< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإستدلال على حرمة التجرّي من خلال تفسير المتعلّقات الأوّلية للنواهي بمعنى المتعلّق المعلوم

* وأمّا من خلال تفسير المتعلّقات الأوّلية للنواهي بمعنى المتعلّق المعلوم :
فقد يُستدَلّ على الحرمة الشرعية للتجرّي من نفس الأدلّة الشرعية الواقعية، وذلك بتقريب أنّ قول الشارع المقدّس مثلاً ( لا تشرب الخمر ) يُقصَدُ به تحريم شرب مقطوع الخمريّة ـ إمّا مع تحريم الخمر الواقعي أيضاً أو بدونه ـ وذلك لأنّ الإنسان مكلّف بما يعلم وموضوعٌ عنه ما لا يعلم .
والصحيح هو عدم صحّة هذا الدليل لعدّة أسباب :
أوّلاً : لأنّ قول المولى (الخمر حرام) لا يعني (ما تعتقد أنه خمر فهو حرام)، ففرقٌ بين (الخمرالواقعي) وبين (ما تعتقده أنه خمر)، فالأوّل مسكر وقبيح جداً، والثاني قد يكون مفيداً ونافعاً .وليس هناك حرمتان شرعيّتان في عرْض واحد، وهما (الخمر حرام) و(ما تعتقد بحرمة ارتكابه، أيضاً حرام)، وإنما هذا من المضحكات واللغويّات، وهو أشبه باجتماعَ المِثلَين .
ثانياً: إنّ العلم والجهل ينجّزان التكليف أو يعذّران عنه فقط، ولا يغيّران من الواقع شيئاً، فلو فرضنا أنّ زيداً من الناس كان يشرب الخمر جاهلاً بخمريّته معتقداً أنه خلّ، فإنّ شُرْب الخمرِ يبقى على قبحه الذاتي، وبالتالي يبقى على حرمته الفعلية أي على ممنوعيته الشرعية فعلاً ـ لأنّ الحرمة نتاج طبيعي وتكويني للقبح الذاتي ـ أي هو حرام فعلاً، ومع ذلك يكون شربه لهذا الخمر المجهول الخَمرية حلالاً فاعليّاً، أي على مستوى الإمتثال .
وكذا لو شرب الخلّ باعتقاد أنه خمر، فإنه لم يرتكب حراماً فعلاً، لأنّ شرب الخلّ نافع ومفيد وجائز، نعم هو ارتكب حراماً فاعلياً .
وأمّا أنه إن كان نهيُ الفسّاق عن المحرّمات ـ كشُرْبِ الخمر ـ لا يكفي فما الفائدةُ العملية في نهيهم عن التجرّي ! فجوابُه أن الأوامرَ والنواهي إن هي إلاّ معاني في اللوح المحفوظ متولّدة عن الملاكات، ولا تكلّف فيها عند الباري تعالى أن يعتبر ـ ولو في عالَم الإعتبار والثبوت، دون عالم الجعل والإبراز ـ أنّ التجرّي حرامٌ فاعلياً ـ أي بلحاظ صدوره من الفاعل يعني بلحاظ النيّة ـ أو قُلْ : إنْ تمّ الملاكُ في النهي عن التجرّي فيجب أنْ يتولّدَ ـ ولو في عالم الإعتبار ـ النهيُ عنه، ويكفي في التحريم الفاعلي ثبوتُه في مرحلة الإعتبار لو فرضنا وجودَ مانعٍ من إبرازه، كما في قوله تعالى[ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً] بناءً على تفسير الآية بكون الإيجاب ـ في الآية المباركة ـ في مرحلة الإعتبار لا في مرحلة الإبراز، بحيث لو قُدِّرَ لنا أن نسأل الباري تعالى عن جواز ارتكاب الفعل بقصد معصية الله لأجابنا بعدم جواز ذلك قطعاً، وهذا هو المقصود من حرمته الفاعلية .
إذن الصحيح أنّي لم أرَ وجهاً للقول بحرمة الفعل المتجرّى به على مستوى الجعل والإثبات، وما أراه صحيحاً هو القول بقبح التجرّي فقط، أو قل نفسُ التجرّي حرام، أي أنّ تحريمه فاعلي أي بلحاظ صدوره من الفاعل ـ لا فعلي ـ، وذلك لأكثر من سبب، منها أنّه لا داعي لإنزال تحريم الفعل المتجرّى به على قلب رسول الله (ص) بَعْد تبيين المحرّمات، ثانياً : لا فائدةَ عمليةً من تحريم الفعل المتجرّى بهلقاصد التجرّي، أي بعد علمه بالمعصية، فإنه إن لم ينتهِ من التحريم الواقعي للخمر فما بالُك بالإنتهاء عن التجرّي، ثالثاً : المتجرّي لا يعرف نفسه أنه متجرٍّ، وإنما يعتقد بنفسه أنه عاصٍ، فما فائدة إنزال تحريم نفس الفعل المتجرّى به بعدئذ ؟!
بل أقول أكثر من ذلك، فإنّي أرى أنّ مجرّدَ الهمِّ بما يعتقده المكلّفُ حراماً يستحقّ عليه العقاب عقلاً لأنه لون من ألوان معصية الله تعالى وتحدٍ له جلّ وعلا ـ نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ـ لكن لا ينبغي أن يكون حراماً شرعاً، وذلك لما ذكرناه من لغويّة النهي عن الهمّ بالمحرّم بعد النهي عن نفس المحرّمات .
ونتيجةُ بحثنا ـ لحدّ الآن ـ هو عدمُ حرمة الفعل المتجرّى به، نعم نفس التجرّي ـ أي بلحاظ صدور الفعل عن الفاعل مع غضّ النظر عن عنوان الفعل المتجرّى به ـ هو قبيح جداً، فهو حرام فاعلياً، أي بلحاظ نيّة الفاعل، لا أن نفس شربه للخلّ ـ باعتقاد أنه خمر ـ صار حراماً شرعاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo