< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقية الكلام في الإعتراضات على البراءة الشرعية

قلنا إنه يُعترَضُ على أدلّة البراءة الشرعية بإعتراضين أساسيين :
أحدهما : هي معارَضةٌ بأدلّة وجوب الإحتياط،
والثاني : هي مخالِفةٌ لحكم العقل بلزوم الإحتياط في موارد العلم الإجمالي .
الأدلّةُ النقليّة على وجوب الإحتياط
إستدلّ المحَدِّثون على وجوب الإحتياط بالكتاب والسنّة،
أمّا من الكتاب الكريم فقد استدلّوا بثلاث طوائف من الآيات :
الاُولى : الآيات الناهية عن القول بغير علم، كقوله تعالى ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[1] [2]وقوله جلّ وعلا ﴿ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[3][4]وكقوله تعالى ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً[5] [6].
الثانية : الآيات الناهية عن الإلقاء في التهلكة كقوله تعالى﴿ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [7] [8].
الثالثة : الآيات الآمرة بالتقوى، كقوله تعالى ﴿ اتّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِه[9] [10].
وترْكُ الإحتياطِ ـ مع احتمال المخالفة للواقع ومع عدم نهوض أمارةٍ حجّة ـ هو عمَلٌ بغير عِلْم وإلقاءٌ للنفس في التهلكة ومخالِفٌ للتقوى، فهو إذَنْ حرام .
والجوابُ على استدلالهم هذا هو أنّ الرجوع إلى ما أعطانا إياه الله تعالى من البراءة الشرعية ليس قولاً بغير علم، وليس إلقاءً للنفس في التهلُكَة، وليس مخالفاً للتقوى . على أنّ معنى التقوى هو فعل الواجبات وترك المحرّمات واتّباع الوظائف الشرعيّة المقرّرة شرعاً من البراءة في مورد البراءة والإحتياط في مورد الإحتياط والإستصحاب في مورد الإستصحاب ونحو ذلك، والاُصوليّون يدّعون أنّ البراءة الشرعية وفروعها من قاعدة الحليّة وأصالة الطهارة هي اُصول شرعية، وباتّباعها لا نخالف التقوى، وليست التقوى أكثر من هذا، أي أنّ التقوى لا تأمرنا بترك البراءة واتّباع الإحتياط .

وأمّا من السنّة الشريفة فقد ذكرنا روايات التثليث وموثّقة عبد الله بن وضّاح، ووصلنا إلى :
3) روايات (الوقوفُ عند الشبهاتِ خَيْرٌ مِنَ الإقتحام في الهَلَكات) وهي التالية :
أ) ما رواه في يب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن هارون بن مسلم (ثقة وجه) عن مسعدة بن زياد(ثقة عين عامّي) عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) أن النبيّ (ص) قال : ( لا تجامعوا في النكاح على الشبهة، وقِفُوا عند الشُّبْهَة )، يقول : ( إذا بلغك أنك قد رضعت من لبنها وأنها لك محرم وما أشبه ذلك، فإنّ الوقوفَ عند الشبهةِ خَيرٌ من الإقتحام في الهَلَكَة )[11] موثّقة السند .
ب) ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلَين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو مِيراث ... فقلت : جُعِلْتُ فِداك، فإنْ وافقهما الخبران جميعاً ؟ قال : ( يُنظَرُ إلى ما هم إليه أمْيَلُ، حكامهم وقضاتهم، فيُترَكُ، ويُؤخذُ بالآخر )، قلتُ : فإنْ وافَقَ حُكّامُهم الخبرين جميعاً ؟ قال : ( إذا كان ذلك فاَرْجِئْهُ حتى تَلْقَى إمامَك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ مِنَ الإقتحام في الهلكات )[12] مصحّحة السند .
والجوابُ على الرواية الاُولى هو نفس ما رواه هو بنفسه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة (عامّي بتري) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال سمعته يقول : ( كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خُدِعَ فَبِيعَ قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيرُ ذلك، أو تقومَ به البيِّنَةُ )[13]، ورواها الشيخ في يب بإسناده عن علي بن إبراهيم، وهي موثّقة السند، والمظنون قويّاً وحدة مسعدة بن صدقة ومسعدة بن زياد[14]، وهي تفيد عدم وجوب الإحتياط . نعم الجمعُ بين الموثّقتين يُفيد حُسْنَ الإحتياط .
وأمّا الجوابُ على الرواية الثانية فهو وجوب التوقّف عقلاً لأنّ المسألة مسألة نزاع مالي، وما لم يعلم الحكمُ فالتوقّفُ هو ربّ الموقف، وهناك كلام بين العلماء في مثل هكذا حالة متساوية من جميع الجهات، فإمّا التصالح ـ لو رَضِيا بذلك ـ وإمّا القرعة، وإمّا التناصف، والأدلّةُ تُقَوّي القرعةَ . المهم هو أنه لا يوجد فقيهٌ يتوقّف ولا يحكم ولا يفكّ النزاعَ بين الطرفين . على أنّ اتّباع الأحكام الشرعية ليس اقتحاماً في الهلكات .
إذَنْ لا دليلَ على وجوب الإحتياط، ولا معارَضةَ لأدلّة البراءة الشرعيّة.


[1] قال الله تعالى( وَأَوْفُوا الكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً، إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ. وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً (37) )(سورة الإسراء) .
[2] سورة الاسراء.، الآیة36
[3] قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً. وَلاَ يَهْتَدُونَ (170)) (سورة البقرة) .
[5] قال الله تعالى( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ، قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ، أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ .(35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا القُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ، وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العَالَمِينَ (37))(سورة يونس).
[7] قال الله سبحانه وتعالى ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ. وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)) (سورة البقرة) .
[9] قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ.، وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)) (سورة آل عمران) .
[14] المظنون قوياً وحدة مسعدة بن صدقة الربعي(العبدي ـ نجاشي) البصري(عامّي ـ طوسي) الذي روى عن الباقر والصادق وأبي الحسن (عليهم السلام) وروى كتابَه هارون بن مسلم، ومسعدة بن زياد (الربعي ـ نجاشي) (العبدي ـ طوسي) الكوفي الثقة العين الذي روى أيضاً عن الباقر والصادق .(عليهم السلام) وروى كتابه أيضاً هارون بن مسلم

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo