< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بقية الردود على ادّعاء السيد المرتضى الإجماعَ
فهنا نقول ـ بعدما قرأتَ وعرفتَ من كلام الشيخ الطوسي ـ :
أوّلاً : ( يبعد الإيمان بأنّ السيد المرتضى يقول بعدم حجيّة خبر الثقة، فضلاً عن اعتقاده الإجماعَ على ذلك، وذلك لجزْمِ الشيخِ الطوسي بإجماع الطائفة على حجيّة خبر الثقة، وهما في زمان واحد ومكان واحد، فإنّ الشيخ الطوسي قد درس مع السيد المرتضى عند الشيخ المفيد، ثم بعد وفاة الشيخ المفيد درس الشيخُ الطوسي عند السيد المرتضى، إذن معارف كلّ واحد منهما من العلماء هي نفس معارف الثاني، كما ونستبعد التسامح منهما أو من أحدهما، وهما العالمان الجليلان، على أنّ مسألة حجيّة خبر الثقة مسألة محل ابتلاء يومي عند الفقهاء، والشيخ الطوسي كان زميلاً للسيد المرتضى في الدرس كما قلنا ثم تلميذاً له، فاللازم أن يعرف رأي السيد المرتضى في هكذا مسألة مهمّة وإبتلائيّة .
وأغلبُ الظنّ أنّ نظر السيد المرتضى إنما هو إلى أخبار الآحاد عند العامّة، كما تعرف ذلك من كلام الشيخ الطوسي السابق، لاحِظْ قولَه السابق :
( فإن قيل : أليس شيوخُكم لا يزالون يناظرون خصومَهم في أن خبر الواحد لا يُعمل به، ويدفعونهم عن صحة ذلك، حتى أن منهم من يقول : "لا يجوز ذلك عقلاً"، ومنهم من يقول : "لا يجوز ذلك لأن السمع لم يرد به"، وما رأينا أحداً منهم تكلم في جواز ذلك، ولا صنف فيه كتاباً ولا أملَى فيه مسألة، فكيف تدَّعون أنتم خلافَ ذلك ؟
قيل له : مَن أشرتَ إليهم مِنَ المنكِرين لأخبار الآحاد إنما كلّموا مَن خالفهم في الإعتقاد ودفعوهم عن وجوب العمل بما يروونه من الأخبار المتضمّنة للأحكام التي يروون هم خلافها، وذلك صحيح على ما قدمنا، ولم نجدهم اختلفوا فيما بينهم ..) (إنتهى) .
والظاهر : أنّ مقصوده من قوله (شيوخكم) الذي يقول بعدم حجّية خبر الواحد هو السيد المرتضى .
ثانياً : سيأتينا في الأخبار المستفيضة أو المتواترة عن الثقات عن المعصومين (عليهم السلام) حجيّة خبر الثقة، ممّا يوهن صحّة ما ادّعاه السيد المرتضى .
ثالثاً : يبعد وجود سيرة متشرّعية على عدم حجيّة خبر الثقة مع ما ستعرف من وجود سيرة متشرّعية على العمل بأخبار الثقات، وإمضاء الأئمّة لهذه السيرة، ومع وجود ما قلناه من تواتر أخبار الثقات على حجيّة خبر الثقة .
ولذلك نقول : إنّ نقْل السيدِ المرتضى للإجماع على عدم حجّية خبر الواحد لا يمكن أن يكون صحيحاً، فإننا نقطع بعدم انعقاد إجماع الطائفة على عدم العمل بخبر الواحد، خصوصاً بقرينة روايات كثيرة واردة عن أصحاب الأئمة (عليهم السلام)واعتماد الفقهاء والناس أجمعين على روايات الثقات وأخذها منهم مع القطع بعدم حصول القطع عندهم منها دائماً . وكذا لا يمكن لهذا الإجماع المدّعى أن يكون حجّة، لأنّ الأمارة إنّما تكون حجّة في مورد الشكّ لا مع القطع بالخلاف، بل لا دليل على حجيّة الإجماع المنقول ـ كما مرّ معنا الإستدلال على ذلك ـ إلاّ إذا كان كاشفاً عن رأي المعصومين، وإجماعُ السيد المرتضى ـ بعد كلّ الذي سمعتَ ـ لا يكشف عن رأي المعصومين (عليهم السلام)، خاصةً مع ذهاب المشهور إلى حجيّة خبر الثقة، فقد ادّعى الشيخ الطوسي وجماعةٌ الإجماعَ على حجيّة خبر الواحد في الجملة، كما ادّعى ذلك في الرسائل[1] ثم جزم بالشهرة على ذلك بين القدماء والمتأخّرين .

4 ـ دعوى التمسّك بالعقل :
فقد يُدّعَى عدمُ إمكان التعبّد بحجيّة خبر الثقة لأنه ظنّ، وقد يخالف الواقع، وهذا يخالف الغرض من بعث الرسل لأجل تطبيق أحكام الله الواقعية، لا الظاهرية، وو .. ممّا ذكرناه في بحث (الأمر الثاني في الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري) وأجبنا عنه بتطويل فراجع .

5 ـ دعوى التمسّك بالأصل :
أنت تعلم أنّ الأصل يقتضي عند الشكّ في حجيّة ظنٍّ ما ـ أمارةً كان الظنّ أو أصلاً ـ عدم الحجيّة . ولا أقصد بالأصل هنا استصحاب العدم الأزلي، أي استصحاب عدم الجعل، وذلك لأنك تعلم بتمامية الشريعة، أي هناك جعْلٌ قطعاً بالنسبة إلى مسألة حجيّة خبر الثقة في اللوح المحفوظ، وإنما أقصد أنّ الحكم الأعلائي لكلّ الظنون ـ بحسب الأصول العقلية والعقلائية والشرعية والمتشرّعية ـ هو عدم الحجيّة، ولذلك كان هذا الأصلُ بديهياً ومسلّماً .
والجواب أيضاً معروف وبديهي وهو عدمُ جريان هذا الأصل عند ثبوت الحجيّة شرعاً .
وبهذا تمّ البحثُ الأوّلُ في أدلّة عدم حجيّة الخبر .
* * * * *
البحث الثاني : في أدلَّة حجّيّة الخبر :
اُستُدِلّ على حجّية خبر الواحد بالأدلَّة الأربعة[2] :
1 ـ دعوى الإستدلال بالكتاب الكريم :
فقد استدلّ على حجيّة خبر الثقة بآية النبأ، قال الله تبارك وتعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[3].
وذلك بخمسة تقريبات :
التقريب الأوّل من جهة مفهوم الشرط، بمعنى أنّ تعليق الحكم بـ (إيجاب التبيُّن) عن النبأ الذي جيءَ به على (كون الجائي به فاسقاً) يقتضي انتفاء وجوب التبيّن عند انتفاء كون الجائي فاسقاً . فكأنه قيل : النبأ، إن جاءكم به فاسق فتبيّنوا، وأمّا إن جاءكم به عادل فلا يجب عليكم التبيّن .. فموضوع الشرط هو (النبأ) والشرط هو (كون الجائي به فاسقاً)، و (النبأ) باقٍ عند انتفاء الشرط ـ أي عند عدم مجيء الفاسق بالنبأ ـ .
ولا يخفى أنه على هذه التقرير لا يَرِدُ أن الشرط في القضية هو لبيان تحقّق الموضوع، وأنه من قبيل ما لو قيل لك "إنْ رُزِقْتَ ولداً فاخْتِنْهُ" فإنْ لم تُرزَقْ ولداً فلا موضوعَ ليُقالَ لك "فلا تَخْتِنْهُ"، وهنا أيضاً كذلك إن قلنا إنّ موضوع الشرط هو (النبأ الذي جاء به الفاسق) فإن لم يأتنا نبأ الفاسق فلا موضوع أصلاً، فلا مفهوم له ح، لأنه من باب السالبة الحكم لانتفاء موضوعه .
التقريب الثاني بالإستفادة من مفهوم الوصف الخاص، وهو أن يقال : عندنا في الخارج حالتان لا ثالث لهما : فإمّا أنْ يأتيَ بالنبأ فاسقٌ ـ أي كاذب في الإخبار، ومثلُه مجهولُ الحال، وهو مثلُه من حيث النتيجة وذلك لاحتمال أن يكون فاسقاً ـ أو يأتيَ به عادلٌ ـ أي صادق ـ ولا حالةَ ثالثةٌ، وح نقول : إنه لا معنى لأن يقال [ فاسق ] إن لم تكن لهذه الكلمة أثر وفائدة، وإلاّ لقال إن جاءكم شخصٌ بنبأ فتبيّنوا ... خاصةً مع تقديم [ فَاسِقٌ ]على[ بِنَبَأٍ ] ممّا يشير إلى أنّ المنظور إليه في الآية هو (الفاسق) أي أنّ الآية تريد حصر وجوب التبيّن بالفاسق .
ولا يفيدنا الجواب على هذا الكلام بأنّ خبر الفاسق أوجبُ في التأكّد من خبر العادل الصادقِ الذي يفيد الإطمئنانَ غالباً .
فإنّ الأغلبية في الصدق وحصولِ الإطمئنان لا يوجب ذِكْرَ كلمةِ [ الفاسق ] في الآية، فقد يحصل عندك ظنّ مِن قول الفاسق أحياناً لبعض قرائن، ولا يحصل ظنّ ـ لبعض قرائن ـ مِن خبر العادل، ورغم ذلك يجب التبيّن شرعاً في خبر الفاسق دون خبر العادل .


[2] لا نزال نسير في تنظيم بحثنا هنا على أساس ترتيب تقريرات اُستاذنا السيد كاظم الحائري حفظه الله تعالى في مباحث الاُصول، راجع .مباحث الاُصول الجزء الثاني من القسم الثاني، سید محمد باقر صدر، ج2، ص391

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo