< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إستثناءً (تاريخ علم الاُصول)
تاريخ علم الاُصول :

مَرّ عِلْمُ الاُصولِ بثلاثة عصور :

(العصر الأوّل من سنة 329 ـ 436 هـ ق) :

بَدَأ علم الاُصول عند الشيعة عند انتهاء عصر ظهور المعصومين (عليهم السلام)، أي في بداية الغيبة الكبرى، وذلك على يد الحسن بن أبي عقيل العُماني المعاصر للشيخ الكليني(توفّي 329 هـ) وبعده محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي(توفّي 381 هـ) المعاصر للشيخ الصدوق . وكان الشيخ المفيد(محمد بن محمد بن النعمان 338 هـ ـ‌ 413 هـ) تلميذاً لهذين العَلَمَين، وكان له حسن ظن بالعماني وابن الجنيد، فتابع طريقتهما، ومنه تَسَرَّى ذلك إلى طلابه الذين تخرجوا عليه كالسيد المرتضى، وانتهى هذا العصر بوفاة السيد المرتضى سنة 436 هـ ق .

(العصر الثاني من سنة 436 ـ 985 هـ ق) :

بدأ العصر الثاني من عصور علم الاُصول حين استلم الشيخ الطوسي مرجعيّة الطائفة، في سنة 436 هـ، فكان له الفضلُ في تأسيس هذا العلم بشكل مستقلّ وجيّد في كتابه (عِدّة الاُصول)، وإن كان واضعُ حجرِ البناءِ الأوّلِ غيرَه، وكان السببُ في بزوغ هذا العلم بذلك التطوّر زيادةَ تفريع الفروع في زمان الشيخ الطوسي وظهورَ قواعدَ كانوا يَرْجِعون إليها في تلك الفروع، وكان لا بدّ من تحقيق هذه القواعد في عِلْمٍ مستقلّ لكثرة البحث فيها، فجعلوها في عِلْمٍ خاص أسمَوه (علم الاُصول) .
ومن الطبيعي أن يتطوّر هذا العِلم على أيدي عظماء ذاك العصر من قبيل ابن إدريس والمحقق والعلامة والشهيدين الأول والثاني رحمهم الله جميعاً، وذلك بسبب الفاصل الزمني بين العصر الثاني وعصر النصوص، إذ كلما اتسع هذا الفاصل الزمني حدثت مشاكل في مجال الإستنباط وكُلِّفَ عِلْمُ الأصول بدراستها والتفكير في وضع الحلول المناسبة لها .

وإنما نعتبر بداية العصر الثاني هو بداية مرجعية الشيخ الطوسي لعدّة أسباب :
ـ منها : إنّنا نلحظ من مقدّمة كتاب العِدّة في علم الاُصول للشيخ الطوسي أنّ علم الاُصول لم يدوّن قبله بشكل مستقلّ وجيّد ومنقّح ... فشرع في كتاب جامعٍ للشروط المطلوبة[1]..

ـ ومنها : هيمنة الشيخ الطوسي على فِكْر الطائفة الشيعية في كلّ العلوم الحوزوية لأكثر من قرن من الزمان، في كلّ المجالات : في علم الكلام والفقه وأصول الفقه والتفسير والرجال وغيرها من العلوم، وإن اشتهر من بين مولّفاته التهذيب والإستبصار والمبسوط والخلاف والنهاية، لا بل هَيمن إلى يومنا هذا، فترى فقهاءنا المعاصرين يتحاشون التخطّي عن آرائه واستدلالاته الفقهية، ويتابعونه في كثير منها .
مع أنه برز في العصر الثاني كبار العلماء من أمثال سلار المتوفّى 448 والقاضي ابن البرّاج المتوفّى 481، وأبي يعلى الجعفري المتوفّى 463، وابن حمزة من أعلام القرن السادس، وابن زهرة الحلبي المتوفّى 585 هـ، لكنهم ما تجرّؤوا .. وتباطأت المدرسة الاُصولية والفقهية في تقدّمها .. إلى أن ظهر ابن إدريس الحلِّي المتوفّى 598 كفقيه متحرّر، ذي رأي نافذ، وعلميّة فائقة، ومقدرة عالية في الإستدلال، وفي ردِّ الفروعِ إلى الأصول، غير محاذِرٍ نقْدَ ناقِد، ولا متابعٍ رأيَ عالِم، بل كان يتّبع ما يوصله إليه الدليل، فصار يناقش آراء شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله، وربّما يصل في بعض الأحيان إلى حدّة غير معهودة للدفاع عن آرائه، ودفعاً لما لا يراه من آراء الشيخ الطوسي، فأوصل الفقه الإسلامي إلى حالة رائعة من الإنفتاح والتقدّم في الفقه الإمامي، وهو يعد بحقّ صاحب قفزة نوعيّة في تطوّر الفقه الإمامي، وإن كان ربّما يقال إنّه أفرط في ردّ الشيخ الطوسي .

هذه الحالة التي خلقها ابن إدريس الحلّي ساهمت في بزوغ فقهاء جريئين على النقاش، من طراز ابن إدريس، أكثر شمولية من الشيخ الطوسي وأدق نظراً من السابقين، من قبيل ابن نما الحلّي المتوفّى سنة 645 من مشايخ المحقّق الحلّي، والسيد علي بن طاووس المتوفّى 664، والسيد أحمد بن طاوس المتوفّى سنة 673، والمحقّق الحلّي( 602 - 676 هـ) والعلاّمة الحلّي والشهيدين .. وانتهى هذا العصر ببروز ظاهرة الأخباريّة في الطائفة الشيعية سنة 985 هـ ق .

(العصر الثالث من سنة 985 هـ ـ وإلى يومنا هذا ) :

استمرّت مدرسة العَصْرِ الثاني إلى أن ظهر زلزالُ المدرسة الأخبارية سنة 985 هـ، حيث بدأ الأخْذُ والردّ بين المدرستين الاُصولية والأخبارية، وكثر الحديث يومها بلزوم كتابة أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، فنهض العلماء في أوائل هذا العصر الثالثِ بكتابة المجاميع الروائية الكبيرة (البحار، الوسائل، الوافي، البرهان في تفسير القرآن ) .. وبدأ بذلك العصرُ الذهبي من عصور علم الاُصول والفقه والحديث .. وكان ظهور مدرسةِ الوحيد محمد باقر البهبهاني الذي يعبّرون عنه بـ مجدّد المذهب في القرن الثاني عشر[2] بارزاً في أوائل هذا العصر أيضاً، حيث نهض للردّ على المدرسة الأخباريّة، فتطوّر بذلك علمُ الاُصول وتنقّح على يديه وعلى أيدي تلامذته، وظهر في أوائل هذا العصر مذهبُ الإنسداد أيضاً، حتى أنّ نفس الوحيد البهبهاني وتلميذه المحقّق القمّي(هو من أهل شَفت من أعمال مدينة رشت من محافظة گيلان في شمال إيران، ولد حوالي عام 1152 هـ، وتوفّي في قم المقدّسة ودُفِن في مقبرتها الشهيرة المعروفة بـ شيخون) وتلميذه صاحب الرياض كانوا إنسداديين !! وذلك بعد التسالم عند الشيعة على عدم حجيّة الظنّ . وانهزم مذهب الإنسداد بعدما تبرهن بالأدلّة القطعية حجيّةُ خبر الثقة وحجيّة الظهور ..

وكما قلنا كان السببُ في بزوغ هذا العصر الثالثِ الحركةَ الأخبارية سنة 985 هـ وكان رائدُها ومجدّدها المحدّث الشيخ أمين الاسترآبادي(توفي 1033 هـ) وظهرتْ بشكل خاص في كتابه "الفوائد المدنية" الذي وضع أصول ما فيه من الأفكار في المدينة المنورة، ثم دونها في مكة المكرمة وسَمّاه بـ‌ "الفوائد المدنية" في الرد على مَن قال بالإجتهاد والتقليد أي أتْباع الظن في نفس الأحكام . وهذا الكتاب يحوي أصولَ الفكر الأخباري بصورة منظمة وعلمية .


[1] قال الشيخ الطوسي في خطبته في أوّل كتابه (العدّة في اُصول الفقه) ص 3 : ( قد سألتم أيّدكم الله إملاءً مختصراً في أصول الفقه، يحيط بجميع أبوابه على وجه الإختصار والإيجاز على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا، فإنّ مَن صَنّف في هذا الباب سلك كلّ قوم منهم المسالك التي اقتضتها أصولهم، ولم يصنف أحدٌ من أصحابنا في هذا المعنى، إلا ما ذكره شيخنا أبو عبد الله رحمه الله في المختصر الذي له في أصول الفقه ولم يستقصِه، وشذَّ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها، وتحريرات غير ما حرَّرها، وإنّ سيدنا الأجل المرتضى قدس الله روحه وإن كثر في أماليه وما يقر عليه شرح ذلك، فلم يصنف في هذا المعنى شيئاً يُرجَعُ إليه، ويُجعل ظهراً يُستنَدُ إليه . وقلتم : إن هذا فَنٌّ مِنَ العلم لا بد من شدة الإهتمام به، لأن الشريعة كلها مبنيَّة عليه، ولا يتم العلم بشيء منها من دون إحكام أصولها، ومن لم يحكم أصولها فإنما يكون حاكياً ومقلِّداً، ولا يكون عالماً، وهذه منزلة يرغب أهل الفضل عنها . وأنا مجيبكم إلى ما سألتم عنه، مستعيناً بالله وحوله وقوته، وأسأله أن يعينني على ما يقرب من ثوابه ويبعِّدُ مِن عقابه . وأقدم في أول الكتاب فصلاً يتضمن ماهيةَ أصول الفقه، وانقسامها، وكيفية ترتيب أبوابها، وتعلق بعضها ببعض، حتى أنّ الناظر إذا نظر فيه وقف على الغرض المقصود من الكتاب، وتبين من أوله إلى آخره ...) (إنتهى).
[2] وُلِدَ في مدينة أصفهان سنة 1117، عاش في النجف الأشرف سنين عديدة ثم انتقل إلى كربلاء حيث توفّي فيها سنة 1205 أو 1206 هـ ق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo