< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: قيام الأمارات والأصول مقام القطع الصفتي

والآن يجب علينا أن ننظر إلى مسألة تنزيل الأمارة منزلةَ القطعِ الصفتي فنقول :
قلنا أمس بأنّ الله تعالى اعتبر مؤدّى الأمارات ـ كعدالة زيد مثلاً ـ منزّلةً منزلةَ الواقع في كلّ الروايات المستفيضة، وبالملازمة العقلية والعرفية يجب أن ينزّلَ الإحتمالُ منزلةَ القطع الطريقي بوضوح، ويجب أن نكرر النظر إلى الروايات لنزيد في التعليق عليها وقد علمت أنها كلّها بمعنى واحد وهو التنزيل فنقول :
1 ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو مِيراث ... قلت : فكيف يصنعان ؟ قال : (ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضَوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبَلْ منه، فإنما استخف بحكم الله، وعليه رَدَّ .. )[1] فتلاحظُ أنّ الإمام (عليه السلام) نزّل حُكْمَ الحاكمِ الشرعي ـ أي الفقيه المجتهد الصالح ـ منزلةَ حكم الله جلّ وعلا، لا بل نزّله منزلة العارف بأحكامهم عليهم السلام بقوله (عليه السلام) ( وعرف أحكامنا ) فاعتبره عارفاً مع أنه قد اعتمد في 99% من فتاواه على الأحكام الظاهرية، وهذا يعني أنّ الشارع المقدّس نزّل الإحتمالَ الناشئ من الأمارة الحجّة أو من الأصل العملي منزلةَ العلم، إذن هناك تنزيلان .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن محمد بن عبد الله الحِمْيَري ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق (الرازي ثقة رضيَ اللهُ عنه) عن أبي الحسن (الهادي) (عليه السلام) قال : سألتُه وقلتُ : من أعامل ؟ وعمَّنْ آخذ ؟ وقولَ مَن أَقبَلُ ؟ فقال : (العَمْري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعَنّي يؤدي، وما قال لك عني فعَنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون )، قال : وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال : (العَمْرِيُّ وابنُه ثقتان، فما أدَّيا إليك عَنّي فعَنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان،فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان ) (صحيحة من الصحيح الأعلائي) فإنّ الإمام (عليه السلام) هنا أيضاً نزّل كلام ثقته كلامه بنفسه.
3 ـ وفي الفقيه : قال عليّ (عليه السلام) : "قال رسول الله (ص) : ( اللهم ارحمْ خلفائي ) قالها ثلاثاً، قيل : يا رسول الله، ومَن خلفاؤك ؟ قال : ( الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسُنَّتي )"، وهنا أيضاً نزّل (ص) الروايةَ منزلةَ نفس حديث نفسه .
4 ـ وأيضاً في الفقيه بإسناده الصحيح عن أبان بن عثمان(ثقة ناووسي) أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال له : "إن أبان بن تغلب قد روى عني رواية كثيرة، فما رواه لك عنّي فاروِهِ عنّي"وهنا أيضاً نزّل رواية الثقة منزلة كلام نفس الإمام المعصوم، وهي أيضاً صريحة في تنزيل مؤدّى الأمارةِ منزلة الواقع .
5 ـ وفي كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العَمْري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علَيّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عج) : ( .. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي )[2]، ورواه الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما كلهم عن محمد بن يعقوب . وهي أيضاً تنزّل خبر الثقة منزلة كلام الإمام .
6 ـ وروى محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال عن حمدويه بن نصير عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( بشر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة، أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثارُ النبوة واندرست )[3]، وهنا أيضاً نزّل الإمام كلام الثقة كلامه .
7 ـ وفي رجال الكشّي عن جعفر بن محمد بن معروف عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن أبان بن تغلب عن أبي بصير أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال له ـ في حديث ـ : ( لولا زرارة ونظراؤه لظننت أنّ أحاديث أبي (عليه السلام) ستذهب )[4] .
8 ـ وأيضاً في رجال الكشّي عن علي بن محمد بن قتيبة عن أحمد بن إبراهيم المراغي(أعزّه الله بطاعته وسلام الله عليه) قال : ورد على القاسم بن العلاء وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه : ( فإنه لا عُذْرَ لأحدٍ مِن موالينا في التشكيك فيما يُؤَدّيه (يرويه ـ خ) عَنّا ثِقاتُنا قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرنا ونحملهم إياه إليهم )[5] . ولكن هذه الرواية تنزّل احتمال إصابة الواقع منزلةَ اليقين بإصابته، لأنها تحرّم علينا التشكيكَ فيما يرويه الثقات .
9 ـ وأيضاً في رجال الكشّي عن محمد بن قولويه عن سعد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال للفيض بن المختار ـ في حديث ـ : ( فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس )، وأومأ إلى رجل من أصحابه، قال فسألت أصحابنا عنه، فقالوا : زرارة بن أعين .
10 ـ وأيضاً في رجال الكشّي عن حمدويه بن نصير عن يعقوب بن يزيد، ومحمدبن الحسين عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد(ثقة له أصل) وغيره قالوا : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي (عليهم السلام))[6] .
11 ـ وأيضاً في رجال الكشّي عن صالح بن السندي عن أمية بن علي عن مسلم بن أبي حية (حبّة ـ خ) قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام في خدمته فلما أردت أن أفارقه ودَّعْتُهُ وقلتُ : أحب أن تُزَوِّدَني، فقال :(اِئتِ أبانَ بنَ تغلب، فإنه قد سمع مني حديثاً كثيراً، فما رواه لك فاروِهِ عنّي )[7] وهي صريحة في تنزيل مؤدّى الأمارة منزلةَ الواقع .
12 ـ وروى أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن أبي حمزة (الثمالي، ثابت بن دينار ثقة كان من خيار أصحابنا) عن أبي جعفر(الباقر) (عليه السلام)ـ في حديث ـ أنه قال للحسن البصري : ( نحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل لمن أقر بفضلنا حيث أمرهم الله أن يأتونا فقال[وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً
ظاهرة] والقرى الظاهرة الرسل والنقَلَةُ عنّا إلى شيعتنا و(فقهاء ـ خ) شيعتنا إلى شيعتنا، وقوله [وقَدَّرْنا فيها السيرَ ] فالسَّيْرُ مَثَلٌ للعِلْم، يسير به ليالي وأياماً مَثَلاً لما يسير به من العلم في الليالي والأيام عنّا إليهم في الحلال والحرام والفرائض، آمنين فيها إذا أخذوا عن معدنها الذي أمروا أن يأخذوا عنه، آمنين من الشك والضلال والنقْلَةِ إلى الحرام من الحلال، فهم أخذوا العلم عمَّنْ وجب لهم .. )[8] .
وغيرها من الأحاديث أكثرها بنفس المضمون من تنزيل الرواية منزلة كلام نفس الإمام عليهم السلام جميعاً، وبعضها تنزّل الإحتمال منزلة اليقين .






BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo