< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرياء في الوضوء

مسألة 28 : لا يجب في نِـيّة الوضوء أكـثرُ مِن نِـيّة الوضوء قربةً إلى الله تعالى ، فلا يجبُ قصْدُ رفْعِ الحدث أو استباحةِ مسّ كـتاب الله الكريم أو قصْدُ الصلاة أو قصْدُ رفْعِ حدث البَولِ أو النوم مثلاً ، كلّ ذلك للإطلاق المقامي. ثم إنه قد ينذر شخصٌ أن يتوضّأ ، ففي هكذا حالة يجبُ عليه أن ينوي ـ بوضوئه ـ امتـثالَ نذرِه ، وإلاّ لا يتحقّق امتـثال النذر ـ وإن تحقّقتِ الطهارةُ ـ وذلك لأنّ امتـثال النذر لا يتحقّق إلاّ بقصد امتـثاله .

كلّ ذلك للإطلاق المقامي ـ ومعه لا محلّ لجريان البراءة ـ إذ لم يثبت في الروايات البـيانيّة وجوبُ أكثر من غسل والوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين بالطريقة والشرائط المعروفة ، أمّا نـيّة الوضوء فلم يُتَعرّض لها في الكتاب والسنّة ، إنما عرفنا من أدلّة عقليّة وغيرها وجوبَ نِـيّة الوضوء امتـثالاً لأمْرِ اللهِ تعالى ، وعليه فإذا صحّ الوضوءُ كان ـ تلقائيّاً ـ رافعاً للحدث ومستبـيحاً للممنوعات . وبتعبير آخر : حينما يتوضّأ المؤمن فهو يريد ـ بارتكازه ـ الكونَ على الطهارة ، وبالتالي ـ إذا صار على طهارة ـ فقد ارتفعَ حدثُ البَول أو النوم ويمكن له الصلاة لأنه حقّق شرطها واستباح الممنوعات المعروفة كمسّ كـتاب الله الكريم ... ولعلّه لما ذكرنا ولوضوحه استـقرّ المذهبُ على ما نقول ، في هذه الأزمنة وما قاربها .

وأيضاً لا يجب أن ينوي المؤمنُ المقدَّميّةَ في الوضوء ، وذلك لأنّ نفس الوضوء هو عبادة ـ كما قلنا سابقاً حينما استدللنا على ذلك بقول الله تعالى﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُـتـَطَهِّرِينَ (222) ﴾ [1] وأنّ (الوضوء على الوضوء نور على نور)[2] ، وروى الحسن بن محمد الديلمي في (إرشاد القلوب) قال قال النبي صلى الله عليه وآله : يقول الله تعالى ﴿ مَن أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني [3] وغيرها من الروايات ـ إذن الوضوء ليس متمحّضاً في المقدَّمِيّة كي تجبَ نيّةُ مقدَّميتِه للواجب النفسي ، فللشخص أن ينوي الوضوء لمطلوبـيّته في نفسه .

وقد ينذر الشخصُ أن يتوضّأ ، ففي هكذا حالة يجبُ عليه أن ينوي ـ بوضوئه ـ امتـثالَ نذرِه ، وإلاّ لا يتحقّق امتـثالُ النذر ، وذلك لأنّ امتـثال النذر لا يتحقّق إلاّ بقصد امتـثاله ، فلعلّه يتوضّأ للصلاة ولكنه لا يريد امتـثالَ نذره . مثالٌ آخر : لو أراد شخص أن يَسُدّ دَينَ زيدٍ الذي عليه ، فعليه أن ينوي بدفعه للمال أنه تسديد للدَين ، وإلاّ فمجرّدُ دفْعِ المال لزيد المقْرِضِ أعمُّ من كونه تسديداً لدَينه أو هبةً له أو حِفْظاً لماله عنده ، ولا معيِّنَ إلاّ القصدُ والنيّة، ولو صلّى لكن بقصد الرياضة ـ لا بقصد الصلاة ـ لما كانت عند الله صلاةً ، وكذلك الأمر في الوضوء ، إذن العبادةُ متقوّمةٌ بالقصد .

الثالث عشر من شرائط الوضوء : خلوصُ النيّة ، فلو ضَمَّ إليه الرياءَ بَطَلَ ...

قال الله تعالى ﴿ .. فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ (7) ﴾ [4] ، ومن الواضح عقلاً منافاةُ العبادة مع الرياء ، وللروايات المستفيضة في ذلك ، ولا شكّ أنه لمجموع ذلك أجمع علماؤنا على بطلان العبادة التي يأتي بها الإنسان رياءً [5] . نذكر منها للتبركّ فقط ، ما رواه في فقه الرضا : أروي عن العالِم عليه السلام أنه قال : ( يقول الله تبارك وتعالى : أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عملي لم أقبل ، إلا ما كان لي خالصاً ) . ونروي : أن الله عز وجل يقول : ( أنا خير شريك ، ما شوركت في شيءٍ إلا تركـتُه )[6] ( إنـتهى ما في فقه الرضا (عليه السلام)) . ورواهما أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن قال : (270 ـ عن عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : قال الله عز وجل : [ أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان لي خالصاً . 271 ـ عن أبي محمد بن خالد البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : يقول الله عز وجل : [ أنا خير شريك ، فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمله غيري ] (إنـتهى ما في المحاسن)

وفي المحاسن أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي نجران ومحمد بن علي عن المفضل بن صالح جميعاً عن محمد بن علي الحلبي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر قال : ( لو أن عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً ) . وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، يا زرارة ، كل رياء شرك ) . وقال (عليه السلام) : قال الله عز وجل ( من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له ) . وعن أبـيه عمن رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (ص) : ( يا أيها الناس ، إنما هو الله والشيطان ، والحق والباطل ، والهدى والضلالة ، والرشد والغي ، والعاجلة والعاقبة ، والحسنات والسيئات ، فما كان من حسنات فلله ، وما كان من سيئات فللشيطان )[7] .


[6] باب التـفكّر والإعتبار، ص381، من نسخة الكتاب الذي صفحاته 411 صفحة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo