< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فَصْلٌ [ في حجيّة خبر الثقة الواحد ]
لا يزالُ الكلام حول حجيّة الأمارات الظنيّة، وقد تعرّضنا حتى الآن إلى بعض مصاديق الأمارات الظنيّة، فبحثنا أوّلاً عن حجيّة الظنّ وعدمها، ثم تعرّضنا إلى حجيّة السيرة، ثم إلى حجيّة الظهور، ثم إلى حجيّة قول اللغوي، ثم إلى حجيّة الإجماع، ثم إلى حجيّة الشهرة، ثم إلى حجيّة التواتر، والآن نتعرّض إلى بحث حجيّة خبر الثقة .
والسؤال في هذا الفصل هو : هل خبر الثقة الواحد حجّة أم لا ؟ والمقصود به ما دون التواتر وما دون الشهرة .
وكنّا قد تعرّضنا لذلك مفصّلاً جدّاً في تعليقتنا على الحلقة الثالثة من حلقات اُصول الشهيد السيد الصدر رحمه الله، فمن شاء فليراجع هناك، ولكن بما أنني لا أملك كتابي على الحاسوب فقد اضطررتُ أن أكتبه مرّة ثانية هنا، ولو بتفصيل أكثر فأقول :
نظّمَ سيّدُنا الشهيد هذا البحث بالشكل التالي :
أوّلاً : في أدلّة عدم حجيّة الخبر
ثانياً : في أدلّة حجيّة الخبر
ثالثاً : في تحديد دائرة حجيّته
البحث الأوّل : في أدلَّة عدم حجّيّة الخبر :
وسنسير في تنظيم بحثنا هنا ـ كما قلنا قبل قليل ـ على أساس تقريرات اُستاذنا السيد كاظم الحائري حفظه الله تعالى في مباحث الاُصول([1]) :
* اُستُدِلّ على عدم حجّية خبر الواحد بالأدلَّة الأربعة :
1 ـ دعوى التمسّك بالكتاب الكريم :
فقد استدلّ بالآيات الناهية عن الظنّ بقوله تعالى[وَأَوْفُوا الكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(35) وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌإِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)]([2]) وبقوله تعالى [ إنّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً ]([3]) بدعوى شمول إطلاقها لخبر الواحد حتى وإن كان ثقة، وذلك لأنه لا يفيدنا أكثر من الظنّ .
وقد أجاب على ذلك المحقّقون بما يرجع محصّلُه إلى ثلاثة وجوه :
الأوّل ـ ما أجاب به المحقّق النائيني من دعوى خروج خبر الثقة من تحت عناوين الظنّ وعدم العلم تخصّصاً، لأنّ موضوع آيات الظنّ هو الظنّ وعدم العلم، وأدلَّةُ حجّية خبر الثقة تعطي خبرَ الثقةِ صفةَ العِلْمِ والطريقيّة، فيخرج خبر الثقة عن كونه ظناً، شرعاً وتعبّداً، وعن كونه غيرَ علميّ .
أقول : وهو جواب جيد، لكنْ إن سلّمنا بمسلك الطريقية، وهو غير بعيد عن الصِحّة، وسيأتي الكلام فيه .
الثاني : حتى ولو لم نثبت اعتبار خبر الثقة علماً وكاشفاً تعبّداً، وإنما قلنا بأنّ المولى تعالى أعطى الحجيّة ـ بمعنى التنجيز والتعذير ـ لخبر الثقة في الآيات والروايات، فيخرج بالتالي عن كونه غيرَ معتبر، فيكون الخروج من دائرة الظنّ تخصيصياً.
توضيح ذلك : سيأتينا أنّ آية النبأ تامّة الدلالة على حجّية خبر الواحد، فإنْ فهِمْنا من (عدم لزوم التبيّن فيها ومن عدم كون خبر العادل جهالةً) إعطاءَ خبرِ العادلِ صفةَ العِلْمِ والبيان فالقولُ الأوّل ـ أي التخصّص ـ هو الصحيح، وإنْ فهِمْنا من (عدم لزوم التبيّن في الآية ومن عدم كون خبر العادلِ جهالةً) إعطاءَ خبرِ الثقة مجرّد الحجيّة ـ لا أيضاً صفة العِلْمية والطريقية ـ وأنّ خبر الثقة لا يزال ظنيّاً موضوعاً وشرعاً، فالتخصيص هو الصحيح .
وكذلك الكلام إن نَظَرنا إلى التوقيع الشريف ( فإنه لا عُذْرَ لأحدٍ مِن موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه(يرويه ـ خ) عنا ثقاتُنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم بسِرّنا ونحمّله إياه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك انشاء الله تعالى )([4])، فإنك إن فهمت منها تنزيل احتمال إصابة خبر الثقة منزلة العلم فإنّ الخبر سيخرج ح من تحت آيات الظنّ خروجاً تخصّصياً ـ وليس خروجاً تخصيصياً ـ لأنه لم يعد ظنّاً موضوعاً، وإن فهمتَ منها مجرّدَ إعطاءِ خبرِ الثقة صفةَ أنه منجّز ومعذّر ـ فقط ـ فإنّ خبر الثقة سيخرج ح من تحت آيات الظنّ خروجاً تخصيصياً، لأنه لم يُنفَ عنه صفة أنه ظنّ حقيقةً .
والثالث : على أساس مسلك جعل الحكم المماثل، فإنّ هذا المسلك يعتبر أنّ المولى تعالى يجعل حكماً ظاهرياً مماثلاً لمؤدّى خبر الثقة، وهو أشبه شيء بمسلك الطريقية، إنما مسلك الطريقية يعتبر احتمال إصابة خبر الثقة للواقع علماً شرعاً وتعبّداً، وأمّا مسلك جعل الحكم المماثل فيعتبر مؤدّى خبر الثقة حكماً شرعياً ظاهرياً، بمعنى أنّ المولى تعالى يجعل حكماً ظاهريّاً على طبق مؤدّى خبر الثقة، وبذلك لم يَعُدْ مؤدّى خبر الثقة ظنّاً موضوعياً، وذلك لأنه صار حكماً شرعياً ـ ظاهرياً ـ، ولا يصحّ أن يقال للحكم الشرعي بأنه ظنّي، فيكون خروج خبر الثقة عن موضوع آيات الظنّ خروجاً تخصّصاً أيضاً، كما كان الحال على مسلك الطريقية .
ولكن لعلّك تعلم فساد هذا المسلك، وذلك لأنه لا داعي ـ بعد إعطاء الحجيّة لخبر الثقة ـ لأنْ يجعل المولى تعالى حكماً ظاهرياً موافقاً ومماثلاً لمؤدّى الخبر، فإنه لغو محض، وهذا أشبه ما يكون بمن صلّى الصلاةَ صحيحةً، فيجعل له المولى تعالى حكماً شرعياً وهو الصحّة !! مع أنه يكفي حكم العقل بالصحّة بلا أيّ داعي لحكم شرعي جديد .
على أيّ حال، فنحن حينما نرى أنّ خبر الثقة حجّةٌ شرعاً، وقد أعطاه المولى تعالى الحجيّةَ في الآيات والروايات، فنحن لا نتّبعُ الظنّ، وإنما نتّبع العلمَ، ونتّبع تعاليمَ الباري تعالى الذي اَمَرَنا باتّباعه، فنحن إذن لا نتّبع الظنّ أصلاً . فإذن خبر الثقة خارج تخصّصاً من تحت آيات الظنّ، حتى على القول بكون حجيّة الخبر هو بنحو التنجيز والتعذير ـ وليس بنحو الطريقية ـ وهذا فوق قولنا ـ قبل قليل ـ بأنّه على مسلك الحجيّة يكون الخروج تخصيصياً، وذلك لأننا ندّعي الآن أنّ آيات الظنّ غير ناظرة إلى أخبار الثقات أصلاً، لأنها خارجةٌ موضوعاً عن الظنّ اللامعتبر .



[2] سورة الإسراء ..
[3] وردت هذه الآية المباركة مرّتين : مرّةً في سورة النجم وهي[ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ المَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنثَى 27 وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ، وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً 28] ومرّةً في سورة يونس وهي[ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ ؟! قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ، أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ .35 وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ، إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ 36] .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo