< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : البراءةُ الشرعيّة

لا يزال الكلام في الإستدلال على البراءة الشرعية، ووصلنا إلى :
2 ـ قوله تعالى ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً[1] أي حتى نبعث رسولاً أو وصيّ رسول أو عالم دين، يبيّن لهم تكاليفَ الله الإلزامية، فالآية تدلّ على البراءة الشرعية بوضوح، فهي من قبيل قوله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[2] أي أنّ الله تعالى لا يعذّبهم أصلاً وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، حتى ولو كانوا يستحقّون العذاب، فمن المحتمل أنهم يستحقّون العذابَ عقلاً لكن الرحمن الرحيم أرْحَمُ من هذا، فهو لن يعذّبهم حتى يبيّن لهم مواضع الحلال من الحرام، فالآيتان من قبيل قولك "ما كنتُ لأخونَ صديقي ولو كان خائناً " أي أنت لا تفعل ذلك، حتى ولو كان هو يستحقّ ذلك، وكما في قولك "ما كنت لأضرب المرأة واليتيمَ ولو استحقّا" . وأنت تعلم أنّ المعصومين (عليهم السلام) قد بلَّغوا ما أرادوا، بل أكثروا وزادوا، فلو كانوا يريدون أن يقولوا مثلاً : الأذان واجب أو الإقامة أو القنوت لقالوا ذلك في ألف رواية، بحيث لا يمكن ضياعُ جميع الروايات ـ كما فعل الكليني في الكافي مثلاً ـ فح حينما نبحث ولا نجد في المسألة رواية صحيحة فهذا يصدق عليه أنه لم يُبعث لنا فيه رسولٌ ولا بيان، فتجري ح البراءةُ بوضوح .
وهنا فائدتان :
الاُولى : من الواضح أنّ البراءة المستفادة من هذه الآية ناظرة إلى الشبهات الحكمية، لا إلى الشبهات الموضوعية .
الثانية : هذه الآيةُ والآيةُ التي بَعدَها تدلاّن على أنّ الله تعالى لا يعذّبهم حَتَّى يَبْعَثَ إليهم رَسُولاً، لا أكثر، فهما لا تدلاّن بالضرورة ـ طبعاً بنظرنا القاصر ـ على أنّ رفْع العذابِ هو من باب وجوب العدل وقبح الظلم، فقد يكون رفع العذاب ـ في الآية ـ مِن باب العدْل المحض، فلا ينبغي أن يعذّبهم اللهُ تعالى قبل إرسال الرسول، وقد يكون رفْعُ العذابِ ـ في الآية ـ من باب المنّ والتفضّل ـ ولو من باب أنّ مخالفة أحكام العقل سبب تامّ للعقاب لكنّ اللهَ مَنَّ عليهم بعدم التعذيب ـ .
والثالثة : هل تجري البراءةُ المستنبطةُ مِن هذه الآية في الشبهات المفهومية ؟ بمعنى لو حصل عندنا شكّ في معنى ( تَخْضَعْنَ ) مِن قوله تعالى ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً[3] فهل تجري البراءة فيما لو شككنا في صدق الخضوع فيه أم لا تجري ؟
فقد تقول : قد بَعَثَ اللهُ في ذلك رسولاً، لكنِ المشكلةُ مِن عندكم، وهي مشكلة خارجية، وليس منشؤها من عند الرسول، فلا ينبغي أن تجري البراءةُ في موضع الشك .
ولكن الصحيح أنّ المشكلة في الشبهات المفهومية هي مِن عند المعصومين (عليهم السلام) بَعدَ عدم تغيّر اللغة، فكان يمكن لهم بسهولة أن يوضّحوا لنا المعاني والمرادات من كلماتهم المباركة .
نعم، لا شكّ ولا خلاف في عدم جريان البراءة المستنبَطة من هذه الآية في الشبهات الموضوعية أي المصداقية ـ كما لو شككنا في خمريّة هذا المائع الخارجي الموجود أمامنا ـ لأنّ المشكلة هي من عندنا بوضوح.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo