< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: تعريف التجرّي وهل هو مسألة كلامية أو اُصولية

المقام الأوّل : مقدّمة البحث وهو في نقطتين :
الاُولى : في تعريف التجرّي
المراد بالتجرّي ـ بإصطلاح الاُصوليين ـ هو ارتكابُ فِعْلٍ باعتقاد حرمته عليه شرعاً، وهو جاهل بأنه ليس بمحرّم في الواقع، أي عن سوء نيّة، سواءً كان المرتكبُ معتقِداً بمخالفة نفس الحكم الشرعي الواقعي أو كان معتقِداً بمخالفة وظيفته العملية، كما لو كان يخالفُ مقتضى خبر الثقة الحجّة عليه أو كان يخالف مقتضى الأصل العملي . والعصيان بالمعنى الاُصولي هو المتجرّئ الذي أصاب الحرام الواقعي .
أمّا الإنقياد باصطلاح الاُصوليين فهو الإقدام على عمل معيّن باعتقاد أنه مشروع من قبل الله تعالى، مع أنه في الواقع لم يكن مشروعاً، فالإنقياد شبيه بالتجرّي من جهة اعتقاده الخاطئ ومن جهة مخالفة الواقع، ومخالف للتجرّي من جهة أنه كان يريد إطاعة المولى، لكنه لم يُصِبِ الواقعَ .
وأمّا الطاعة باصطلاح الاُصوليين فهو الإقدام على عملٍ ما بقصد طاعة الله تعالى وقد أصاب الواقعَ فعلاً .
وأمّا التجرّي باصطلاح العرف العام فهو يرادف العصيان، أي أنّ التجرّي عند الناس هو مطلق التجرّؤ على المولى سواءً كان المولى مولىً حقيقياً أو كان مولىً عرفياً وسواء أصاب المتجرّئُ الواقعَ ـ وهو العصيان بالمعنى الاُصولي ـ أم لا، ولذلك سترى أنّ كلامنا منحصر بالتجرّي بالمعنى الاُصولي فقط .

والثانية : هل بحث التجرّي هو مسألة كلامية أو هو مسألة اُصولية أو فقهية ؟
الجواب : لا شكّ أنهم ذكروا بحث التجرّي هنا بمناسبة بحوث القطع فقط، وإن كان لا شكّ في كون هذا البحث ـ ومثلُه بحثُ الإنقياد ـ هو مسألةٌ كلامية بحتة، وذلك لأنّ استحقاق الثواب أو العقاب هو قضيّة عقلية تتعلّق باُصول الدين لا بفروعه، فهو من قبيل ثبوت وجوب وجود الخالق تعالى، ومن قبيل ثبوت وجوب إطاعة المولى تعالى ولو من باب وجوب شكر المنعِم، وإلاّ فإنّ المكلّف يستحقّ العقاب . ونتيجة بحث التجرّي لا توصلنا إلى ثبوت حكم شرعي تكليفي ولا وضعي، فهو لن يوصلنا إلا إلى استحقاق العقاب، وفي الإنقياد إلى استحقاق الثواب، وهذه ليست اعتبارات شرعية أصلاً .
كما لا ربط له بأصول الفقه، لأنه لا يؤدّي إلى القدرة على استنباط الأحكام الشرعية، وذلك لأنّ المسألة الاُصولية يجب أن تؤدّي إلى القدرة على استنباط مجعولات فقهية سواء كانت هذه المجعولات وضعيةً ـ كالملكية والزوجية ـ أو تكليفية ـ كوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر ـ، أو قل : المسألةُ الاُصولية هي ما يجب أن تقع غالباً كبرى في قياس استنباط الحكم الشرعي .
فإن قلتَ : لكنْ قد يوصلنا هذا البحثُ إلى القول بحرمة التجرّي ـ أي شرعاً ـ أو حرمة العمل المتجرّى به، وهذه نتيجة فقهية واضحة .
قلتُ : هذا الكلام صحيح، ولكن ما المراد من إثبات هذه الحرمة ؟ أو قُلْ : ما هي غايتكم من إثبات الحرمة ؟
لا شكّ أنك ستقول : فقط إثبات إستحقاق العقاب، قلتُ : حتى على القول بعدم حرمة التجرّي وعدم حرمة العمل المتجرّى به، العقابُ ثابت قطعاً بلحاظ ملاك العقاب وعلّته، وهي الخدشة في مولوية الباري تعالى وفي احترامه .

كما أنه ليس قاعدةً فقهية، لأنّ القواعد الفقهية هي اعتبارات شرعية، وبتطبيقها على المصاديق تنتهي إلى ترتّب أحد الأحكام التكليفية الخمسة، أو إلى موضوعات الأحكام الشرعية التكليفية التي ينتهي بها المطاف إلى ترتّب الأحكام التكليفية .وبتعبير آخر : القواعد الفقهية يجب أن تنتهي إلى اُمور شرعية، أو تعبّدية، ومسألةُ التجرّي ليست كذلك ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo