< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/11/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الردّ على دعوى التمسّك بالسُنّة الشريفة على عدم حجيّة خبر الواحد
2 ـ دعوى التمسّك بالسُنّة الشريفة :
وهي على طائفتين :
الاُولى : ما دلّ على عدم جواز العمل بالأخبار التي لم يُعلم صدورُها عنهم .
والثانية : ما دلّ على تحكيم الكتاب الكريم في قبول الأخبار ورفضها .
أمّا الطائفة الاُولى : فقد ذكرناها أمس
وكذلك ذكرنا الطائفة الثانية والتي تعتبر المقياسَ لقبول الأخبار هو موافقة كتابِ الله تعالي، وأهمُّها الرواياتُ التالية :
ـ ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى(بن عمران) الحلبي(ثقة صحيح الحديث له كتاب) عن أيوب بن الحر(ثقة له أصل) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( كل شيء مردودٌ إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتابَ الله فهو زخرُف ) صحيحة السند . وذكرنا غيرها من الروايات ...
وقلنا إنّ هذه الروايات لا تضرّنا فيما ندّعى، ولا تنفع الخصم، وذلك ـ إضافةً إلى بعض الردود الستّة السالفة الذكر وهي الردّ الثاني والرابع والخامس والسادس ـ لأكثر من سبب :
1 ـ منها : أنّ التخصيصَ ونحوه لا يخالف كتابَ الله ـ في قول الإمام (عليه السلام) ( وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوه ) وفي قوله(وكل حديث لا يوافق كتابَ الله فهو زخرف ) ـ ولذلك لا تُعَدّ الرواياتُ المخصّصة ونحوُها ـ بنظر العرف ـ أنها زخرف .
2 ـ ومنها : أنّ القرآن الكريم لم يتعرّض لجزئيّات الشريعة كعدد الركوعات والسجدات في الصلاة وو .. فنأخذ بالروايات المفصّلة لنتعرّف على جزئيات الشريعة التي لم يكن القرآن الكريم بصددها، وهذه ليست مخالفة لكتاب الله، لأنّ القرآن الكريم هو كتاب مواعظ، وكتابٌ يعطي كليّات الشريعة الإسلامية، ويقدّم للإنسان القضايا والاُمور المهمّة فقط، ولا يقدّم أحكام الشكوك في الصلاة مثلاً !! لأنّ هذا لا يناسب شأنه . وكذا يفعل كلّ خطباء الجمعة، فإنهم يحذون حذو القرآن الكريم في ذلك، ولا يتدخلون في جزئيّات ليست خطبةُ الجمعة محلّها .
3 ـ إنّنا نعلم بصدور الكثير من الروايات من المعصومين (عليهم السلام)ولا يوجد مضمونُها في القرآن الكريم، فهل نقول ( كُلُّ حديثٍ لا يوافق كتابَ الله ـ بمعنى أنه لا يوجد مضمونُه في القرآن الكريم ـ فهو زخرف ) ؟!
إذن، لا بدّ من التأويل، وذلك بأن نقول مثلاً بأنه ليس المرادُ من ( كُلُّ حديثٍ لا يوافق كتابَ الله ) إلاّ الموافقةَ في الجوّ العامّ لآيات كتاب الله الكريم، أو أنّ نظر هذه الأحاديثِ إلى فرْضِ التعارض، أو أن لا يخالف الحديثُ كتابَ الله مخالفةً مستقرّة، وأمّا إذا كان يخالف القرآنَ الكريمَ مخالفةً غيرَ مستقرّةٍ ـ كما في التخصيص والتقييد وتقديمِ الأظهر والحكومة ـ فلا بأس به، وهو ممّا يوافق كتاب الله، وح لا يكون زخرفاً .
وأرجحُ المعاني والتصوّرات ـ من خلال التقسيم الثنائي لشرط الأخذ بكتاب الله في موثّقة السكوني السابقة ( فما وافق كتاب الله فخُذُوْه، وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوْه ) ـ أنّ المراد من ( ما وافقه) أي من حيث العمومات الفوقانية، و( ما خالفه) أي من حيث العمومات الفوقانية أيضاً . دليلُنا على ذلك عدمُ ذِكْرِ (ما لا يوافق وما لا يخالف كتاب الله) والذي هو الأعمّ الأغلب من الروايات، أي الروايات التي لم يَتعرّض القرآنُ الكريم لها من قريب ولا من بعيد، لِمَ لَمْ تُذكَرْ في الروايات ؟ إذن يجب القول بأنّ المراد هو ما وافق العمومات الفوقانية وما خالف العمومات الفوقانية، أي المخالفة الواضحة، ولا يحتمل غير هذا .
مثال المخالفة لكتاب الله تعالى أن يرد في روايةٍ أنّ يوم التاسع من ربيع الأوّل هو يوم رَفْعِ القلمِ[1] !! أو أنْ يَرِدَ رواياتٌ تَصِفُ قوماً من الناس بأنهم قوم من الجنّ !! فقد روى الكليني بسنده عن الحسين بن خالد عمَّن ذَكَرَهُ عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( لا تنكحوا من الأكراد أحداً فإنهن جِنْسٌ(جيش ـ خ)(حَبْسٌ ـخ) من الجِنّ كُشِفَ عنهم الغِطاء )[2] فهذا الكذبُ في الروايات هو المقصود بقوله (عليه السلام) (وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوْه ) و ( هو الزخرف )، فإنّا نعرف منهم اُناساً متديّنين جيّدين وقد ماتوا على الإيمان، وكذا ورد عن علي بن داود الحداد(مجهول جداً) عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( لا تنكح الزنج والخوز، فإن لهم أرحاماً تدل على غير الوفاء ) [3]، قال : ( والسِنْد ـ هي بلاد بين بلاد الهند وكرمان وسجستان كأفغانستان وباكستان وبعض محافظة خراسان الإيرانية ـ والهند والقند ليس فيهم نجيب ) يعني قندهار، وإنّ مدينة قم المقدّسة تعجّ منهم ـ فهم فيها بعشرات الآلاف ـ والكثيرُ منهم اُناس مؤمنون متديّنون ومن طلاّب العلوم الدينية ..، على أننا إن أردنا أن نأخذ بهكذا روايات فإنّ المذكورين هم نصف سكّان الكرة الأرضية اليوم، أمّا في أيام صدور هذه الروايات ـ أي بلحاظ العالم القديم وما قبل اكتشاف أمريكا ـ فهم أكثر أهل الدنيا، فهكذا ادّعاء هو محض كذب وافتراء .

3 ـ دعوى التمسّك بالإجماع :
نسبوا إلى السيّد المرتضى دعوى الإجماع على عدم حجّية خبر الواحد[4] [5]، بل نسبوا إليه أنه قال (إنّ الأخبار الآحاد من المعلوم ضرورةً من مذهبنا وحال الطائفة عدمُ جواز العمل بها حتى أنّ شأنها بالنسبة للطائفة شأن القياس بالنسبة لهم)(إنتهى) .
وقبل أن نذكر الردّ على هذا الكلام يجب أن نذكر كلامَ شيخ الطائفة الطوسي الذي هو والسيد المرتضى تلميذان للشيخ المفيد، ثم بعد وفاة الشيخ المفيد تلمّذ الشيخُ الطوسي على زميله السيد المرتضى رحمهم الله جميعاً، فإنّ كلامه يوضّح كلّ أجوبتنا الآتية، وفيه فوائد كثيرة، فأقول :
قال الشيخ الطوسي : ( فأمّا ما اخترتُه من المذهب فهو أن خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة، وكان ذلك مرويّاَ عن النبيّ (ص) أو عن واحدٍ من الأئمة (عليهم السلام) وكان ممن لا يطعن في روايته، ويكون سديداً في نقله ـ ولم تكن هناك قرينةٌ تدل على صحة ما تضمنه الخبر، لأنه إن كانت هناك قرينة تدل على صحة ذلك، كان الإعتبار بالقرينة، وكان ذلك موجِباً للعلم ـ جاز العمل به .
والذي يدل على ذلك : إجماع الفرقة المحقة، فإنّي وجدتها مجمِعَةً على العمل بهذه الأخبار التي روَوها في تصانيفهم ودوَّنُوها في أصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه، حتى أن واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه مِن أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا يُنكَرُ حديثُه، سكتوا وسلَّموا الأمرَ في ذلك وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيَّتُهم من عهد النبيّ (ص) ومَن بعدَه مِن الأئمة (عليهم السلام)، ومن زمن الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام)الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته، فلولا أن العمل بهذه الأخبار كان جائزاً لما أجمعوا على ذلك، ولأنكروه، لأن إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو ...) [6] وسيأتي بقية كلام الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى .


[1]بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج31، ص113، مقتل عمر وكيفية قتله قال العلاّمة المجلسي : ما ذُكِرَ من أن مقتله كان في ذي الحجة هو المشهور بين فقهائنا الإمامية، وقال إبراهيم بن علي الكفعمي رحمه الله في الجنة الواقية في سياق أعمال شهر ربيع الأول : إنه رَوَى صاحب مسار الشيعة أنّ جمهور الشيعة يزعمون أن فيه قتل عمر بن الخطاب .. وليس بصحيح . وقال محمد بن إدريس في سرائره : من زعم أن عمر قتل فيه فقد أخطأ باجماع أهل التواريخ والسير (شيعةً وسنّةً) وإنما قُتِل يوم الإثنين لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة) (انتهى).
[5] ما يلي : قال الشيخ الأعظم (وأمّا الإجماع فقد ادّعاه السيد المرتضى في مواضع من كلامه، وجعله في بعضها بمنزلة القياس ..)" ثم قال راجع فرائد الأصول ج 1 ص 246 ورسائل الشريف المرتضى ج 1 ص 24 وج 3 ص 309 رسالة إبطال العمل بالخبر الواحد

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo