< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لا يزال الكلام في تاريخ علم الاُصول
تاريخ علم الاُصول :
مَرّ عِلْمُ الاُصولِ بثلاثة عصور :
(العصر الأوّل من سنة 329 ـ 436 هـ ق) : ...
(العصر الثاني من سنة 436 ـ 985 هـ ق) : ...
(العصر الثالث من سنة 985 هـ ـ وإلى يومنا هذا ) : ...
* نظرة مختصرة إلى الدولة الصفويّة (905 هـ ق ـ 1149 هـ) :
عجيبة هذه الدولة القصيرة العمر، فقد ظهرت فيها كلّ الخيرات، في ظلّ حكم الصفويين كتب العلماء الموسوعات الروائية الضخمة (البحار، الوسائل، الوافي، البرهان في تفسير القرآن .. وغيرها كثير )، وفي ظلّها ظهرت المدرستان الأخبارية والإنسداديّة، ممّا رقّى علمَ الاُصول إلى معارج عالية، بل كلّ العلوم الإسلامية تطوّرت ... بل عجيبة هذه الطائفة الشيعية، إذا حكمت في بغداد ظهرت كلّ الخيرات في زمن البويهيين، حتى ظهر أعاظم العلماء كالمشايخ المفيد والمرتضى والطوسي .. وإذا حكمت بإسم الصفويين ظهرت كلّ الخيرات .. وإذا ظهرت الجمهورية الإسلامية في عصرنا الحالي ظهرت كلّ الخيرات .. رغم الحصار الإقتصادي عليها، فانتصر حزب الله بفضل إيران الإسلام على إسرائيل والتكفيريين، وتقدّمت إيران علمياً بشكل لم يسبق له مثيل في أربعين سنة فقط !!
ظهرت الدولة الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي بن صفي الدين العلوي ناشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهم عائلة يرجع نسبها إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). ملك من هذه العائلة عشرة ملوك أولهم إسماعيل بن حيدر وآخرهم طهماسب الثاني بن حسين، مدة ملكهم نحو من 244 سنة من سنة 905 هـ إلى 1149 .
احتاجت الدولة الصفوية في أول أمرها إلى فقهاء يُعَلِّمون الناسَ أمورَ دينهم، ويتولون منصب القضاء لإدارة شؤون الناس، ولتكوين الغطاء الشرعي الذي يكون بديلاً للخلافة التي تركن إليها الدولة العثمانية، فاستفادوا من المجتهدين الذين هم في المذهب الشيعي نواباً للإمام عليه السلام .
وكان لعلماء جبل عامل السهم الأوفر في هذا المضمار، فقد هاجروا إلى إيران، وتولوا أمور الدولة، وسَيَّروا عَجَلَتَها بما يذكر لهم في التاريخ بمداد من نور . وكانت بلدة الشيخ المحقّق الكركي رحمه الله مثلاً تعج بالعلماء، فقد كان فيها أكثر من ثلاثين عالما، درسوا في بلدتهم، ونالوا درجة عالية في العلم، وضاقت الكرك عن طموحاتهم، وصادف ذلك ظهورَ الدولةِ الصفوية فهاجروا إلى إيران .
وفَوَّضَ الشاه الصفوي إليهم تنظيم شؤون الدولة حسبما يقتضيه الشرع الحنيف، وشغل علماء جبل عامل في الدولة الصفوية مناصب حساسة مهمة منها : الأمير، وشيخ الإسلام في أصفهان، ونائب الإمام، والمفتي، ومُرَوِّج المذهب، وشيخ الإسلام في طهران . وكان الشيخ الكركي رحمه الله على رأس المهاجرين إلى إيران في أول نشوء الدولة ونجاح الشاه إسماعيل في الإستيلاء على مقاليد الحكم، فوَلاّه الشاه منصبَ شيخ الإسلام في أصفهان .
وانطلاقاً من مبدأ الكلمة والمعرفة أسس المدارس لتخريج الكوادرالمسؤولة عن نشر المذهب الإمامي بين الناس، وكتب إلى علماء الكرك وجبل عامل وحثهم على النهوض إليه للجهاد في نشر الدين الحنيف ... ولما توافر لديه عدد من رجال الدين المخلصين أخذ يوجه النشاط الديني في إيران كلها، من خلال مجموعة علماء مؤمنة ومدربة على العمل الإجتماعي والسياسي، وعيَّنَ في كل بلد وقرية إماماً يُعَلِّمُ الناسَ شرائع الإسلام، ويؤمهم في الصلاة، ثم نصب نفسه لتعليم كبار رجال الدولة أمثال الأمير جعفر النيسابوري وزير الشاه، وقدم له الرسالة الجعفرية، وأمَدَّهُ الشاه إسماعيل(بن حيدر) بسبعين ألف دينار شرعي سنوياً ليصرفها على المدارس، وتخريج العلماء قادة الأمة، لأنهم أقدر على إقامة العدل وسياسة الناس، ولما تولى السلطان العادل الشاه طهماسب بن الشاه إسماعيل (الذي حكم من سنة 930 إلى سنة 984 هـ، وتوفّي سنة 996 هـ) قَرَّبَ المحقّقَ الكركي، ومنحه لقب نائب الإمام . وكان علماء الكرك يبعثون الرسائل من إيران إلى إخوانهم في الكرك وبعلبك وجبل عامل يحثونهم على الإلتحاق بأصفهان للعمل على نشر المذهب الإمامي، وتثبيت دعائمه، فالمحقق الكركي أرسل إلى الشيخ حسين بن عبد الصمد ـ والد البهائي ـ الذي كان يدرس في المدرسة النورية في بعلبك وأغراه بالسفر إلى أصفهان، ولعب الكركيون دوراً فعّالاً في تنظيم الحياة العلمية والثقافية والإقتصادية والعمرانية في إيران إذ فتحوا المدارس، وصرفوا على الطلاب، ونظموا الخراج والقضاء، وضبطوا اتجاه القبلة في أكثرية بلاد العجم، وهندسوا المساجد والمآذن والقباب، وحثوا الناس على الإلتزام بالدين، وألفوا الكتب في الدفاع عن مذهبهم وردوا على علماء السنة وجادلوهم، وردوا على رهبان النصارى . قال المحقق البحراني في لؤلؤة البحرين : "كان المحقق الكركي من علماء دولة الشاه طهماسب الصفوي، جعل أمور المملكة بيده، وكتب رقماً إلى جميع الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ المذكور وإن أصل الملك إنما هو له، لأنه نائب الإمام عليه السلام، فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتباً بدستور العمل في الخراج، وما ينبغي تدبيره في شؤون الرعية ... قال السيد نعمة الله الجزائري في كتابه شرح غوالي اللآلي : ( مَكَّنَه السلطان العادل الشاه طهماسب من الملك والسلطان، وقال له : أنت أحق بالملك لأنك النائب عن الإمام، وإنما أكون من عمالك أقوم بأوامرك ونواهيك . وكان الشاه يكتب إلى عماله بامتثال أوامر الشيخ، وأنه الأصل في تلك الأوامر والنواهي، وأكد أن معزول الشيخ لا يستخدم، ومنصوبه لا يعزل) (إنتهى) .
كتب الشاه طهماسب بخطه في جملة ما كتبه في ترقية هذا المولى المنيف ... بسم الله الرحمن الرحيم چون از موداى ... ( حيث إنه يبدو ويتضح من الحديث الصحيح النسبة إلى الإمام الصادق عليه السلام اُنظروا إلى مَن كان منكم، ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكماً فإنّي قد جعلته حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد، وهو راد على الله وهو على حد الشرك، واضح أن مخالفة حكم المجتهدين، الحافظين لشرع سيد المرسلين، هو والشرك في درجة واحدة . لذلك فإن كل من يخالف حكم خاتم المجتهدين، ووارث علوم سيد المرسلين، نائب الأئمة المعصومين، لا زال اسمه العلي علياً عالياً، ولا يتابعه، فإنه لا محالة ملعون مردود، وعن مهبط الملائكة مطرود، وسيؤاخذ بالتأديبات البليغة والتدبيرات العظيمة . كتبه طهماسب بن شاه إسماعيل الصفوي الموسوي ) (إنتهى) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo