< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/12/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة الكلام في قاعدة الفراغ

لا يزال الكلام في مسألة 50 وقلنا إنه إن شَكَّ بعد الفراغ من الوضوء في أنه هل كان يوجد حاجبٌ أثـناء وضوئه أو لا فإنّ له أن يـَبنيَ على عدمه للسيرة المتشرّعيّة القطعيّة ، وبالتالي يَـبنِي على صحّة وضوئه .

وقد تـقول بأنـنا يمكن لنا أن نستفيد من بعض الرواياتِ عدمَ وجوب إعادة الوضوء في الفرض المذكور من الروايات التي ذكرناها أمس ، وخلاصتها ( فإذا قمتَ من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة اُخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمَّى اللهُ تعالى مما أوجب عليك لا شيء عليك فيه ) فقد تـفيدنا ـ بالإطلاق ـ عدمَ وجوب إعادة الوضوء فيما لو شكّ في أنه هل كان يوجد حاجبٌ أثـناء وضوئه أو لا ، فكأنّ الإمامَ) عليه السلام) يقول بأنّ له أن يـَبنيَ على عدمه لاحتمال أن يكون الحاجب قد أتَى بعد الوضوء ، ومثلُها ما رواه عبد الله بن أبـي يعفور عن أبـي عبد الله) عليه السلام) قال: ( إذا شككتَ في شيء من الوضوء وقد دخلتَ في غيره فليس شكك بشيء ، إنما الشك إذا كنـت في شيءٍ لم تَجِزْه ) ، ومثلهما أيضاً ما رواه محمد بن مسلم في رجل شك في الوضوء بعدما فرغ من الصلاة ؟ قال : ( يَمضي على صلاته ولا يُعيد ) ...

أقول : لم يتّضح نظر هذه الروايات المطلقة إلى ما نحن فيه ، فالأحسن الإستدلالُ على عدم وجوب الوضوء والصلاة بالسيرة القطعيّة . وبتعبـيرٍ آخر : الناظرُ إلى الروايات المطلقة يستبعد إرادة الإطلاق فيها ، ويستقرب وجوبَ الجمع العرفي بـينها وبين روايات الأذكريّة ، فلو شككتَ في أخذ الوكالة من الزوجة بعد إجراء العقد والخروج من مجلس العقد واحتملت أن تكون متوجّهاً للحكم الشرعي حين العقد لجاز لك أن تبني على أخذ الوكالة من الزوجة ، وكذا لو شككت في صحّة صيغة الطلاق بعد الخروج من مجلس الطلاق . وإنما نقول بلزوم الأخذ بطائفة الأذكريّة ونرجّحها على الطائفة المطلقة ، لأنّ الأصل هو عدم التعبّد بقاعدة الفراغ ، وأيضاً الأصلُ هو أنّ الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغَ اليقيني ، وذلك لأنّ الظاهر من أدلّة قاعدة الفراغ هو أنّ موضوعها هو الشكّ في صحّة العمل ، أي في انطباق المأتيّ به على المأمور به .

وأمّا الطائفة المطلَقة فيجب تـقيـيدُها بلزوم وجود احتمال الإلتفاتِ ، على أنه يُحتمَلُ أن يكون الحاجبُ قد طرأ بعد الوضوء ، إضافةً إلى أنّ عدم جريان قاعدة الصحّة في مثل هكذا حالة هو أمْرٌ مستهجَنٌ ومُحْرِجٌ للناس ، إذ أنك حينما ترى حاجباً على قفا يَدِكَ ـ مثلاً ـ بعد توضّئك بساعة أو بـيوم مع علمك بعدم التفاتك إلى ذلك عند الوضوء فقد تحتمل وجودَه قبل الوضوء ، فلو لم تَجرِ قاعدةُ الصحّة فهذا يعني لزومَ أن نبني على عدم صحّة الوضوء وبلزوم إعادة كلّ الصلوات ، وهذا أمرٌ لا يصدَّقُ ، لكنْ يجب تقيـيد هذه الطائفة المطلَقة بالقدر المتيقّن فقط ، كما لو شَكّ ـ بعد فراغه من الوضوء ـ في وجود حاجبٍ أثـناء الوضوء .

وعلى كلٍّ ، لا يمكن الجزمُ بإرادة الإطلاق في الطائفة المطلقة ، إذ يـبعد إرادةُ الإطلاق فيها ، ويجب تقيـيدها بروايات الأذكريّة ، ولذلك لا يجوز الإعتماد على هذه الروايات المطلقة وإنما يجبُ الإعتماد ـ في قولنا بصحّة وضوء مَن يشكّ بعد الوضوء في وجود حاجب وهو يعلم بعدم التفاته ـ على السيرة القطعية وسكوت المعصومين) عليهم السلام) ، إذ كلّ إنسان يحتمل بعد وضوئه بساعة مثلاً وجودَ حاجب أثناء وضوئه ، ومع ذلك لا يهتمّ الإنسان بذلك ، والأئمةُ) عليهم السلام) سكتوا عن هكذا ارتكاز ، إضافةً إلى إمكان الإعتماد على قواعد رفع الحرج والضرر عن الإنسان ، إذ أنه لولا البناءُ على عدم الحاجب ولولا البناءُ على صحّة الوضوء لوجب على كلّ إنسانٍ يَشكّ في وجود حاجب أثـناء وضوئه وهو يعلم بأنه لم يكن ملتفتاً لذلك أثناء وضوئه أن يعيد وضوءَه وصلواته ، وهذا مخالف للوجدان ولا يحتمله فقيه قط ، ولذلك أجمع الفقهاء المعلّقون على العروة ـ إلاّ السيد الخوئي ـ على جواز بنائه على عدم الحاجب وعلى صحّة وضوئه ، أمّا السيد الخوئي فقد اشترط وجود احتمال للإلتفات أثـناء وضوئه .

مسألة 51 :إذا علم بوجود مانع وعلم زمان حدوثه وشك في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده فإنه يـبني على الصحة لقاعدة الفراغ ، إلا إذا علم عدم الإلتـفات إليه حين الوضوء فالأحوط وجوباً الإعادةُ 1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 دليلها نفس دليل المسألة السابقة .

مسألة 52 : إذا كان محل وضوئه من بدنه نجساً فتوضأ وشك بعده في أنه طهره ثم توضأ أم لا بنى على بقاء النجاسة فيجب غسله لما يأتي من الأعمال ، وأما وضوؤه فمحكوم بالصحة عملاً بقاعدة الفراغ ، إلا مع علمه بعدم التـفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة(2) ، وكذا لو كان عالماً بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقاً على الوضوء ويشك في أنه طهره بالإتصال بالكر أو بالمطر أم لا ، فإن وضوءه محكوم بالصحة ، والماء محكوم بالنجاسة ، ويجب عليه غسل كل ما لاقاه ، وكذا في الفرض الأول يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء ، أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 دليلها نفس الدليل السابق تماماً . أمّا بناؤه على بقاء النجاسة فللإستصحاب .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo