< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: السيرة

الأمر الثالث : في حجيّة بعض الأمارات :

ذَكَرَ سيدُنا الشهيد بحْثَ السيرةِ هنا مع أنّ الصحيح ذِكْرُها في بحوث وسائل الإثبات الوجدانية، التي يجب أن تبدأ بـ بحث التواتر، فبحث الشهرة الروائية، فالسيرة، فالإجماع، فالشهرة الفتوائية ... وذلك لأنّ التواتر يكون حجّة إذا أورث القطع، ثم نقول : وكذلك الشهرة الروائية إذا أفادت القطع، ثم نقول : وكذلك السيرة تكون حجّة إذا أورثت القطع، ثم نقول : وكذلك الإجماع يكون حجّة إذا أورث القطعَ ... أي نبدأ بالأقوى احتمالاً ثم الأضعف فالأضعف حتى نصل إلى الشهرة الفتوائية التي هي ليست بحجّة .. ورغم وضوح وجه ما قلناه، جارَيْناهُ فجعلنا بحث السيرة هنا فنقول :
لا شكّ أنّ السيرة ـ سواءً كانت سيرة العقلاء بما هم عقلاء أو سيرة المتشرّعة بما هم متشرّعة ـ لن تكون حجّةً إلاّ إذا أورثت القطع برأي المعصومين (عليهم السلام)، وهذا لا يكون إلاّ إذا كانت السيرةُ متّصلةً بعصر المعصومين . وبتعبير آخر : لم يَرِدْ في آية أو رواية حجيّةُ السيرة بما هي سيرة، إذن علينا أن نقتصر على موارد حصول الإطمئنان .
وأنت تعلم أنّ العقلاء بما هم عقلاء ـ أي لا بما هم فسقة أو بما لهم من عادات وتقاليد باطلة ـ لا يعملون بما هو غير علمي أو اطمئناني، وينبغي أن يكون الشارع المقدس مقرّاً لهم على سيرتهم وممضياً لهم على ذلك لأنه منهم بل رئيسهم، ولا نرى في شريعة الله تبارك وتعالى ما هو مخالف للعقل، وذلك لأنّ العقلاء بما هم عقلاء لا يعملون إلاّ بالفطريات والمسلّمات والأوّليات واليقينيات . فمثلاً : نحن نقول : يجوز أن يدخل الإنسان ـ كالصياد مثلاً ـ إلى الأراضي الواسعة جداً الغير مسيّجة والغير مزروعة دليلنا سيرة العقلاء، وحينما نقول بحجيّة الظهور دليلنا أيضاً سيرة العقلاء، وحينما نقول بأنّ مَن حازَ مَلَكَ فدليلنا أيضاً السيرةُ العقلائية على ذلك، هذا على صعيد الكبرى الشرعية .
وعلى صعيد الصغرى : حينما نقول بخيار الغبن يكون دليلنا تباني العقلاء على اشتراط السلامة في المبيع، ممّا يشكّل ظهوراً وشرطاً ضمنيّاً بسلامة المبيع ..
فمثلاً : حينما نقول بحجيّة الظهور إنما نقول ذلك لأنّ العقلاء يعملون بالظهورات بفطرتهم، وهي عادةً أو غالباً تورث عندهم الإطمئنان، وقد سكت الشارع المقدّس عن تلك السيرة العقلائية، فلو لم تكن حجّة لذكر ذلك في مئات الروايات، وذلك ليردع المتشرّعةَ عن الأخذ بهذه السيرة العقلائية، وهكذا الأمر في كلّ القضايا التي يعملها العقلاء بفطرتهم والتي نعلم بوجودها في عصر النصّ .
ولو كانت سيرتهم بخلاف الفطرة لكان ذلك من الاُمور العجيبة التي يجب أن تنقل في التاريخ، فنحن نعلم أنّهم لم يكونوا يمشون في الأسواق ـ حتى في عصر الجاهلية ـ عراة أو بثوب واحد داخلي صغير فقط، وذلك لأنّ ذلك مخالف للفطرة البشرية، مهما بلغوا من الفسق، حتى ولو مشى بعضهم هكذا، ولكن ذلك حتماً لن يكون سيرة عند كلّ الناس قاطبةً، وإلاّ لنقل في التاريخ، لأنه من الاُمور الغريبة على الطبع الإنساني . المهمّ هو أنّ الإنسان بطبعه يمشي على أساس الفطرة واليقين .
وبناءً على هذا ترانا في بحث حجيّة خبر الثقة في الحلقة الثالثة نقول بعدم صحّة الإعتماد على السيرة العقلائية التي قد يُدّعَى قيامُها على العمل بخبر الثقة، فالعقلاء لا يعملون بالظنيّات ولا التعبّديات ـ كالبيّنة فضلاً عن خبر الثقة والظهورات ـ لا في أغراضهم الشخصية ولا في أغراضهم الدينية، إلاّ إذا خرج عن كونه ظنيّاً وصار يُوَرِّثُ الإطمئنانَ .

* ثم إنه من الطبيعي أنه قد يحصل تشكيك في بعض سيرتهم، أو يحصل تغيّرٌ فيها، نعطي على هذا أربعة أمثلة فقط :
1 ً ـ لم يمكن لنا أن نتمسّك بالسيرة العقلائية أو المتشرّعية على إثبات العمل بخبر الثقة لأننا رغم بحثنا في التاريخ لم يتّضح لنا سيرتهم في ذلك، فقد نُقِلَ الإجماعُ على العمل به ونقل الإجماع على عدم العمل به .
2 ً ـ قد يدّعي البعضُ عدم معرفته بسيرتهم في مسألة تجفيف مواضع المسح في الوضوء، وإن كان هناك قرائن تفيد أنهم ما كانوا يجفّفون رؤوسهم وأرجلهم قبل المسح عليها، حتى وإن كانت السيرة اليوم هي التجفيف، فقد بدأت سيرة التجفيف من أيام العلاّمة الحلّي، وليس قبل ذلك، وذلك حينما تردّد في صحّة المسح على الرجلين رطبتين، فقال : "ولو أخرج رجليه من الماء، ومسح عليهما رطبتين، ففي الإجزاء نظر" فهو أوّل مَن تَنَظّرَ في ذلك في العالمين، ومشى الفقهاء وراءَه، بعدما كانت السيرة جاريةً على عدم التجفيف من أيام رسول الله (ص) . فلاحِظْ كيف تتغيّر السيرة بسبب فتاوى العلماء .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo