< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: لا يزال الكلامُ في الأدلّةَ على حجيّة خبر الواحد من السنّة الشريفة، فنقول :

* اُستُدِلّ على حجيّة خبر الثقة بالروايات التالية :
1 ـ روى الشيخ الكليني في الكافي عن محمد بن عبد الله الحِمْيَري ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحِمْيَري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق(الرازي ثقة رضيَ اللهُ عنه) فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له : يا أبا عمرو، إنّي أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رُفِعَتِ الحجّة، واُغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله عزّ وجلّ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة . ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، وإنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزّ وجلّ أن يريه كيف يحيى الموتى قال أو لم تؤمن، قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي . وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن(الهادي) (عليه السلام)قال : سألته وقلت من أعامل ؟ وعمّن آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال له : ( العَمْرِيّ ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعَنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطِعْ، فإنّه الثّقة المأمون )، وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمّد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال له : ( العَمْري وابنُه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثّقتان المأمونان ) فهذا قول إمامين قد مضيا فيك . قال : فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى . ثمّ قال : سل حاجتك، فقلت له :أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد (عليه السلام) فقال : أي واللهِ، ورقبَتُهُ مِثْلُ ذا ـ وأومأ بيده ـ فقلت له : فبقيت واحدة، فقال لي : هات . قلت : فالإسم ؟ قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلَّل ولا أحرّم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنّ الأمر عند السلطان أن أبا محمّد مضى ولم يخلَّف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخَذَهُ مَن لا حقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون، ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو يُنيلهم شيئاً، وإذا وقع الإسمُ وقع الطلبُ، فاتقوا اللهَ وأمسكوا عن ذلك) [1] (صحيحة من الصحيح الأعلائي) .
فالتعليلُ لحجيّة قول العَمْري ووَلَدِه بقوله (عليه السلام) ( فإنّه الثّقة المأمون ) أو ( فإنهما الثّقتان المأمونان ) واضح العموم، أي واضح في إعطاء الحجيّة لقول كلّ ثقة مأمون، وليس بالضرورة أن يكون عادلاً .
فإن قلتَ : موردُ هتين الروايتين وسياقُهما واضحان في ورودهما لإعطاء النيابة الخاصّة والوساطة في إبلاغ الشيعة كلام الإمام الحجّة روحي وأرواح العالمين لقَدَمِه الفداءُ، وليس أكثر .
قلتُ : لا شكّ في ورودهما لإفادة إعطاء النيابة والوساطة للنائبَين المعظّمَين، لكنْ هذا لا يمنع من الإستفادة من سائر كلام الإمام أيضاً، والتعليلُ واضح في إعطاء الحجيّة لكلام الثقة المأمون بمقتضى التفريع .
ـ ومنها : ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى(ثقة عندي) عن أبي أيوب الخزاز(ثقة) عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول الله (ص) لا يتّهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه ؟ قال : ( إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن )[2] مصحّحة السند، وهنا ترى الإمامَ (عليه السلام) يُقِرّ محمدَ بن مسلم على اعتقاده بحجيّة رواية الثقة، أو قُلْ : لو لم يكن خبر الثقة حجّة لبيّن له الإمام ذلك، ولقال له "قول الثقة غير حجّة إلاّ إذا أفاد الإطمئنان .." وذلك لأنّ دور الإمام هو تبيان الأحكام الشرعية للناس، فكيف لمحمد بن مسلم الفقيه المهم ؟! خاصّةً وأنه قال ( إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن ) ممّا يعني أنه تجاوز قضيّة حجّية خبر الثقة، واعتبره أمراً مفروغاً منه، فقال بل إنه ينسخ كما ينسخ القرآن الكريم، وإلاّ فالحديث الضعيف لا ينسخ .
ـ ومنها ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن محمد بن عيسى بن عبيد عن صفوان بن يحيى عن داوود بن الحصين(واقفي ثقة) عن عمر بن حنظلة قال : سألتُ ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين اختار كلّ واحد منهما رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا ـ خ) ؟ قال (عليه السلام) : ( الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ..) إلى أن قال عمر بن حنظلة : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقاتُ عنكم ؟ قال : ( ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة )[3]، يعبّرون عن سند هذه المصحّحة أو الصحيحة بالمقبولة، ولكلّ وجه، وليس في السند إشكالٌ إلاّ في عمر بن حنظلة، وهو ثقة لعدّة قرائن ذكرتها بالتفصيل في تعليقتي على الحلقة الثالثة فليراجع هناك . بل نحن نقول بصحّة روايات أصحاب الإجماع، والراوي للرواية هذه هو صفوان بن يحيى .
وموضع الإستدلال هو قوله (عليه السلام)( الحُكْمُ ما حكم به أعدلُهما وأفقهُهما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ..) فنظرُ الإمامِ (عليه السلام) إذَنْ إلى العدالة والصدق أيضاً، وليس فقط إلى الفقاهة والأورعيّة . والأوضح دلالةً هنا قولُ السائل ( فإن كان الخبران عنكم مشهورَين قد رواهما الثقاتُ عنكم ؟) ممّا يُظهِرُ وضوحَ فكرةِ حجيّة خبر الثقة عند أصحاب الأئمّة، وقد أقرّه الإمامُ على هذا الإرتكاز، ولم يردعه، ولم ينبّهه، وإنما أجابه بلزوم الأخْذِ حينئذ بما يوافق الكتاب والسُنّة وخالف العامّةَ ..
ـ ومنها : ما عن الكشّي عن العيّاشي عن محمّد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرّضا (عليه السلام) قال قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : (نعم )[4] صحيحة السند، وذلك بنفس التقريب السابق، وهو أنّ الإمامَ (عليه السلام) أقرّه على ارتكازه بحجيّة خبر الثقة .
ـ ومنها : ما عن الكشّي عن محمّد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن محمّد بن عيسى عن أحمد بن الوليد عن عليّ بن المسيب قال قلت للرضا (عليه السلام) : شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم ديني ؟ فقال : (من زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا )[5]، رجال السند كلهم ثقات إلاّ أحمد بن الوليد، فإنه مهمل في كتب الرجال، إلاّ أنّ رواية محمد بن عيسى وولده أحمد عن أحمد بن الوليد على جلالتهما في العلم والفقاهة يؤيّدان كونه ثقة، إضافةً إلى معلوميّة وثاقة وجلالة زكريا بن آدم الذي وصفه النجاشي بأنه "ثقة جليل القدر"، وقول الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) فيه .. ولذلك نقول هي مظنونة الصدور جداً، وذلك بتقريب أنّ وصف زكريا بن آدم بـ ( المأمون على الدين ) إشارةٌ واضحةٌ إلى علّة أخْذِ معالم الدين عنه .
فإن قلتَ : إنّ وصْفَ الإمامِ (عليه السلام)( المأمون على الدين والدنيا ) هو وصف فوق الوثاقة ! لأنه يشمل عدم كونه غشّاشاً في المعاملات مع الناس، وعدم كونه خائناً مع الناس ..
قلتُ : هذا صحيح، ولكن هذا لا يمنعُ من أن نعرف علّةَ الأخْذِ برواياته، وهي أمانتُه في النقل، وهي تعني الوثاقة في النقل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo