< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الاُصول العمليّة
لا يزال الكلام حول تاريخ الأصول العمليّة :
إنّ الرجوع إلى الأصول العمليّة في الفقه هو من المميّزات الجوهريّة بين الفقه الشيعي والفقه السنّيّ .
توضيح ذلك :
إنّ المدار في الفقه السنّي دائماً هو التوصل إلى الحكم الواقعي، ولهذا هم يتمسّكون أولاً بالأدلة المشروعة من الكتاب والسنّة، فإن لم يوجد ذلك تمسّكوا بمطلق الأمارات الظنيّة من الظنّ والقياس ونحو ذلك، وإن لم يوجد ذلك تمسّكوا بأيّ مناسبة واعتبار .
وأمّا الفقه الشيعيّ فهو يقوم على أساس ثلاث مراحل طوليّة في مجال الإستنباط، ففي المرحلة الأولى يفتّش الفقيهُ في الأدلّة ليَعْرِفَ الحكمَ الشرعيّ الواقعي، فإن لم يعرف ينظر ـ في المرحلة الثانية ـ إلى الأمارات المعتبرة ليعرف الحكم الشرعي التعبدي، ولو من خلال خبر الثقة الواحد، فإن وَجَد دليلاً مشروعاً على الحكم الشرعي التعبّدي أخَذَ به، وإلا انتقل إلى المرحلة الثالثة وهي الرجوع إلى (الاُصول العمليّة)، فيأخذ بمقتضاها، وهو ما يسمّى بـ (الوظيفة العمليّة)، وذلك للخروج عن عهدة التكليف الشرعي .
ولا يفكَّرُ الفقيهُ الشيعي في هذه المرحلة الثالثة بغير ذلك، فهو لا يفكّر ـ مثلاً ـ بالأخذ بالقياس أو التخمينات والترجيحات ونحو ذلك .
إلا أنّ هذا المميّز الأساس للفقه الشيعيّ لم يُطرح من أوّل الأمر بالصيغة المعروفة اليوم، بل الأصل العمليّ كان مندرجاً عندهم في أوّل الأمر تحت عنوان دليل العقل الذي يورث القطع، ومن هنا ذَكَرَ السيّد علم الهدى وابن إدريس قدّس سرّهما في مقام بيان المصادر والأدلَّة التي يعتمدون عليها في مقام الإستنباط : إنّنا نعتمد[1] على أدلَّة كلّها علميّة، ولا يجوز إعمال دليل لا يفيد العلم كخبر الواحد والقياس ونحو ذلك من الأدلَّة الظنّية، والأدلَّة القطعيّة عندهما كانت الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، ثمّ كانا يطبّقان الدليل العقليّ في الفقه على أصل البراءة، أو قُلْ كانا يعتبران البراءةَ من مصاديق أحكام العقل.
فجوهر الأصل العمليّ كان موجوداً عندهم، وكانوا يرجعون ـ عند عدم الأمارة المشروعة ـ إليه لا إلى أمارة غير مشروعة كالقياس أو المناسبة والتخمين، لكن كانوا يسمّون ذلك بالدليل العقليّ، وكانوا يجعلونه في عرْض الكتاب والسنّة، ومقصودهم بالبراءة التي جعلوها من الدليل العقليّ هي ـ طبعاً ـ البراءةُ العقليّة لا الشرعية .
ثمّ حينما توسّع البحث في الدليل العقليّ ذكروا تحته عنواناً مستقلاً وهو الإستصحاب، وجعلوا البراءة ترجع بنحو من الأنحاء إلى الإستصحاب، لأنّ البراءة عبارة عن استصحاب براءة الذّمّة الثابتة بحكم العقل، وسمّوها باستصحاب حال العقل .

وأيضاً وُجِدَ في كلماتهم تقريبُ البراءة بحكم العقل بقبح التكليف بما لا يطاق، لكون التكليف بغير المعلوم تكليفاً بما لا يطاق، كما هو الحال في كلمات المحقّق.
واُضيفَ بعد ذلك ـ كما في المعتبر والدروس ـ إلى تقريبات البراءة : التقريبُ[2] بأنّ عدم الدليل دليلٌ على العدم، لأنّ المبلِّغين بلَّغوا الأحكامَ الشرعيّة، ففي المورد الذي لا نجد فيه دليلاً على الحكم الشرعيّ يُستكشَفُ من عدم الدليل عدمُه، كلّ هذا كان بروح المعاملة مع أصالة البراءة معاملة الدليل العقليّ القطعيّ.
ثمّ لمّا شاع العمل بالأمارات الظنّيّة وبخبر الواحد، وتوسّع البحثُ في نطاق الأمارات الظنّيّة تدريجياً، صاروا يرَون أنّ أصل البراءة دليل ظنّي وأمارة ظنّيّة، وميّزوا بينها وبين الإستصحاب، وجعلوا الإستصحاب أيضاً حجّة بملاك الظَّن، حتى أنّه في كتاب المعالم توجد تصريحات تدل على أنّ بناءهم في حقيقة البراءة أنها من باب الظنّ، بل مثل هذه الفكرة امتدت إلى بعض المتأخّرين كصاحب القوانينعلى ما ينقل عنه الشيخ الأعظم .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo