< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

38/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حُكْم الحاجب اللاصق

مسألة 14 : إذا كان شيءٌ لاصقاً ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه ولم يمكن إزالتُه ، أو كان فيها حرج ومشقة لا تُـتَحمل مِثْلَ القِيرِ ونحوِه فإنه يُجرى عليه حُكْمَ الجبـيرةِ ، أي يتوضّأ عليه .

قال السيد الخوئي (رضوان الله عليه) : ( الحاجبُ اللاصق اتفاقاً ـ كالقِير ونحوه ـ إن لم يمكن رفْعُه وجب التيمّم إن لم يكن الحاجب في مواضع التيمّم ، وإلا ـ فإن كان في مواضع التيمّم ـ جمع بين الوضوء والتيمّم )[1] ، واستدل على ذلك بعدم دلالة الروايات على الوضوء الجبـيري في هكذا حالة ، وبالتالي سيكون الوضوء ناقصاً ، ولا دليل على صحته ناقصاً ، والأصلُ عدمُ إجزاء الناقص عن التام ، فبطبـيعة الحال يُنـتـقل الى التيمّم لأنه البدل الإضطراري . ويمكن تقوية استدلال السيد الخوئي بأنّ العِبرة بما إذا لم يكن يمكن غسلُ وجهه ويديه ، فإنّ قوله تعالى( ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فـتيمّموا )[2] يعني فلم تستطيعوا على غَسْل وجوهكم وأيديكم ... ، وإلاّ فما فائدةُ وجودِ الماء إن لم نستطع على استعماله ، فالموضوع والشرط والعلّة في وجوب التيمّم ليس في عدم وجود الماء ، وإنما هو في عدم القدرة على استعماله ، لمرضٍ أو غير ذلك. والذي على يديه أو وجهه لاصِقٌ هو لا يستطيع على غسل وجهه ويديه ، فحُكْمُه ـ إذن ـ التيمُّمُ .

وقد استَبعَد في الجواهر الحكمَ بالتيمّم ، بل قطع بوجوب الغُسل أو الوضوء على من يوجد في يده مثلاً حاجبٌ لاصِقٌ ولا سيّما إذا بقي مدى عمره .

أقول : إنّ قطْع صاحبِ الجواهر في محلّه ، وذلك :

أولاً : يجب أن ننظر إلى كلّ الآية المباركة ، فالله جلّ وعلا قال (... وَإِن كُنـتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَـتَيَمَّمُوا ...) ، فاللهُ تعالى يقول : في هذه الحالات الأربعة إن لم تجدوا ماءً فتيمّموا ، وهو حُكْمٌ يناسب العقلَ تماماً ، ولم يَقُل إن لم تستطيعوا على استعمال الماء مطلقاً ـ كما في حالة وجود جسم لاصق ـ فتيمّموا ، فإنه أمر غير عقلائي ـ حسبما نفهم ـ .

ثانياً : لما ذكرناه من إطلاق الآيتين السابقتين ـ الآمرتين بالوضوء ـ من وجود حاجب لاصق أو جبـيرة وغير ذلك من حالات الضرورة ، وهو كافٍ في الحكم بتعيّن الوضوء في الحالات الخارجة عن موارد التيمّم المعلومة ، بمعنى أن المولى تعالى لم يَقُلْ : إذا قمتم إلى الصلاة ولم يوجد حاجب فتوضؤوا ، وإنما أطلق ، ممّا يعني أن الأصل الأوّلي المأمور به هو الوضوء في كل حالات الشك ، أي توضؤوا سواءً وُجد حاجبٌ أو لا ، وسواء وُجد رمدٌ في العين يضرّ معه غسْـلُها ـ فيتوضّأ ولا يوصل إليها الماءَ ـ أو نحو ذلك ، وهو أمْرٌ يناسب العقلَ تماماً .

ثالثاً : لمعتبرة عبد الأعلى مولى آل سام السابقة ( رقم 1 ) التي تعلِّل الوضوءَ الجبـيري بآية الحرج ، فيُتمسّك بعموم التعليل لإيجاب خصوص الوضوء في أمثال وجود حاجب لاصق ونحو ذلك .

رابعاً : للأولوية ، فإنّ الأسئـلة توجَّهت الى أئمتـنا (عليهم السلام) في أصعب الحالات ، وهي وجود جبائر بسبب جروح أو قروح أو كسور مما يُتوقّع أن يجاب عن ذلك بالتيمّم ، ورغم ذلك أجابوا بالوضوء ، سواء وجدت جبـيرة أم جرح بغير جبـيرة ، فكيف إذا كان العضو سالماً ؟! ولعلّ جواب أئمتـِنا (عليهم السلام) بالوضوء دائماً هو نـتيجة لما ورد في الرواية من كون التيمم هو نصف الوضوء ، وكونِه لا يُرجع اليه إلا في حال انعدام الماء أو وجود ضرر من التوضّي ونحو ذلك .

خامساً : قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يُدرك كلّه لا يَسقط كلّه التي نعتبرها مؤيّداً لا دليلاً (لما ذكرناه في شرحنا على الحلقة الثالثة ج3 ص 348) .

وأمّا استدلالُ سيدنا الخوئي (حشرنا الله معه) بنـقصان الوضوء وبالتالي الإنـتـقال إلى التيمّم ، فهو استحسان محض ، فهذا النقصانُ لا يضرّنا بَعد إطلاق الأمر بالوضوء ، وبَعد صِدْقِ الوضوء عرفاً في حالة الحاجب اللاصق ونحوه ، وبَعد عدم كون الحاجب اللاصق ونحوه من موارد التيمّم المذكورة ، فيجب في هكذا حالةٍ الرجوعُ إلى إطلاق الأمر بالوضوء .

ولا سيّما أن التيمّم هو نصف الطهور على ما ورد في الروايات كالتي رواها في الكافي عن الحسين بن محمد (بن عامر الأشعري) عن معلّى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن حمّاد بن عثمان عن (عبد الله) بن أبـي يعفور قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ، ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه ، أيتيمّم أو يتوضّأ ؟ قال : ( يتيمّم أفضل ، ألا ترى أنه إنما جُعل عليه نِصْفُ الطهور )[3] معتبرة السند ، ومعلّى بن محمد يروي عنه في الفقيه مباشرة فهو إذن من أصحاب الكتب التي إليها مرجع الشيعة وعليها معوّلهم . وأنت هل ترضى أن تُفْتي بنصف الطهور مع إمكان الطهور التامّ الكامل ؟!

ولعلّه لما ذكرنا خالف السيدُ الخميني وغيرُه السيدَ الخوئي ( رحمهم الله جميعاً ) فترى السيدَ الإمام يأخذ بأصالة الوضوء، ويفتي به مهما أمكن كما في حالة وجود جسم لاصق ، وكما لو لم يوجد جرح ولا قَرح ولا كسر ، وإنما كان الماء يضرّ العضوَ أو يؤلمه ونحو ذلك ممّا ليس من موارد التيمم المذكورة في القرآن والسنّة ، فإنه يفتي بالوضوء ، وغَسلِ المناطق التي لا ضرر من غسلها ولا حرج ، سواء وُجد جبـيرة على العضو أو لم يوجد ، كما في الكسر المكشوف ورمد العينين ، وكما لو كانـت الجبـيرة مستوعبة لتمام العضو ، والسيد الإمام على حقّ فيما قال .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo