< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تنبيهات البراءة

التنبيهُ الأوّل : إنه إنما تجري أصالة البراءة شرعاً وعقلاً فيما لم يكن هناك أصل موضوعي مطلقاً ولو كان موافقاً لها، فإنه معه لا مجال لها أصلاً، لوروده عليها كما يأتي تحقيقه، فلا تجري ـ مثلاً ـ أصالةُ الإباحة في حيوان شك في حليته مع الشك في قبوله التذكية، فإنه إذا ذُبِحَ مع سائر الشرائط المعتبرة في التذكية، فأصالةُ عدمِ التذكية تُدْرِجُهُ فيما لم يُذَكَّ، وهو حرام إجماعاً، كما إذا مات حَتْفَ أنْفِه، وذلك لأنّ موضوع الحرمة هو (عدم التذكية)[1] وليس فقط (الميتة)، فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكّى شرعاً، ضرورة كفاية كونه مثله حكماً، وذلك بأن التذكية إنما هي نتيجة فَرْيِ الأوداج الأربعة مع سائر شرائطها ـ من التسمية واستقبال الذبيحة والذبح بالحديد ـ عن خصوصية في الحيوان التي بها يؤثر الفريُ في الحيوانِ الطهارةَ وحدها ـ كما في الأرانب والثعالب ـ أو الطهارة مع الحلية ـ كما في مأكول اللحم كالغنم ـ، ومع الشك في تلك الخصوصية فالأصل عدم تحقق التذكية بمجرد الفري بسائر شرائطها، لأنه في حال حياته لم يكن مذكّى، فإذا شككنا في حصول التذكية ـ ولو للشكّ في قابلية الحيوان للتذكية ـ فالأصلُ عدمُ تحققها .
نعم لو عُلِمَ بقبوله التذكيةَ وشُكَّ في حِلِّيَّةِ أكْلِه، فأصالةُ إباحة أكل لحمه محكمة، فإنه حينئذ إنما يشك في أن هذا الحيوان المذكى حلالُ الأكلِ أو حرام، ولا أصل فيه إلا أصالة الإباحة، كسائر ما شك في أنه من الحلال الأكل ـ كالغنم ـ أو الحرام ـ كالأرنب والثعلب ـ فيبنى على حليّة أكله بأصالة الحلّ وعلى طهارته بحصول التذكية، ولا محلّ لجريان استصحاب عدم التذكية، لأنّ الحيوان حينما خُلِقَ إمّا أن يكون قابلاً للتذكية أو غير قابل، فليس هناك إذن حالةٌ سابقة لنستصحبها، فيكون حاله كحال شرب التتن في الحليّة وفي طهارته .

ملاحظة : ينقسم الحيوان باعتبار صلاحيته للتذكية وعدمها إلى أقسام :
1 ـ كل حيوان مأكول اللحم يقبل التذكية، وهذه الحقيقة تدلّ على نفسها بنفسها، لأن جواز الأكل يستدعي بذاته قبولَ التذكية، فالدليلُ الذي دلّ على جواز أكل أي حيوان يدل بذاته على أنّه صالح للتذكية، سواء أكان الحيوان بحرياً أو بريّاً طائراً أو غير طائر، أهليّاً أو غير أهلي، أم لا نفس له سائلة كالسمك والجراد .
2 ـ كلّ نجس العَين دائماً ـ وهما الكلب والخنزير ـ أو طاهر العين دائماً ـ وهو ما لا نفس سائلة له كالذباب ـ لا تؤثّر التذكية فيهما، إذ الأوّل يبقى على نجاسته رغم التذكية، والثاني يبقى على طهارته حتى ولو لم يذكّ .
3 ـ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن الحشرات ـ وهي التي تسكن باطن الأرض كالفأرة والجرذون ونحوهما ـ ذهبوا إلى أنّها لا تقبل التذكية، واَنّ ذَبْحَها ومَوتَها حَتْفَ الأنفِ سواء .
4 ـ إشتهر بين العلماء أنّ سباع الحيوانات والطيور ـ كالأسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والسنور والضبع وابن آوى، والصقر والبازي والعقاب والباشق ـ تقبل التذكية، ويطهر لحمها وجلدها بالذبح أو بالتذكية بآلة الصيد على النحو المعروف فقهياً، قال صاحب الجواهر : ( بل في غاية المراد لا نَعلم مخالفاً في ذلك، بل عن السرائر الإجماعُ عليه، لأن الإمام (عليه السلام)سُئِل عن جلود السباع، أينتفع بها ؟ فقال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بها)[2] . قال صاحب الجواهر : ( والسيرة مستمرة في جميع الأعصار والأمصار على استعمال جلودها ) [3].
5 ـ جاء في الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الحيوانات الموجودة الآن على هيئة المسوخ كثيرة ـ كالفيل والدب والقرد ـ وقد اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن لحوم المسوخ كلها محرمة لا يجوز أكلها . واشتهر القول بينهم في أنّها طاهرة . واختلفوا : هل تقبل التذكية أو لا ؟ ومعنى قبولها للتذكية أنّها تبقى على الطهارة بعد الذبح، أما لحمها فلا يحل إطلاقاً، ومعنى عدم قبولها للتذكية أنّها ميتة بعد الذبح، تماماً كما لو ماتت حتف أنفها .


[1] دليلُنا قولُه تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ .. (3)) (سورة المائدة) . ومثلُها موثّقةُ زرارة تقول ( إنْ كان مما يؤكل لحمُه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكِيّ قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نُهِيت عن أكله وحرُم عليك أكلُه فالصلاة في كل شيء منه فاسد، ذكّاه الذبح أو لم يذكِّه .) ( وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، ص250، أبواب لباس المصلّي، ب2، ح1، ط الاسلامية )، ومثلُهما ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة (ثقة واقفي) عن أبي بكر الحضرمي (لا تبعد وثاقته ويروي عنه بسند صحيح ابنُ أبي عمير) عن أبي عبد الله (عليه السلام)انه سأله عن صيد البزاة والصقورة والكلب والفهد، فقال : ( لا تأكل صيد شيء من هذه اِلاّ ما ذَكَّيتُمُوه اِلاّ الكلب المكلب ) ( وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ب1، من أبواب الصيد والذبائح، ح3، ص 208، ط الاسلامية) مصحّحة السند.
[2] زبدة الاصول، السيد محمد صادق الروحاني، ج3، ص267 وهي ما رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن (أخيه)الحسن عن زرعة(بن محمد الحضرمي ثقة واقفي) عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها ؟ قال : ( إذا رميت وسمَّيتَ فانتفع بجلده، وأما المَيتة فلا ) موثّقة السند..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo