< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/11

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بعض أدلّتهم على نفي حجيّة خبر الثقة

إنتهى الكلام حول ادّعائهم النهي عن العمل بأخبار الثقات من خلال آيتَي الظنّ، والآن نتكلّم عن ...
2 ـ دعوى التمسّك بالسُنّة الشريفة :
وهي على طائفتين :
الاُولى : ما دلّ على عدم جواز العمل بالأخبار التي لم يُعلم صدورُها عنهم .
والثانية : ما دلّ على تحكيم الكتاب الكريم في قبول الأخبار ورفضها .
أمّا الطائفة الاُولى : فهي عبارةٌ عما رواه الشيخ محمد بن إدريس الحلّي في آخر السرائر نقلاً من كتاب مسائل الرجال ـ لـ عبد الله بن جعفر الحِمْيَري ـ قال ـ أي الحِمْيَري ـ : حدّثنا محمد بن أحمد بن محمد بن زياد(بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، من مشايخ الصدوق) وموسى بن محمد بن علي بن عيسى عن محمد بن علي بن عيسى(الأشعري القمّي، كان وجهاً بقُم وأميراً مِن قِبَلِ السلطان وكذلك كان أبوه) أنه كتب إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام) يسأله عن العِلْم المنقولِ إلينا عن آبائك وأجدادك (عليهم السلام) قد اختلف علينا فيه، فكيف العمل به على اختلافه، أو الردّ إليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب (عليه السلام) : ( ما عَلِمْتُم أنه قولُنا فالزَمُوه، وما لم تَعْلَموا فرُدُّوهُ إلينا )[1]، وأنت تعلم أنّ الفاصلة بين الحلّي(توفِي سنة 598 هـ)‌ وبين الحِمْيَري(ط العسكري(عليه السلام) ) كبيرة جداً، فالرواية مرسلة .
هذا وروى في المستدرك قال : وعن محمد بن عيسى قال : أقرأني داودُ بن فرقد الفارسي كتابته إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وجوابه بخطّه فقال : نسألك عن العِلْمِ المنقولِ الينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه، كيف العمل به على اختلافه، إذا نرد إليك، فقد اختُلِفَ فيه ؟ فكتب وقرأته : ( ما عَلِمْتُمْ اَنّه قولُنا فالزَمُوه، وما لم تَعْلَمُوا فرُدُّوه اِلينا )، وأغلبُ الظنّ أنهما رواية واحدة، وأنّ الصحيح هو محمد بن علي بن عيسى وليس محمد بن عيسى، فرغم البحث لم أجد شخصاً إسمه محمد بن عيسى روى عن الإمام الهادي (عليه السلام)، وأنّ الكاتب الحقيقي للإمام هو داود بن فرقد، وهي على أي حال مرسلةُ السند جداً أيضاً .
والجواب على هتين الروايتين هو ـ كما رأيتَ ـ ضعفُهما السندي أوّلاً.
ثانياً : لا يتعقّل مقاومة هذه الرواية لآيتَي النبأ والنفر وللروايات المتواترة التي تفيد حجيّة خبر الثقة .
ثالثاً : إنّ هذه الرواية واردةٌ في الجواب على فرْضِ تعارض الروايات، فمن الطبيعي أن يأتي هكذا جواب، وليست هي بصدد القول بعدم حجيّة خبر الثقة من الأساس، وإلاّ لقال ذلك ابتداءً . ويبعد صحّة التمسك بإطلاق ( ما عَلِمْتُمْ اَنّه قولُنا فالزَمُوه، وما لم تَعْلَمُوا فرُدُّوه اِلينا ) بعد الظنّ القويّ بأنّ الجواب وارد في خصوص تعارض الروايات .
رابعاً : إنّ هذه الرواية هي أيضاً خبر الواحد، وهي تنفي حجيّة نفسها .
خامساً : لو كانت هذه الرواية بصدد إفادة ما يُدّعَى لرأينا السيرة المتشرّعية عليها، مع أننا نرى بعكس ذلك تماماً، بل رأينا الشيخ الطوسي يدّعي الإجماع على حجيّة خبر الثقة .
وسادساً : إذا أردنا أن نأخذ بهتين الروايتين فعلينا أن نردّ أكثر الروايات إليهم (عليهم السلام)، وذلك يتمّ ـ عمَلياً ـ بأن نلقِيَها في البحر !! وذلك لعدم عِلْمِنا بأنها أقوالهم (عليهم السلام) .
وأمّا الطائفة الثانية : فأهمُّها الرواياتُ التالية :
ـ ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى(بن عمران) الحلبي(ثقة صحيح الحديث له كتاب) عن أيوب بن الحر(ثقة له أصل) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتابَ الله فهو زخرف ) صحيحة السند .
ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد الله بن بكير عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : ( إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدَين من كتاب الله فخذوا به، وإلا فقِفُوا عنده ثم رُدُّوه إلينا حتى يَسْتَبِين لكم )[2] وهي مرسلة السند .
ـ وفي الكافي أيضاً عن عليّ بن ابراهيم عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (ص) : ( إن على كل حق حقيقةً، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخُذُوْه، وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوْه ) موثّقة السند، ورواها البرقي في المحاسن عن النوفلي، ورواها الصدوق في الأمالي عن أحمد بن علي بن إبراهيم عن أبيه مثله[3].
ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد(بن عيسى) عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان (ثقة ناووسي) عن عبد الله بن أبي يعفور(ثقة ثقة جليل في أصحابنا) قال : وحدثني الحسين بن أبي العلا أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه مَن نَثِقُ به، ومنهم من لا نثق به ؟
قال : ( إذا وَرَدَ عليكم حديثٌ فوَجَدْتُمْ له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) ، وإلا فالذي جاءكم به اَوْلَى به ) موثّقة السند، ورواها البرقي في المحاسن عن علي بن الحكم مثله .
ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بنُ عقبة(ثقة ثقة، يروي عنه كتابه الحسنُ بن علي بن فضّال) عن أيوب بن راشد(قد يوثّق لرواية صفوان عنه بسند صحيح) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال : ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ) صحيحة السند .
ـ وأيضاً في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى(بن عمران بن علي) الحلبي عن أيوب بن الحر(ثقة له أصل) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) صحيحة السند .
هذه هي عمدة الأخبار التي يُدّعَى فيها النهيُ عن العمل بخبر الثقة، وهي ـ كما رأيت ـ لا تضرّنا فيما ندّعى، ولا تنفع الخصم، وذلك ـ إضافةً إلى بعض الردود الستّة وهي الردّ الثاني والرابع والخامس والسادس ـ لأكثر من سبب :
1 ـ منها : أنّ التخصيصَ ونحوه لا يخالف كتابَ الله ـ في قول الإمام (عليه السلام) (وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوه ) وفي قوله ( وكل حديث لا يوافق كتابَ الله فهو زخرف ) ـ ولذلك لا تُعَدّ الرواياتُ المخصّصة ونحوها ـ بنظر العرف ـ أنها زخرف .
2 ـ ومنها : أنّ القرآن الكريم لم يتعرّض لجزئيّات الشريعة كعدد الركوعات والسجدات في الصلاة وو .. فنأخذ بالروايات المفصّلة لنتعرّف على جزئيات الشريعة التي لم يكن القرآن الكريم بصددها، وهذه ليست مخالفة لكتاب الله، لأنّ القرآن الكريم هو كتاب مواعظ، وكتابٌ يعطي كليّات الشريعة الإسلامية، ويقدّم للإنسان القضايا والاُمور المهمّة فقط، ولا يقدّم أحكام الشكوك في الصلاة مثلاً !! لأنّ هذا لا يناسب شأنه . وكذا يفعل كلّ خطباء الجمعة، فإنهم يحذون حذو القرآن الكريم في ذلك، ولا يتدخلون في جزئيّات ليست خطبة الجمعة محلّها .
3 ـ إنّنا نعلم بصدور الكثير من الروايات من المعصومين (عليهم السلام) ولا يوجد مضمونُها في القرآن الكريم، فهل نقول ( كُلُّ حديثٍ لا يوافق كتابَ الله ـ بمعنى أنه لا يوجد مضمونُها في القرآن الكريم ـ فهو زخرف ) ؟!
إذن، لا بدّ من التأويل، وذلك بأن نقول مثلاً بأنه ليس المرادُ من ( كُلُّ حديثٍ لا يوافق كتابَ الله ) إلاّ الموافقةَ في الجوّ العامّ لآيات كتاب الله الكريم، أو أنّ نظر هذه الأحاديثِ إلى فرْضِ التعارض، أو أن لا يخالف الحديثُ كتابَ الله مخالفةً مستقرّة، وأمّا إذا كان يخالف القرآنَ الكريمَ مخالفةً غيرَ مستقرّةٍ ـ كما في التخصيص والتقييد وتقديمِ الأظهر والحكومة ـ فلا بأس به، وهو ممّا يوافق كتاب الله، وح لا يكون زخرفاً .
وأرجحُ المعاني والتصوّرات ـ من خلال التقسيم الثنائي لشرط الأخذ بكتاب الله في موثّقة السكوني السابقة ( فما وافق كتاب الله فخُذُوْه، وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوْه ) ـ أنّ المراد من (ما وافقه) أي من حيث العمومات الفوقانية، و(ما خالفه) أي من حيث العمومات الفوقانية أيضاً . دليلُنا على ذلك عدمُ ذِكْرِ (ما لا يوافق وما لا يخالف كتاب الله) والذي هو الأعمّ الأغلب من الروايات، أي الروايات التي لم يَتعرّض القرآنُ الكريم لها من قريب ولا من بعيد، لِمَ لَمْ تُذكَرْ في الروايات ؟ إذن يجب القول بأنّ المراد هو ما وافق العمومات الفوقانية وما خالف العمومات الفوقانية، أي المخالفة الواضحة، ولا يحتمل غير هذا .
مثال ذلك أن يرد في روايةٍ أنّ يوم التاسع من ربيع الأوّل هو يوم رَفْعِ القلمِ[4] !! أو أنْ يَرِدَ رواياتٌ تَصِفُ قوماً من الناس بأنهم قوم من الجنّ !! فقد روى الكليني بسنده عن الحسين بن خالد عمَّن ذَكَرَهُ عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( لا تنكحوا من الأكراد أحداً فإنهن جِنْسٌ (جيش ـ خ)(حَبْسٌ ـ خ) من الجِنّ كُشِفَ عنهم الغِطاء )[5] فهذا الكذبُ في الروايات هو المقصود بقوله (عليه السلام) ( وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوْه ) و ( هو الزخرف )، فإنّا نعرف منهم اُناساً متديّنين جيّدين وقد ماتوا على الإيمان، وكذا ورد عن علي بن داود الحداد(مجهول جداً) عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( لا تنكح الزنج والخوز، فإن لهم أرحاماً تدل على غير الوفاء )، قال : ( والسِنْد ـ هي بلاد بين بلاد الهند وكرمان وسجستان كأفغانستان وباكستان وبعض محافظة خراسان الإيرانية ـ والهند والقند ليس فيهم نجيب ) يعني قندهار، وإنّ مدينة قم المقدّسة تعجّ منهم ـ فهم فيها بعشرات الآلاف ـ والكثيرُ منهم اُناس مؤمنون متديّنون ومن طلاّب العلوم الدينية ..، على أننا إن أردنا أن نأخذ بهكذا روايات فإنّ المذكورين هم نصف سكّان الكرة الأرضية اليوم، أمّا في أيام صدور هذه الروايات ـ أي بلحاظ العالم القديم وما قبل اكتشاف أمريكا ـ فهم أكثر أهل الدنيا، فهكذا ادّعاء هو محض كذب وافتراء .



[1] وسائل الشيعة – الاسلامية – الحر العاملي : ج 18 ب 9 من أبواب صفات القاضي ح 36 ص 86 ..
[4] بحار الأنوار ج 31 مقتل عمر وكيفية قتله ص 127 .قال العلاّمة المجلسي : ما ذُكِرَ من أن مقتله كان في ذي الحجة هو المشهور بين فقهائنا الإمامية، وقال إبراهيم بن علي الكفعمي رحمه الله في الجنة الواقية في سياق أعمال شهر ربيع الأول : إنه رَوَى صاحب مسار الشيعة أنّ جمهور الشيعة يزعمون أن فيه قتل عمر بن الخطاب .. وليس بصحيح . وقال محمد بن إدريس في سرائره : من زعم أن عمر قتل فيه فقد أخطأ باجماع أهل التواريخ والسير شيعةً وسنّةً. وإنما قُتِل يوم الإثنين لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة"انتهى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo