< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : يُشترط أن يتوضّأ بنفسه

التاسع من شرائط الوضوء : أن يتوضّأ الشخصُ ـ في حال الإختيار ـ بنفسه ، فلا يصحُّ أن يُوَضِّئَه غيرُه بحيث يُنسَبُ الوضوءُ إلى الغَير ، أو إلى المتوضّئ والموضِّئ معاً . نعم لو أعانه غيرُه بجلب الماءِ أو بتسخينه أو بِصَبّ الماء في كَـفّه أو حتى على يده ولكنِ الشخصُ المتوضِّئُ يَغْسِل بنفسه وجهَهُ ويدَه فلا بأس .

لا شكّ في وجوب أن يتوضّأ المكلّفُ بنفسه وأن يغتسل بنفسه وأن يتيمّم بنفسه وأن يصلّي بنفسه ، كلّ ذلك بالإجماع ، وذلك لأنّه هو المخاطَبُ بذلك ، كما ترى في قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ..﴾[1] وقوله تعالى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا .. ﴾[2] ، على أنّ أصالة الإشتغال اليقيني تقضي بعدم الإكتفاء بالوضوء الذي يُنـتسَبُ إلى الغَير ... كما لا شكّ في جواز الإستعانة بالغير في الغُسل والوضوء والتيمّم، لكن بحيث يَنـتسب عرفاً الوضوءُ والغُسل والتيمّم لنفس المتوضّئ والمغتسل والمتيمّم ، ففي رواية الحذاء ـ في إحدى متونها ـ أنّه صَبَّ على يد الباقرt في جُمَع فغسل به وجهه ، وكَفّاً فغسل به ذراعَه الأيمن ، وكَفّاً فغَسَلَ به ذراعَه الأيسر([3] ) ، ولعلّه لما ذكرناه من رواية الحذّاء قوّى عدمَ الكراهةِ في الحدائق والجواهر والسيد محسن الحكيم ، وعَمِلَ بها أيضاً السيد المرتضى والشيخ الطوسي في أحد قَولَيه . أمّا احتمال حرمة الإستعانة بالمقدّمات القريـبة فغير وارد بلا شكّ ولا إشكال ، وذلك لأنه لو كان حراماً لكان غريـباً ولَبانَ في الكثير من الروايات ، ولمَا كانت السيرة قائمة بين المتشرّعة على الإستعانة في الوضوء في البراري ونحوها .

أمّا الإستعانة بالمقدّمات القريـبة في الوضوء فلا يـبعد صحّة القول بكراهتها ، وذلك لأنّ رواية الحذّاء السالفة الذكر وردت في نفس التهذيب في موضعَين آخرَين مثلها متـناً وسنداً إلاّ أنه قال : ثم أخذ كفّاً بدل (ثم صببت عليه كفّاً) فلا تُنافي الرواياتِ التاليةَ . المهم هو أننا قد ذكرنا في (فَصْلٌ في مكروهات الوضوء) أنه لا يـبعد كراهة الإستعانة بالغَير في المقدمات القريـبة ، وقلنا إنّ المعروف بين العلماء هو كراهة الإستعانة بالغَير في المقدمات القريـبة ، كأنْ يَصُبَّ شخصٌ الماءَ في يد المتوضّئ ، وذلك لخبر الوشا قال : دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريقٌ يريد أن يتهيّأ للصلاة ، فدَنَوتُ منه لأصُبَّ عليه ، فأبَى ذلك وقال (عليه السلام) : ( مَهْ يا حسن ) ، فقلت : لِمَ تنهاني أن أصب على يديك ؟ تَكره أن أُؤْجَرَ ؟! فقال عليه السلام) : ( تؤجر أنت وأؤزرُ أنا ؟! ) ، قلت : وكيف ذلك ؟ فقال (عليه السلام) : ( أما سمعتَ اللهَ عز وجل يقول﴿ فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادةِ رَبِّهِ أحَداً ﴾ وها أنا أتوضأ للصلاة ، وهي العبادة ، فأَكْرَهُ أن يُشْرِكَني فيها أحَدٌ )[4] ، وهي تفيد كراهةَ الإستعانة بأحَدٍ في مقدّمات الصلاة ، وهو الوضوء ، ثم رتّب الإمام على ذلك كراهة أن يشركه أحدٌ في المقدّمات القريـبة من الوضوء ـ وليس البعيدة كإخراج ماء الوضوء من البئر ـ وذلك للإنصراف إلى خصوص المقدّمات القريبة من الوضوء . وبتعبير آخر : يُفهم منها إرادةُ عدمِ الشرك في نفس الوضوء ـ أي في الغَسل والمسح ـ ، وقريب منها ما رواه في الإرشاد قال : دخل الرضا (عليه السلام) يوماً والمأمون يتوضأ للصلاة ، والغلامُ يَصُبُّ على يده الماءَ ، فقال (عليه السلام) : ( لا تُشْرِكْ يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحداً )[5] ، وما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : اَنه إذا توضأ لم يدع أحداً يَصُبُّ عليه الماءَ ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، لِمَ لا تَدَعُهُم يَصُبّون عليك الماء ؟ فقال (عليه السلام) : ( لا أحب أن أشرِك في صلاتي أحداً وقد قال الله تبارك وتعالى ﴿ فَمَنْ كان يَرْجُو ..﴾ )[6] ، رواه في الفقيه والمقنع مرسلاً ، وفي العلل مسنداً ، وكذلك الشيخ& في التهذيب . وفي رواية السكوني : قال رسول الله (ص) : ( خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد : وضوئي ، فإنه من صلاتي ، وصَدَقَتي ، فإنها من يدي إلى يد السائل ، فإنها تقع في يد الرحمن )[7] المحمولة كلّها على الكراهة في المقدّمات القريـبة .

 

مسألة 22 : إذا كان الماء جارياً من الحنفيّة أو نحوها فجعل وجهَه أو يدَه تحتها بحيث جرى الماءُ عليه بقصد الوضوء فهذا لا ينافي المباشرةَ عرفاً ، ومثله ما لو كان شخص يَصُبُّ الماءَ من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحدٌ فجعل هو وجهَه أو يدَه تحته وصار يتوضّأ فإنّ هذا لا يُعَدُّ عُرفاً مِن إعانةِ الغَير ، فلا كراهةَ حينئذٍ .

لأنّ الذي يَصُبّ الماءَ من المحلّ العالي ـ من دون قصْدِ الإعانة على الوضوء ـ يكون بمثابة الحنفيّة عند المتوضّئ وبمثابة مَن يتوضّأ مِنَ المطر ، وقد روى في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن موسى بن القاسم (بن معاوية بن وهب البجلي فقيه ثقة ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل لا يكون على وضوء ، فيصيـبه المطرُ حتى يـبتل رأسُه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، هل يجزيه ذلك من الوضوء ؟ قال : ( إنْ غَسَله فإنّ ذلك يُجزيه )[8] صحيحة السند .

مسألة 23 : إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستـنيب بل وجب ...

بالإجماع ، وقد روى في يب بإسناده عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن محمد بن سنان عن أبي خالد القماط عن ضريس عن علي بن الحسين أو عن أبي جعفر عليهما السلام قال : ( المجدور والكسير والذي به القروح يُصَبُّ عليه الماءُ صَباً ) [9] ... يُتبع .


[2] ذيلُ الآيةِ السابقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo