< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إذا دخل المكانَ الغصبي غفلةً

مسألة 18 : إذا دخل المكانَ الغصبي غفلةً وفي حال الخروج توضَّأ بحيث لا ينافي الوضوءُ فوريّةَ[1] الخروجِ وبشرط عدم التصرّف الزائد عن الخروج ـ أي التصرّف المبغوض عرفاً ـ فالظاهر صحتُه لعدم حرمته حينئذٍ ، وكذا إذا دخل عصياناً ثم تاب وخرج بقصد التخلص من الغصب . وأمّا إنْ لم يَتُبْ ولكنه يتوضّا وهو خارج من الأرض المغصوبة لكنْ لا بقصد التخلُّص ، فلا شكّ في مبغوضيّة هذا الخروج والوضوء شرعاً وعقلاً ، لأنه تصرّفٌ واضح في أرض الغَير بلا إذنه ، فلا محالة يكون وضوؤه حراماً ملاكاً وفعليّةً ـ ولو بلحاظ الدخول ابتداءً بسوء اختياره ـ وبالتالي سوف يكون وضوؤه باطلاً .

لا شكّ في كون الوضوء ح عبادةً مقرّبةً ومحبوبةً لدى الباري سبحانه وتعالى ، لأنه دخل غفلةً ، لا عصياناً ، فلا وجه للقول بمبغوضيّة الوضوء في الصورة المذكورة ، وبالتالي لا مانع من القول بصحّته ، تمسّكاً بإطلاقات الوضوءات البيانيّة . وبتعبير آخر : هو فِعْلاً مضطرٌّ للخروج شرعاً وعقلاً ، وهو يخرج الآن ، فلا حرمة إذن ولا مبغوضيّة ، طبعاً بشرط عدم التصرّف الزائد عن مقدار الخروج .

وكذا لو دخل عصياناً ثم تاب وخرج بقصد التخلُّصِ من الغصب ، وذلك لنفس السبب تماماً ، والتوبةُ أسقطت الذنب السابق والمبغوضيّةَ ، فلا وَجْهَ لأن يكون الخروج مبغوضاً أو منهيّاً عنه بالنهي السابق ، ولا وَجْهَ لأن يكون منهيّاً عنه بنهْيٍ فِعْليّ ، وذلك لتوبته ولخروجه بقصد التخلُّصِ ، فإذن يجب أن يكون وضوؤه محبوباً ومقرّباً إلى الله جلّ وعلا .

وأمّا إن لم يَتُبْ أو تاب ولكن لم يكن خروجُه بقصد التخلُّصِ فـفي صحة وضوئه حالَ الخروج إشكالٌ من حيث استبعاد أن يكون وضوءُ غيرِ التائبِ محبوباً ومقرِّباً إلى الله سبحانه وتعالى ، وكذلك يُستبعَدُ أن يكون وضوءُ التائبِ الذي لا يخرج بقصد التخلّص محبوباً عند الله جلّ وعلا .

وبتعبير آخر : كونه في أرض الغير بغير إذنه لا يكون مبغوضاً إذا تاب وشرع فوراً بالخروج ، أمّا لو تاب ولكنه لم يخرج بقصد التخلّص ، ولكنه يخرج لأنه قَضَى وَطَرَه مِنَ الجلوسِ في الأرض ، فهنا تبقى المبغوضيّة ظاهراً ، فالمسألةُ مرجعُها ـ إذَنْ ـ إلى القصد .

وأمّا الفرع الأخير فقد ذكرنا دليلَه في المتن .

مسألة 19 : إذا غصبَ زيدٌ ماءً من عَمْروٍ ـ حتى ولو كان الماءُ المغصوب قليلاً ـ ووضَعَه في مائه المباح ـ في الحوض مثلاً ـ فإنّ عَمْراً يصير شريكاً في هذا الماء المختلَط بحسب النسبة ، وبالتالي لا يجوز لزيدٍ الغاصبِ التصرُّفُ في ذلك الحوض ـ كالوضوء مثلاً ـ لأنه صار للمغصوب منه في كلّ قطرة ماءٍ حصّةٌ . نعم إذا كانت نسبةُ الماءِ المغصوبِ إلى الماء المباح غيرَ معتدٍّ بها عرفاً ، كقطرة ماء في حوض ماء، فلا شكّ في عدِّ العُرْفِ ح للماء المغصوب تالفاً ، وح يجوز التوضُّؤ من هذا الحوض

مرجع المسألة إلى فَهْمِ العرف ، فإن رأى العرفُ أنّ الماء المغصوب قليلٌ جداً بحيث يُعَدُّ وضْعُه في الماء الكثير جدّاً إتلافاً للماء القليل فلا وجه ح للقول بالإختلاط وبكون الوضوء من الحوض حراماً وباطلاً ، وأمّا إذا كان بنظرهم إختلاطاً ـ وليس إتلافاً ـ كما لو كانت النسبةُ معتدّاً بها ، كالعُشْرِ مثلاً ، فلا شكّ ح في صيرورة كلّ الماء لكلا الشريكين ، ولا يجوز ح للغاصب التوضّؤُ منه ، لأنّ للمغصوب منه في كلّ قطرة ماءٍ نسبةً .

الشرط الخامس : يُكره أنْ يكونَ ظرفُ ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة، والمشكوكُ كونُه منهما لا يُكره الوضوءُ منه ولا سائرُ الإستعمالات .

مرَّ ذِكْرُ الأدلّةِ على هذه المسألة بتطويل في (فَصْلٌ في حكم الأواني) مسألة 4 ، وذَكَرْنا هناك الرواياتِ المستـفيضةَ الدالّةَ على الكراهة ، فراجع .

مسألة 20 : إذا توضأ مِن آنيةٍ باعتقاد غصبِـيَّتِها[2] ، ثم تبيَّنَ عدمُ كونِها مغصوبةً ، فلا شكّ في صحة الوضوء لو حصلت منه نِـيّـةُ القربة . نعم هو يستحقّ العقابَ لتجرُّئِه على المولَى تعالى.

طالما أنّ نفس الوضوء محبوب ذاتاً . تَبقَى مشكلةُ اعتقادِه بغصبـيّة الإناءِ والذي هو عبارةٌ عن طغيانه وتجرُّئه على مولاه جلّ وعلا ، هذه المشكلةُ توهم بحرمة هذا الوضوء ومبغوضيّتِه وبالتالي ببطلانه .

أقول : هذه المشكلةُ لا تجعل الوضوءَ باطلاً ـ وإن كان يستحقّ العقابَ على تجرُّئِه بلا شكّ ـ وذلك لأنه ـ على مستوى الإعتقاد ـ هو نوى القربةَ إلى الله جلّ وعلا ، وعلى مستوى الوضوء ، إعتقادُه بغصبِـيّة الإناءِ لا يُغَيّر الواقعَ أي لا يجعل الإناءَ المباحَ مغصوباً . المهمّ هو أن لا يكون توضُّؤُه مبعّداً عن المولى جلّ وعلا ، وإنما أن يكون مقرِّباً ، وأن يكون صالحاً للتقرّب به ، والأمْرُ كذلك تماماً كما عرفتَ ، فلا مشكلةَ في البَين أصلاً .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo