< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: تكملة الجواب على الإستدلال بآيتي الظنّ
... نعم، لا يمكن أن يتعبّدنا المولى تعالى بحجيّة خبر الثقة في اُصول الدين الأساسية، كأنْ يقولَ مثلاً (إعتمدوا على خبر الثقة في الإعتقاد بوجود الله أو بعدالته أو بصفاته أو بوجود الأنبياء أو الآخرة أو بصحّة دين الإسلام دون النصرانية واليهودية ... ) وذلك لأنّ هذه الاُمور يجب ـ عقلاً ـ أن تكون واضحةً ومسلّمةً عند العاقل المكلّف، ولا ينبغي أن يتعبّدنا الباري تعالى بالاُمور العقائدية، كلّ ذلك لأنّ خبر الثقة لا يخرج عن كونه ظنّاً وِجداناً، وليس عِلْماً، ولا يصلح عقلاً لأن يكون سَنَداً قويّاً للإنسان في اعتقاداته التي يجب أن تكون أرسخ من الجبال، بحيث تزول الجبال ولا تزول عقيدته .
نعم في جزئيات الاُمور العقائدية لا بأس بالإعتقاد بأخبار الثقات، لكن إن اشتهرت، لا مطلقاً، كأنْ تَكْثُرَ أخبارُ الثقات عن المعصومين (عليهم السلام)أنّ فلاناً وفلاناً في جُبٍّ في قعر جهنم في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرةٌ، فإذا أراد الله أن يُسَعِّرَ جهنمَ كَشَفَ تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنّمُ مِن وَهْجِ ذلك الجُبّ ومِن حَرِّه، أعاذنا الله تعالى من جهنّم وأهلها([1]) .
المهم هو أننا لا يصحّ لنا عقلاً وشرعاً أن نأخذ بآيتَي الظنّ ولا نأخذ بآية النبأ وغيرِها والرواياتِ القطعية التي أخرجَتْ خبرَ الثقةِ عن موضوع الظنّ، خاصّةً وأنّ آية النبأ والروايات أخصّ من آيتَي الظنّ، فيجب عقلاً وعرفاً أن نخصّص آيتَي الظنّ بآية النبأ والروايات، خاصّةً وأنّ آيتَي الظنّ مكّيّتان، وآية النبأ مدنيّة، وبالتالي يجب علينا أن نخصّص آيتَي الظنّ بآية النبأ . وكذا الأمر بالنسبة إلى الروايات التي تفيد حجيّة خبر الثقة، فقد صدرت من الأئمّة (عليهم السلام) بعد وفاة رسول الله (ص) بمئة سنة أو أكثر ممّا يوجب علينا أيضاً تخصيصَ آيتَي الظنّ بالروايات القطعية الصدور التي تفيد حجيّة خبر الثقة، لأنّ أئمّة الهدى (عليهم السلام) هم لسان الله، وهم الأعلمُ بمرادات الله تعالى من كلامه الشريف، فهم ـ في الحقيقة ـ لا يخصّصون، وإنما يبيّنون مراد الباري تعالى من هذه الآيات الكريمة، وأنّ آية النبأ أخصّ من آيتَي الظنّ .
وبتعبير آخر : لا يمكن أن يكون المراد من آيتَي الظنّ مطلَقَ الظنّ ـ بما فيه أخبار الثقات ـ مع ورود كلّ هذا الكَمّ الهائل من الروايات التي تعطي الحجيّةَ لخبر الثقة ! فلو كانت آيتَا الظنّ ناهيةً عن العمل بكلّ ظنّ ـ بما فيه أخبار الثقات ـ لما وردنا كلّ هذا الكمّ من الروايات، وإنما كان سيأتينا رواياتٌ تفيدُنا النهيَ عن العمل بأخبار الثقات .
وبذلك يتبيّن ـ بَعد خروج خبر الثقة في الشرعيات ـ أنّ المراد من آيتَي الظنّ أمْرٌ آخر وهو النهي عن العمل بالظنّ في الاُمور الإعتقادية وغير الشرعية.

2 ـ دعوى التمسّك بالسُنّة الشريفة :
وهي على طائفتين :
الاُولى : ما دلّ على عدم جواز العمل بالأخبار التي لم يُعلم صدورُها عنهم .
والثانية : ما دلّ على تحكيم الكتاب الكريم في قبول الأخبار ورفضها .
أمّا الطائفة الاُولى : فهي عبارةٌ عما رواه الشيخ محمد بن إدريس الحلّي في آخر السرائر نقلاً من كتاب مسائل الرجال ـ لـ عبد الله بن جعفر الحِمْيَري ـ قال ـ أي الحِمْيَري ـ : حدّثنا محمد بن أحمد بن محمد بن زياد(بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، من مشايخ الصدوق) وموسى بن محمد بن علي بن عيسى عن محمد بن علي بن عيسى(الأشعري القمّي، كان وجهاً بقُم وأميراً مِن قِبَلِ السلطان وكذلك كان أبوه) أنه كتب إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام) يسأله عن العِلْم المنقولِ إلينا عن آبائك وأجدادك (عليه السلام)قد اختلف علينا فيه، فكيف العمل به على اختلافه، أو الردّ إليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب (عليه السلام): ( ما عَلِمْتُم أنه قولُنا فالزَمُوه، وما لم تَعْلَموا فرُدُّوهُ إلينا)([2])، وأنت تعلم أنّ الفاصلة بين الحلّي(توفِي سنة 598 هـ)‌ وبين الحِمْيَري(ط العسكري(عليه السلام)) كبيرة جداً، فالرواية مرسلة .
هذا وروى في المستدرك قال : وعن محمد بن عيسى قال : أقرأني داودُ بن فرقد الفارسي كتابته إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام) وجوابه بخطّه فقال : نسألك عن العِلْمِ المنقولِ الينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه، كيف العمل به على اختلافه، إذا نرد إليك، فقد اختُلِفَ فيه ؟ فكتب وقرأته : (ما عَلِمْتُمْ اَنّه قولُنا فالزَمُوه، وما لم تَعْلَمُوا فرُدُّوه اِلينا )، وأغلبُ الظنّ أنهما رواية واحدة، وأنّ الصحيح هو محمد بن علي بن عيسى وليس محمد بن عيسى، فرغم البحث لم أجد شخصاً إسمه محمد بن عيسى روى عن الإمام الهادي (عليه السلام)، وأنّ الكاتب الحقيقي للإمام هو داود بن فرقد، وهي على أي حال مرسلةُ السند جداً أيضاً .
والجواب على هتين الروايتين هو ـ كما رأيتَ ـ ضعفُهما السندي أوّلاً، وثانياً : إذا أردنا أن نأخذ بهتين الروايتين فعلينا أن نردّ أكثر الروايات إليهم (عليهم السلام)، وذلك يتمّ ـ عمَلياً ـ بأن نلقِيَها في البحر، وذلك لعدم عِلْمِنا بأنها أقوالهم (عليهم السلام).
وأمّا الطائفة الثانية : فهي من قبيل الروايات التالية :
ـ ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى(بن عمران) الحلبي(ثقة صحيح الحديث له كتاب) عن أيوب بن الحر(ثقة له أصل) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : ( كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتابَ الله فهو زخرف) .
ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد الله بن بكير عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام)ـ في حديث ـ قال : (إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلا فقفوا عنده ثم رُدُّوه إلينا حتى يستبين لكم )([3]) وهي مرسلة السند .



[1] لم أستطع هنا إلا أن أكتب الكلمات التالية للتاريخ : سألتُ أكثرَ مِن واحد من السوريين من إخواننا من أهل العامّة أمس قلتُ لهم : ما السبب الذي جعل كلّ السوريين ينتخبون بشّارَ الأسد بهذه الحماسة الغريبة قبل يومين، وجاؤوا إلى بعَبْدا شرق بيروت بمئات الآلاف، وكأنهم يذهبون إلى عِرْسٍ عظيم، يحملون الأعلام السورية ويتضاحكون وينادون بإسم بشّار الأسد بأعلى الأصوات، في مناظرَ لا تصَدّق .. خلافاً لكلّ التوقّعات في العالَم .. مع أنكم كنتم كلّكم قبل ثلاث سنوات تحبون الثورة وتدافعون عنها، وتكرهون بشّار وأعوانَه ؟! فقالوا : هذا صحيح، كان الإعلام العربي الخليجي قد طغَى علينا، حتى صدّقناهم، لكن حينما رأينا المسؤولين عن الثورة أفظعَ مجرمين في العالَم، لم يشهَدِ العالَمُ مثلَهم على الإطلاق، رأيناهم يقطعون الرؤوس، ويحزّونها بأبشع الكيفيات والمناظر، بل ويكبّرون عليها أيضاً ! وحينما رأينا شقّ الصدور وأكْل الأكباد، وقطْع الأيدي، حتى للصغار، وبلا سبب يوجب ذلك، ورأيناهم يهدمون قبور أولياء الله، كأنهم ينتقمون من الله ويحاربونه، ويتقاتلون على النفوذ، فيقطعون رؤوسَ بعضِهم من أجل السلطان والجاه والمال والنفط، مع أنّ أهواءهم السياسية واحدة، وميولهم لإسرائيل وأمريكا والسعودية واحدة، ويفجّرون كلّ المدنيين الأبرياء بالسيارات المفخّخة في سوريا ولبنان والعراق بمئات السيارات، بل بآلاف السيارات في هذه السنوات الثلاثة .. والأعجبُ مِن كلّ ذلك أنهم يفعلون كلّ ذلك بإسم الإسلام، وأنهم يريدون بهذه التفجيرات أن يتَغَدّوا مع النبيّ. ص !! فإنْ لم يَلْحَقوا على الغَداء فإنهم لا مُحالةَ سيَلْحَقُون على العشاء !! وأعجبُ من كلّ شيء أنّ الدول الخليجيّة التي تدعم المقاتلين السوريّين ـ وحجّتُهم على الإذاعات لزومُ تطبيقِ الديموقراطيّة في سوريا ـ لا تعرف الديموقراطيّة ولا تطبّقُ منها واحداً على عشرة !! حينئذٍ عرف كلّ الشعب السوري هذه المعارضة وحقيقتَها وهدفها وداعِمِيها ورؤساءَها الحقيقيين .. فرجعوا كلّهم إلى الرئيس بشّار الأسد، ورأَوه هو الحافِظ الوحيد والمخلّص الوحيد لسوريا .. قلتُ لهم : آجركم الله، لقد بانَ لي ولكلّ العالَم أمس أنّ الأغلبية العظمى من الشعب السوري لا يزال ضميرهم الإنسانيّ حيّاً، وأنهم لا يزالون أحراراً في دنياهم .. الأحد في 1 / 6 / 2014 م .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo