقِ المعلول .
والصحيح هو عدم حجية هذه القاعدة، لعدم الدليل عليها من شرع أو عقل، وبالتالي لا دليل على ترتّب الأثر، وهو حصول الطهارة بمجرد تحقق المقتضي وهو صَبُّ الماء، وذلك لاحتمال عدم تحقق الطهارة من الأصل، لاحتمال وجود المانع . ومثله ـ كما قلنا ـ ما لو شكّ الإنسان في حاجبيّة شيء على موضع من مواضع وضوئه، فتوضّأ ولم يُزِلْهُ، فإنّه يجب أن يبنيَ على عدم وصول الماء إلى البشرة، وذلك لعدم حجيّة قاعدة (المقتضي والشكّ في وجود المانع) .

4 ـ الإستصحاب الإستقبالي :
وهو من أفراد الإستصحاب المصطلح حيث يكون فيه زمان اليقين فعلياً، ولكنْ زمانُ الشك استقباليٌّ، كما إذا كان معذوراً الآن من الوضوء، وشكّ في بقاء العذر إلى آخر الوقت، فهل له أن يبادر الآن إلى التيمّم متمسّكاً باستصحاب بقاء العذر إلى آخر الوقت ؟
الجواب : إنّ أدلّة الإستصحاب منشؤها الفطرة العقلائيّة ـ كما عرفتَ قبل قليل ـ وناظرة إلى الموارد المعروفة، والمورد المذكور هنا ليس فطريّاً، إذ نحن لا نعلم الغيب الآتي، ولكن العقلاء يبنون بفطرتهم على بقاء الحالة السابقة، وهنا الفرق بينهما، على أنّ الإستصحاب الإستقبالي غير منظور إليه في الروايات، وعلى الأقلّ مشكوك النظر إليه، فلا يمكن التمسّك بأدلّة الإستصحاب لإثبات الإستصحاب الإستقبالي .

( أدلّة الإستصحاب )

1 ـ حجيّة الإستصحاب على أساس إفادته للظن
2 ـ حجيّة الإستصحاب على أساس السيرة العقلائيّة
3 ـ حجيّة الإستصحاب على أساس الأخبار

البحث الأوّل : حجيّة الإستصحاب على أساس إفادته للظن
لا شكّ أنك تعلم أصالةَ عدمِ حجيّة الظنّ، ولا دليل ـ لا من عقل ولا من عقلاء ـ يفيدنا حجيّة الإستصحاب من باب حجيّة الظنّ مطلقاً أو في خصوص الإستصحاب، لا بل قد يظنّ الإنسان بتغيّر الحالة السابقة أيضاً، فلا نطيل في هكذا دليل .

البحث الثاني : حجيّة الإستصحاب على أساس السيرة العقلائيّة
يشتري الشخصُ لعياله طعاماً بانياً على بقاء حياة العيال، وكذا الحيوانات، حينما تصطاد وتأتي بالطعام لصغارها وفراخها، فإنما تأتي بالطعام من باب الظنّ بالبقاء، بل لمجرّد احتمال بقاء الحياة، إذن يجب أن نقول بأنّ البناء العقلائي وسكوت المعصومين أدلّ دليل على حجيّة الإستصحاب .
أقول : ما ذُكِرَ غيرُ صحيحٍ من حيث الصغرى، فقد يكون إتيانُ الشخصِ للطعام من باب الإحتياط أو العادة أو الاُنس، أو من باب الإطمئنان الشخصي ببقائهم على قيد الحياة، أو الغفلة عن احتمال موتهم ..، وهذا يحصل عادةً في موارد القضايا التكوينيّة لا الشرعيّة، وما نريده إثباتَه نحن هنا هو سيرتهم على أساس حجيّة الإستصحاب مطلقاً ـ أي حتى ولو حَصَلَ عندنا احتمال ببقاء الحالة السابقة وفي خصوص مجال الشرعيّات ـ، فنحن نريد إثباتَ حجيّة الإستصحاب على أساس بنائهم على صحّة الإستصحاب مطلقاً، وهذا لا يوجد عندهم قطعاً .
ولتوضيح عدم وجود هكذا صغرى نَذْكُرُ المثالَ التالي : لو ظننا نجاسةَ ماءٍ معيّن في الطريق، وتَبَعْثَرَ هذا الماءُ على ثيابنا، فهل يقول لنا المتشرّعةُ ـ من حيث هم عقلاء ـ إبنِ على طهارة هذا الماء ؟!! طبعاً لا، لن يقولوا هذا الكلام مع ظنّهم بنجاسته . فالعقلاء في هكذا اُمور لا يعملون إلاّ بالإطمئنان . ولذلك لا يصحّ التمسّك بحجيّة الإستصحاب على أساس ادّعاء وجود سيرة عقلائيّة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo