< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : ملاحظات عامّة حول الأقلّ والأكثر
فرغنا من المسائل الأساسية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الإرتباطيين، وذكرنا في ختام مسائل هذا الدوران ملاحظات عامة حول الأقل والأكثر وهي :
1 ـ دور الإستصحاب في هذا الدوران :
2 ـ الدوران بين الجزئية والشرطيّة من جهة والمانعية والقاطعيّة من جهة اُخرى :
3 ـ الأقل والأكثر في المحرَّمات :
4 ـ الشبهة الموضوعيّة للأقلّ والأكثر :
وتحدّثنا حول الملاحظة الخامسة، والآن نزيد فيها فنقول :
5 ـ الشكّ في اِطلاق دخالة الجزء أو الشرط :
كنّا نتكلم عمّا إذا شَكّ المكلفُ في جزئية شيء أو شرطيته مثلاً للواجب، وقلنا إنه تجري البراءة في الجزء أو الشرط المشكوك الدخالة .
هذا ولكن قد يُشَك في شمول هذه الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعيّة في بعض حالات، كما إذا علمنا بأنّ السورة جزء في الصلاة الواجبة ولكن شككنا في اِطلاق جزئيتها في حالة التقيّة أو العجلة مثلاً، ومرجع ذلك إلى دوران الواجب بين الأقل والأكثر بلحاظ هذه الحالة بالخصوص، فإذا لم يكن لدليل الجزئية اِطلاقٌ لها ـ كما إذا كان الدليل هو الإجماع مثلاً ـ وانتهى الموقف إلى الأصل العملي، جرت البراءة عن وجوب الزائد في هذه الحالة، وهذا على العموم لا اِشكال فيه .
ولكن قد يقع الإشكال فيما إذا ارتفعت هذه الأعذار ضمن وقت الفريضة أو خارجها، كما لو ارتفع السهو والغفلة أو النسيان أو الجهل أو الإضطرار أو التقيّة أو الإكراه أو الحرج أو التعب الشديد أو العجز العرفي أو العجلة أو الخوف ضمن وقت الفريضة أو خارجها ... إذن يجب أن ننظر إلى كلّ هذه الحالات، وتكلّمنا حول حالة الشك في اِطلاق الجزئية لصورة نسيان الجزء، والآن نتكلّم في النقطة التالية :
ب الشك في الإطلاق لحالة التعذر[1] :
قد يكون التعذّر مع الإلتفات إلى عجزه ـ وهو محلّ كلامنا هنا ـ وقد يكون من غير التفات أصلاً ـ كما في حالة النسيان الذي سبق فيه الكلام قبل أسطر ـ فلننظر إذن إلى الحالة الاُولى فنقول :
إذا كان الجزء أو الشرط جزءً أو شرطاً مطلقاً ـ أي حتى في حالة التعذر ـ كصيام أيّ ثانية في اليوم إلى الليل، فإنه جزءٌ من مجموع الصيام، فلو تعذّر على ذي العطاش مثلاً الصيامُ لبعض الوقت ولو لدقيقة واحدة، بمعنى أنه اضطرّ فيها للشرب، فإننا يجب أن نقول ـ كما يقول المشهور ومنهم السيد الخوئي ـ بوجوب شربه وبالتالي يبطل صيامه لأنه لم يحقّق الصيامَ كلّ النهار، ومعنى ذلك أن العاجز عن هذا الجزء أو الشرط لا يطالَب بالصيام الناقص، ولا يجب عليه ح الصيام، وكالمرأة التي حاضت أواخر النهار، فإنّ صيامها يبطل، لأنّ ما فاتها من صيام صحيح أواخر النهار قد أبطل صيامها كلّه، وهذا معنى ما يُقال عادةً ـ كالسيد الخوئي ـ من انتفاء الكلّ بانتفاء الجزء أو الشرط، يقول السيد الخوئي ( إلاّ في الصلاة حيث ورد أنها لا تسقط بحال ) [2] . وليس بالضرورة أن يكون الأمر بالمقدار الميسور في المركّب أمراً جديداً، كما ادّعَى السيدُ الخوئي، فإنه ادّعى أنّ الأمر بالباقي الممكن هو أمر جديد وليس استمراراً للأمر السابق .
أقول : ما ذكره المشهور من سقوط الكلّ بسقوط الجزءِ ـ بحسب الأصل ـ صحيحٌ، لأنّ الأصل والظاهر أن يكون المركّب المطلوبُ كلاًّ واحداً وقطعةً واحدة، كما في الصلاة عن طهارة، فإنْ عَجِزَ الإنسانُ عن الطهارة فالأصلُ أن يَسقط وجوبُ الصلاة كلُّه، وكما في عجز الشخص عن الصيام كلَّ النهار كما في ذي العطاش المضطرّ إلى الشرب، فإننا يجب أن نقول ببطلان كلّ صيامه .
ولا يصحّ استصحاب بقاء الوجوبات الضمنيّة المُمْكِنَة لإثبات وجوبِ الباقي، وذلك لسببين :
أوّلاً : لا يوجد شيء في اللوح المحفوظ إسمُه (واجب ضمني شرعي) إنما الموجود هو وجوب المركّب لا غير، والوجوبات التي نسمّيها ضمنيّة ليست شرعيّة، أي لم يشرّعها الشارعُ المقدّس، إنْ هي إلاّ مخترعة في أذهاننا من وجوب الكلّ، فهي أشبه شيء بالصحّة والبطلان والوجوبات الغيريّة والوجوبات الفعليّة والتنجيزيّة، فإنها كلّها أحكام عقليّة لا شرعيّة، والأحكامُ الشرعيّةُ هي فقط الجعولاتُ الشرعيّة . لذلك يجب أن يكون هذا الإستصحاب باطلاً بلا شكّ .
ثانياً : هو استصحاب في الشبهات الحكميّة ولا نقول به، لاحتمال كون الجزء أو الشرط المتعذّر مقوّماً للمركّب، فمع تعذّره ونقص المركّب نشكّ أنّ بقيّة المركّب مطلوب في عالم الجعل أم لا، ولا امتدادات للجعولات في عالم الجعل، فهو بهذا يغاير عالم الشبهات الموضوعيّة، فلا يصحّ الإستصحاب .
ثم إذا أردنا إثباتَ كونِ بقيّة المركّب إستمراراً للمركّب السابق بدليل الإستصحاب فهو أصلٌ مثبت بوضوح .
نَعَم إذا اُمرنا بالإتيان بالباقي المقدور ـ كما في الصلاة ـ فالظاهر قوياً أنه امتدادٌ للأمر السابق كما نلاحظ فيما روي ـ مرسلاً جداً بل بغير سند ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الغوالي وغيره : (الميسور لا يسقط بالمعسور) لكنْ طريقُهُ العامّةُ، وما روي ـ مرسلاً أيضاً وبغير سند أصلاً ـ عنه (عليه السلام) أيضاً : (ما لا يدرك كله لا يترك كله) . وقد يستدلّ بقوله( عليه السلام) ـ المرويّ من طرق العامّة والوارد في مورد سؤال السائل من رسول الله عدّة مرّات عن وجوب الحج واَنّه هل يجب مرة أو في كل سنة ـ قال (عليه السلام) : (ويحك ! وما يؤمنك اَن أقول نعم ! ولو قلتُ نعم لوجب ـ إلى أن قال ـ إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)، لكنه لا يصحّ الإستدلال بهذه الرواية لكونها ناظرةً إلى الأفراد لا إلى الأجزاء . وأيضاً فإنّ الأخذ بقاعدة الميسور موقوف على معرفة عدم ركنيّة الجزء المنسي أو المتعذّر، أمّا إنِ احتملنا ركنيّةَ جزء أو شرطٍ ما فحينها سوف نشكّ في كون الباقي ميسوراً أو غير ميسور . وبهذه المناسبة سوف نتكلّم بعد قليل بعضَ الشيء حول هذه القاعدة[3] .


[1] ترى هذا البحث في منتهى الدراية، ج7، ص282، تنبيهات الأقلّ والأكثر، التنبيه الرابع، وفي كتاب (بحوث في علم الاُصول) تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر لتلميذه السيد محمود الهاشمي/بحث الأقلّ والأكثر/الشك في إطلاق القيد لحال العجز، ص378.
[2] دراسات في علم الاُصول، ج2، ص26، الكلام فيما إذا تعذّر بعض أجزاء المركّب. ج3، ص458، تنبيهات الأقلّ والأكثر، الثالث قاعدة الميسور

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo