< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الردّ على الأخباريين

التحقيق في الموضوع :
بعد وضوح محلّ كلامنا تعرف لزوم اتّباع أحكام العقل القطعية ووجوبَ القول بحجيّة أحكام العقل القطعية، ولا يمكن سلب الحجيّة عن القطع، فمثلاً : لا يمكن عقلاً أن يكون ضربُ الاُمّ وظلمها جائزاً شرعاً حتى لو جاءنا ألف نبيّ يقول يجوز ظلم الاُمّ وضربها من دون سبب فهذا لا يصدّق أصلاً وأبداً .. ومثلُه ما لو قال لنا نبيّ يجبُ عليك الحجُّ فِعلاً، وجوباً منجّزاً، ومع ذلك يحرم عليك الذهاب إليه ـ هكذا من دون سبب ـ !!
وإلاّ إن أرادوا إثارة الشكوك كثيراً في إمكان بطلان كلّ ما يراه العقل صحيحاً حتى في البديهيات، فهذا سوف يفتح باباً كبيراً للتشكيك حتى في كلّ المسلّمات كوجود الباري عزّ وجلّ والمعاد وصحّة ادّعاء نبيّنا النبوّة لنفسه والولاية لعليّ والأئمّة المعصومين مِن وُلْدِهِ عليهم السلام جميعاً ... وبصحّة اعتقادنا بعصمة السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وإيمان سلمان الفارسي والمقداد ومالك الأشتر وأبي ذرّ وعمّار بن ياسر وأصحاب الأئمّة المعلومي الإيمان كزرارة ومحمد بن مسلم ووو ... خاصةً إذا كان تفكير الاُصولي سليماً وصحيحاً ومعتمداً على مقدّمات موضوعية عقلية يقينية ...
بل سيستوجب هذا تركَ الإيمان بصحّة التواتر الموجِب للقطع والذي ننتصر به دائماً على العامّة، كما في نقاشنا معهم على أساس صدور حديث غدير خمّ المتواتر، وهذا أشدّ الأخطار على الإسلام، لا بل التشكيك إلى هذا الحدّ الكبير في صحّة إدراك العقل هو أشدّ من مصيبة كربلاء .. وسنصير مثلَ الفلاسفةِ الشكّاكين الذي يشكّون في كلّ شيء .. وسيختلّ كلّ شيء في حياتنا العلمية والدينية .
وكذا الكلام في التشكيك في صحّة سيرة المتشرّعة والعقلاء وكاشفيّتها عن الحكم الشرعي، فإنك إن أردت التشكيك في صحّة ما استقرّ عليه المتشرّعة والعقلاء فَعَلَى الإسلامِ السلامُ .
ثم ماذا نفعل مع الذي يقطع بحرمة الظلم شرعاً بناءً على مقدّمات عقلية، ويقطع بوجوب مقدّمة الواجب عقلاً، هل نقول له : لا، ليس معلوماً أن يكونَ الظلمُ حراماً، فقد يجوز ظلم الناس عند الله، وقد يجوز التعدّي على أعراض الناس وأموالهم ودمائهم، المسلمين والمعاهدين، وقد يجوز شرب المسكر، وقد يجوز قتل أنبياء الله ... !!! هل يصدّق العاقل بهذا ؟ فضلاً عن المسلم ؟ فضلاً عن المؤمن ؟
لا نحتاج إلى أذكياء العالَم ليجيبونا، وإنما نكتفي بعوام الناس ونسائهم بل وأطفالهم .
والنتيجة هي أننا نقول : إنه إن كانت علّة الحكم موجودةً وواضحةً ومعلومةً فإنه يجب ح أن يكون المعلول موجوداً وثابتاً . ولا يجب أن يكون مجرد كثرة الأخطاء في الأدلة العقلية مانعاً عن إمكان حصول العلم بالحكم الشرعي ولو في بعض الحالات كما فيما لو كانت مقدّمات برهاننا أو قُلْ مقدّمات قياسنا مؤلّفة من بعض البديهيات الستة المعروفة والتي هي عبارة عن : الأوليات ـ ككون الكل أعظم من الجزء ـ والفطريات ـ التي لا يحتاج الجزم بها إلى أكثر من تصور الطرفين كقولنا : الأربعة زوج ـ والحسيات ـ كالإحساس بالأمور المجردة النفسية كالعلم واللذة وكالإحساس بالأمور الخارجية ـ والتجريبيات والحدسيات ـ كمعرفتنا بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس ـ والمتواترات ـ أي الأخبار الكثيرة جداً إلى حد يفيد الجزم عند أهل الخبرة أي إلى حدّ يستحيل خطؤها عقلاً أو عادةً كحديث غدير خمّ ـ والتي يعتبرونها معارف مضمونة الحقانية ضماناً ذاتياً .
ونِعْمَ ما قال سيدنا الشهيد من أنّ ( نفس دعوى الأخباري الجزم بنحو الموجبة الكلية بعدم إمكان حصول جزم من هذا القبيل مع الإلتفات إلى كثرة الأخطاء .. آيةُ بطلانِ هذه القضية الكلية، فإن نفس هذا الجزم هو خلاف هذه القاعدة المدّعاة)[1] (إنتهى) .
نعم لا شكّ في اختلاف الناس في قوّة مدركاتهم وسعتها، فقد يَعلم شخصٌ بأمْرٍ لا يَعلَمُه غيرُه، لكثرة علم الأوّل مثلاً دون الثاني .. فلا ينبغي أن يقاس الناس بنفس المقياس ..
فإن أرادوا أن يشكّكوا هم بأنفسهم وبقصور عقولهم فهم أحرار في أنفسهم، لكن ليس لهم أن يشكّكوا بعقول غيرهم .
لا بل من العجيب وقوعُهم بالتناقض في أنفسهم، فهم يشكّكون كثيراً في أحكام العقل، وكأنهم وسواسيّون جداً ويريدون أن يحتاطوا كثيراً في دين الله جلّ وعلا، وهم يقولون بتواتر تمام روايات وسائل الشيعة، وجزموا بتواترها إلى حدٍّ يستحيل معه الخطأ !!!


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo