< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: يوجد ملازمة بين تنزيل مفاد الأمارة منزلةَ الواقع وتنزيلك عالماً

قرأنا الأحاديث ولاحظناها بنفس المضمون من تنزيل الرواية منزلة كلام نفس الإمام عليهم السلام جميعاً، وبعضها تنزّل الإحتمال منزلة اليقين .
وأنت إذا دقّقتَ في معنى تنزيل مفاد الأمارة منزلةَ الواقع تعرف أنّ الشارع المقدّس نزّلك أيضاً منزلةَ العالِمِ بالواقع، وما ذلك إلاّ لملازمتهما عقلاً وعرفاً، وذلك لأنّه إن قال لك المولى تعالى مثلاً "هذا طاهر شرعاً " فمعناه أنك صرت ـ بنظر المولىوبنظر نفسك ـ عالماً بطهارته الشرعية، لا بل إنّ روايةَ ( وعرف أحكامنا )[1] وروايةَ ( فإنه لا عُذْرَ لأحدٍ مِن موالينا في التشكيك فيما يُؤَدّيه عَنّا ثِقاتُنا )[2] صريحتان في تنزيل الإحتمال منزلةَ اليقين، ولعلك تستفيد ذلك أيضاً من الرواية الأخيرة (رقم 12)، ولا يلزم من هذا التلازمِ التضادُّ في اللحاظَين والنظرَين الآلي(وهو تنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع) والإستقلالي(أي تنزيل إحتمالِ الإصابة منزلةَ القطع) كما ادَّعَى صاحبُ الكفاية فادّعى أنّ التنزيل هو فقط التنزيل الأوّل ـ أي الآلي ـ دون الثاني !
أقول : هذه اُمور تعبّديّة محضة ولا مشكلة في ذلك . لا، بل لا داعي لئن نقول بأنّه لا يمكن اللحاظين والنظرَين الآلي والإستقلالي في نفس التنزيل الواحد، وذلك لظهور أنه يوجد عندنا تنزيلان مستقلاّن .
المهم هو أنّ الله تعالى تمّم كاشفيّة الأمارات بوضوح، بمعنى أنه اعتبرها مصيبةً للواقع، بمعنى أنها عينُ الواقعِ شرعاً وتعبّداً، وعليه فإذا وردنا (مقطوع الخمرية حرام) ثم جاءتنا أمارةٌ تقول (هذا خمر) أي هو بمنزلة الخمر شرعاً، فإنك لا محالةَ ستقول المراد بـ (مقطوع الخمرية) هو (الخمر) ـ بناءً على كون القطع طريقياً ـ والشرعُ يقول (هذا خمر)، فإذن يجب الإجتناب عنه لكونه شرعاً خمراً، وهذا ما يعبّرون عنه بـ (قيام الأمارة مَقام القطع الطريقي).
وكذا تماماً لو كان أحدُ الإناءين خمراً فإنه يجب الإجتنابُ عنهما، وذلك لأنّ العرف يفهمون من (مقطوع الخمريّة حرام) معنى (الخمر حرام)، وذلك لأنهم يفهمون القطع المأخوذ في موضوعات الأحكام أنه على نحو الطريقية لا على نحو الصفتية، ولذلك تراهم يجتنبون عنهما معاً .
وكذا لو كانت الروايةُ (العصير العنبي الذي تعلم أنه لم يزل منه الثلثان حرام)[3] وكانت الحالةُ السابقةُ ـ في العصير العنبي المغلي الذي لم نعلم أنه ذهب منه الثلثان ـ الحرمةَ فإنّ المتشرّعة يستصحبون عدم زوال الثلثين، وبالتالي فإنهم لن يُقْدِموا على شربه، وما ذلك إلاّ لقيام الإستصحاب بنظرهم مَقام القطع الطريقي .
وكذا لو كانت الرواية هكذا (مقطوع الطهارة تجوز الصلاة فيه) وأجرينا قاعدةَ الطهارة في الثوب، فإنّ المتشرّعة يرون جواز الصلاة فيه، وما ذلك إلاّ لإقامتهم الأصول العمليّة مَقام القطع الطريقي .
ولولا قيامُ الطهارةِ والحليّةِ والإستصحاب مَقام القطع الطريقي لم يعد هناك فائدة من جعلها حجّة شرعاً .

* وبناءً على ما ذكرنا من الملازمة العقلية والعرفية بين (تنزيل مفاد الأمارة منزلةَ الواقع) و(تنزيل مَن جاءته الأمارةُ منزلةَ العالِم) إضافةً إلى الروايات التي تنزّل الفقيه منزلة العالم رغم أنّ أغلب فتاواه معتمدة على الأحكام الظاهرية .. تعرف بضرورة أن تقوم الأماراتُ مَقام القطع الصفتي أيضاً، فلو ورد (إذا كنت عالماً وقاطعاً بكون ما أمامك خمراً ـ بمعنى أنك كنت متّصفاً بصفة العالِم ـ فإنه ح يحرم عليك شربه) ثم جاءتنا أمارةٌ تقول (هذا خمر) وأنت تعرف من الروايات السابقة أنّ الشارعَ المقدّسَ قد نزّل مؤدّى الأمارةِ منزلةَ الواقع، فإنك ترى كلّ المتشرّعة يجتنبون عنه، وما ذلك إلاّ لتنزيل مؤدّى الأمارة ـ بنظر كلّ الناس ـ منزلةَ الواقع، وبالملازمة : نزّلك الشارعُ المقدّسُ منزلةَ أنك عالمٌ بكونه خمراً .
توضيح ذلك : حينما يقول لك المولى "خبرُ الثقةِ هو كلام الإمام المعصوم" فهذا يعني أنك صرت عالماً ـ شرعاً وعند الله وحتى عند نفسك تعبّداً ـ أنّ الإمام يقول كذا، وإذا أخبرك الثقة بكون الشيء الفلاني طاهراً أو نجساً واعتبر الله تعالى كلامه بمنزلة الواقع فهذا يعني أنك صرت عالماً شرعاً بطهارته، وهكذا حينما يقول لك الإمام الصادق اِعتبرْ نفسَك عالماً ببقاء الحالة السابقة ولا تنقض اليقين أبداً بالشكّ وإنما اعتبِرْ نفسَك باقياً على اليقين .. فهل هناك أوضح من هذه التنزيلات بلحاظ الواقع وبلحاظ القطع ؟!

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo