< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مَن حاز مَلَكَ

مسألة 16 : إذا تَعَدَّى الماءُ المباح عن المكان المغصوب إلى المكان المباح ـ حتى ولو كان إجراء الماء في الأرض المغصوبة عن عمْدٍ واعتداء ـ فلا إشكال في جواز الوضوء منه لأنه مباح ، والمكان الفعلي أيضاً مباح ، وكذا الأمْرُ لو رَفَعَ الماءَ المباحَ إلى الخزّان الفوقاني بآلةٍ مغصوبة فإنّ الماء المباح يبقى مباحاً ويجوز الوضوء به ، ونفسُ الأمر أيضاً لو استعمل آلةً مغصوبةً في نقْلِ الماء المباح إلى مكان مباح . (صحيح أنه ارتكب حراماً ، ولكن هذا لا يجعل الماء المباحَ مغصوباً ) .

 

مسألة 17 : إذا اجتمع ماءٌ مباحٌ ـ كماء المطر مثلاً ـ في مُلْكِ الغَير ، فإنْ استولَى مالكُ الأرضِ عليه ـ كأنْ وضَعَه في خزّانه مثلاً ـ صار له ، وإلا فإن لم يستولي عرفاً على الماء بعملٍ ما ـ كأن يجعل خزّاناً مثلاً لحَصْرِ الماء فيه ـ وإنما قصد الحيازة بنيّته فقط، فمجرّدُ النيّة لا يجعل الماءَ مُلْكاً لصاحب الأرض ، وإنما يَـبقَى الماءُ على إباحته ولو لاستصحاب بقائه على الإباحة 1 ، وعليه فلو أخَذَه غيرُه ـ في حال بقاء الماء على إباحته ـ واستولى عليه فقد مَلَكَه ، إلا أنه عَصَى من حيث التصرفِ في دخوله إلى مُلْكِ الغَير . نعم إذا وَقَعَ ماءُ المطرِ في خزّان المالك فقد صار مُلْكاً له ، بدليل حكم العرفِ بذلك ، خاصّةً إذا كان المالك قد أعدّ الخزّانَ بنحوٍ بحيث إذا أمطرت السماءُ انحدر الماءُ إلى الخزّان ـ كما هو المعروف في القرى ـ ، والدليلُ على حصول الحيازةِ هو ـ كما قلنا ـ العرفُ ، فإذا رأى العرفُ أنّ مالك الأرض أو مالك الخزّان هو الحائزُ على الماء فأخَذَ الآخرون الماءَ من خزّان الغير من دون إذنه ، فإنهم يكونون مُتَعَدِّين وغاصبين عرفاً وعقلاً ، وبالتالي يكون الوضوء به حراماً وباطلاً ، وكذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد ، فمجرّدُ وقوفِ الطيرِ على أرض الغير لا يصيّر الطائرَ ملكَ صاحبِ الأرض ، نعم ، لو وضَعَ صاحبُ الأرض قفصاً ليلتقط به الطيورَ فوقع الطائرُ في القفص ـ حتى مع جهْلِ صاحبِ الأرضِ بوقوع الطائر في القفص ـ فإنّ صاحب القفص يكون هو المالك للطائر ، وكذا الأمر تماماً فيما لو وقعت سمكةٌ في قارب صيد الغير ، فإن لم يَحِزْ صاحبُ القاربِ السمكةَ بمعنى لم يستولي عليها ـ كأنْ لم يعلمْ بها مثلاً ـ فإنّ للناس أن تستملك السمكةَ ، لكنْ لو فُرِضَ أنّ الصيّادَ وضَعَ شبكةً في البحر أو قَفَصاً ليَصِيدَ به فَعَلِقَ السمكُ به من حيث لا يدري صاحبُ القفص أو صاحبُ الشبكة، فإنّ صاحب الشبكة أو القفص يملك السمكَ العالقَ ، لأنه عرفاً هو الذي استولى بفِعْلِه على السمك ، وكذا الأمرُ فيما لو أطارت الريحُ بعضَ النباتات المباحة إلى أرضه ، فإن استولى عليها صاحبُ الأرضِ ـ بنظر العُرْفِ ـ فقد مَلَكَ ، وإلاّ فإنها تبقى على الإباحة ... فالمسألةُ إذن عُرْفيّة . نعم لو نَبَعَ ماءٌ في أرضه أو نَبَتَ عُشْبٌ في أرضه ـ كالأعشاب البرّيّة مثلاً ـ فله حقُّ منْعِ الغَيرِ من دخول أرضه أو الإستيلاء على ما فيها من ماء وأعشاب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لو أمطرت السماءُ على الأرض ، وصار الماء ينحدر من الأراضي العالية إلى الأراضي السافلة ، فليس لصاحب الأرض العالية أن يقول أنا قصدتُ الإستيلاءَ على كلّ قطرة ماء هطلت على أرضي ولا أسامح صاحبَ الأرض السافلة أن يستفيد من هذا الماء شيئاً ، وكذلك لو وقف طائر على أرض شخصٍ فليس لصاحب الأرض أن يقول إنّي قصدت حيازةَ هذا الطائر ... كلّ ذلك دليلُه العرفُ ، فهو الذي يشخّص أنّ صاحب الأرض صار حائزاً ومستولياً على ماء المطر والطيور أو لا .

أمّا لو سَلّطَ أرضَه على خزّان الماء لينحدر ماءُ المطر إليه ـ كما هو المعروف في القرى ـ فإنّ ماء المطر يصير ملكاً لصاحب الأرض لأنه تصرّف بالأرض بطريقةٍ بحيث ينزل ماء المطر إلى الخزّان ، فهو بنظر العرفِ حائزٌ على هذا الماء ، لأنه في أرضه وقد أعدّ أرضَه بطريقة منحدرة بحيث ينحدر ماءُ المطر نحو خزّانه ، وهذا يكفي ـ عرفاً ـ في صِدْقِ الحيازة ، وأنت تعلمُ أنّ (مَن حاز مَلَكَ) .

وقد يَحُوزُ الشخصُ على ماءٍ كثير في أرض مشاعة ، وهو وغيرُه يعلمون بأنه لن يستطيع على تملّك كلّ هذا الماء ، لأنّ خزّانه ـ مثلاً ـ لا يَسَعُ لكلّ الماء الموجود المحاز ، ولذلك هو لا يقصد تملّكَ كلّ هذا الماء ، لكن حتى في هكذا حالة ، للحائزِ على الماء حقّ التقدّمِ والأولويّةِ في تملّك ما يريد تملّكَه ، لأنّ كونَه هو الذي حاز ـ أي جَمَعَ هذا الماءَ وحاصَرَه ـ يخوّله عرفاً بأن يكون له حقّ التقدّم على غيره . ولذلك تجدُ العرفَ أنه يرى أنّ آخذ الماء من هذا الماء المحاز من دون إذن الحائز هو متعدٍّ على حقّ الحائز .

نعم لو نَبَعَ ماءٌ في أرضه أو نَبَتَ عُشْبٌ في أرضه ـ كالأعشاب البرّيّة مثلاً ـ فله حقُّ منْعِ الغَيرِ من دخول أرضه أو الإستيلاء على ما فيها من ماء وأعشاب ، وذلك لأنّ هذه الاُمورَ تابعةٌ عرفاً لأرضه ، وهي نماء أرضه ، فهي ـ عرفاً ـ مُلْكٌ له . وهذا بخلاف ما لو علق طائر بين الأشواك في أرضه ، أو وقع في الوحل فلم يستطع على الطيران ، فهذا الطائر يَـبقَى على الإباحة الأصليّة ، وللغير الإستيلاءُ عليه ، لكن المشكلة في دخول أرض الغير ، فلو لم يأذن مالكُ الأرضِ فليس للآخرين دخولُ أرضِه ، رغم إباحةِ الطائر .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo