< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : هل تجري قاعدةُ التجاوز في التيمُّم ؟

مسألة 47 : التيمُّمُ الذي هو بدلٌ عن الوضوء لا يَلحَقُه حُكْمُ الوضوء في عدم جريان قاعدة التجاوز ، وإنما تجري في التيمّمِ قاعدةُ التجاوز ، وكذا الغسل والتيمم بدل الغسل ، فمع التجاوز تجري قاعدة التجاوز ، حتى وإن كان في الأثـناء ، مثلاً : إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة في أنه ضرب بيديه على الأرض أم لا فإنّ عليه أن يَـبنِيَ على أنه ضرب بهما ، وكذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغُسل أنه غسل رأسه أم لا فإنه لا يعتـني بشكّه ، لكن الأحوط استحباباً إلحاق المذكورات أيضاً بالوضوء 1 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ذكرنا في السابق قاعدتَي الفراغ والتجاوز في مسألة 3 من مسائل الإستنجاء وفي مسألة 11 من مسائل الوضوء ، ونذكر هنا بعض ما ذكرناه في السابق فنقول :

1 ـ روى في الفقيه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبـي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إذا شكّ الرجل بعدما صلّى فلم يدرِ أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينُه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يُعِد الصلاةَ ، وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك )[1] صحيحة السند .

2 ـ وروى في التهذيـب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبـي جعفر (عليه السلام) قال : ( كل ما شككت فيه بعدما تـفرغ من صلاتك فامضِ ولا تُعِد )[2] صحيحة السند .

3 ـ ومثلهما ما رواه في يـب أيضاً بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب (الأشعري القمّي شيخ القميين في زمانه ثقة عَين فقيه صحيح المذهب) عن يعقوب بن يزيد (ثقة صدوق كثير الرواية) عن ابن أبـي عمير عن محمد بن مسلم قال قلت لأبـي عبد الله (عليه السلام) : رجل شك في الوضوء بعدما فرغ من الصلاة ؟ قال : ( يمضي على صلاته ولا يعيد )[3] صحيحة السند ، ورواها في يـب أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبـي عمير عن أبـي أيوب عن محمد بن مسلم مثله .

4 ـ وفي يـب أيضاً بإسناده عن سعد بن عبد الله عن موسى بن جعفر (البغدادي المدائني مجهول) عن أبـي جعفر (محمد بن الحسن بن شمّون البصري واقف ثم غلا كان ضعيفاً جداً لا يلتـفت إليه) عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي (ثقة كثير الرواية) عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه )[4] ضعيفة السند .

5 ـ وروى في التهذيـب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن فُضالة (بن أيوب) عن أبان بن عثمان[5] عن بُكَير بن أعيَن (مستـقيم جداً ومشكور جداً) قال قلت له : الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ ؟ قال : ( هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشكّ )[6] . أقول : هذه الرواية ـ ظاهراً ـ مرويّة عن الإمام أبـي جعفر الباقر (عليه السلام) ذلك لأنّ بُكَيراً هذا يروي رواياتِ الوضوء عنه (عليه السلام) . وعلى أيّ حال لا شكّ في أنّ بُكَيراً لم يروِ هذه الرواية عن غير المعصوم وإلاّ لكان غاشّاً في أسانيد الروايات بل لكان غاشّاً في دين الله عزّ وجلّ ، وحاشا لمثل بُكَير أن يرتكب مثل هذا . المهم هو أنّ هذه الرواية موثّقة السند . وكما تعلم هو بعد الفراغ قد ينسى ، وهذا تعليل عقلائي من الإمام (عليه السلام) ويفيدنا أيضاً أنّ قاعدة الفراغ هي قاعدة عقلائية ، لا محض تعبّد من دون سبـب عقلائي .

6 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان (بن عثمان) عن الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أستـتمُّ قائماً فلا أدري ركعتُ أم لا ؟ قال : ( بلَى ، قد ركعتَ ، فامضِ في صلاتك ، فإنما ذلك من الشيطان )[7] صحيحة السند ، فلم يقل الإمام (إبنِ على صحّة العمل) وإنما قال ( بلَى ، قد ركعتَ ) أي بناءً على أصالة أنّ الإنسان حين العمل يكون أذكَرَ منه حين الفراغ يجب أن يقول له العقلاء (بلَى ، قد ركعت) وذلك لأصالة الإلتـفات العقلائية أو قُلْ لأصالة الصحّة العقلائية ، إذن فهذه الرواية إشارةٌ إلى كون قاعدة الفراغ أمارةً لا أصلاً عملياً ، وأنّ الإمام (عليه السلام) حين اعتبره قد ركع فإنّ ذلك يعني أنّ عليه أن يـبني على التـفاته حين العمل، وأنّ شكّه بعد الصلاة وسوسةٌ من الشيطان.

7 ـ وفي التهذيـب بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن أحمد بن محمد بن أبـي نصر عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة قال قلت لأبـي عبد الله (عليه السلام) : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ؟ قال : ( يمضي ) ، قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ؟ قال : ( يمضي ) ، قلت : رجل شكّ في التكبـير وقد قرأ ؟ قال : ( يمضي ) ، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ؟ قال : ( يمضي ) ، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ؟ قال : ( يمضي على صلاته ) ، ثم قال : ( يا زرارة ، إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكُّك ليس بشيء )[8] صحيحة السند ، والإمام (عليه السلام) لم يقيّد القاعدة بمورد الصلاة فقط .

8 ـ وفي يـب عن المفيد عن أحمد بن محمد (بن الحسن بن الوليد) عن أبـيه عن أحمد بن إدريس وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد (ابن عيسى أو ابن خالد البرقي) عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبـي جعفر (عليه السلام) قال : ( إذا كنـت قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أغسلت ذراعيك أم لا فأعِدْ عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله مما سمَّى اللهُ تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمتَ من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة اُخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمَّى اللهُ تعالى مما أوجب عليك لا شيء عليك فيه ، فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك ، فإن لم تصب بللاً فلا تـنقضِ الوضوء بالشك وامض في صلاتك ، وإن تيقنـت أنك لم تُـتِمَّ وضوءَك فأعد على ما تركت يقيناً حتى تأتي على الوضوء )[9] صحيحة السند .

9 ـ وفي يـب أيضاً عن المفيد عن أحمد بن محمد (بن الحسن بن الوليد) عن أبـيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبـي نصر عن عبد الكريم بن عمرو (ثقة ثقة عين إلاّ أنه وقف على الإمام الكاظم (عليه السلام)) عن عبد الله بن أبـي يعفور عن أبـي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء ، إنما الشك إذا كنـت في شيء لم تَجِزْه )[10] صحيحة السند ، ورواها ابن إدريس في (آخر السرائر) نقلاً من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبـي نصر مثله .

10 ـ وفي التهذيـبين بإسناده عن سعد عن أحمد بن محمد عن أبـيه عن عبد الله بن المغيرة عن اسماعيل بن جابر قال قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( إن شَكَّ في الركوع بعدما سجد فليمضِ ، وإن شَكَّ في السجود بعدما قام فليمضِ ، كلُّ شيءٍ شَكَّ فيه مما قد جاوزه ودَخَلَ في غيره فليَمْضِ عليه )[11] صحيحة السند .

فإن قلتَ : لم تـثبت قاعدةُ التجاوز ـ من خلال الروايات المذكورة ـ في غير الصلاة !

قلتُ : يَفهم المحقِّقُ ، من خلال التعليلات ـ ( وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك ) ( هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشكّ ) ( بلَى ، قد ركعتَ ، فامضِ في صلاتك ، فإنما ذلك من الشيطان ) ـ ومن الإطلاق في صحيحة زرارة ـ ( إذا خرجتَ من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ) ـ أنّ قاعدة التجاوز عامّة ، وأنها عقلائيّة ، خرج منها موردُ الوضوء ، ولم يثبت خروجُ غيرِه ، فنبقى على القاعدة العامّة في غير الوضوء ، ولك أن تؤيّد ذلك بأصالة عدم السهو وعدم الغفلة العقلائيّتين .

مسألة 48 : إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل أو مسح في موضع الغَسل أو غَسَلَ في موضع المسح ولكنْ شَكَّ في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبـيرة أو ضرورة أو تقية أو لا ، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي ؟ فالظاهر جواز البناء على الصحة ، حمْلاً للفعل على الصحة ، لقاعدة الفراغ ، وكذا لو عَلِمَ أنه مَسَحَ بالماء الجديد ولم يَعلم أنه من جهة وجود المسوِّغِ أو لا 2 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 كلّ ذلك لوضوح العموم في أدلّة قاعدة الفراغ السالفة الذكر قبل قليل، فلا نعيد .

 


[5] قال عنه علي بن الحسن بن فضّال الفطحي إنه كان ناووسياً، والناووسي هو الذي وقف على الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وقال عنه إنه حيّ لن يموت حتى يَظهَرَ ويَظهَرُ أمرُه، وهو القائم المهدِيّ . وعن الملل والنحل : وقالوا إنّ عليّاً (عليه السلام) مات وستـنشقّ الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً، قيل : نُسِبوا إلى رجل يُقال له ناووس، وقيل : إلى قرية يُقال لها ذلك . ثم إنه لا شكّ في وثاقة أبان بن عثمان لشهادة الكشي أنّ (العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ... وهم : ... وأبان بن عثمان ...)، والصدوق في الفقيه يروي عنه مباشرة.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج4، ب13 من أبواب الركوع، ح3، ص936، الاسلامية.، وراجع أيضاً وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج5، ب27 من أبواب الخلل أحاديث 1، 2 و 3 . لعلّك تذكر بأنّ قاعدة الفراغ ناظرةٌ إلى الشكّ في صحّة العمل، وقاعدةُ التجاوز ناظرةٌ إلى الشكّ في أصل الوجود، وهاتان القاعدتان هما أمارتان وليستا أصولاً عملية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo