< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل الاصلُ في الوقف هو الوقف على العموم أو الأصل هو الوقف على خصوص جماعة معيّنة ؟
سؤال : هل الاصلُ في الوقف هو الوقف على العموم أو الأصل هو الوقف على خصوص جماعة معيّنة ؟ فلو وقف حمّاماً ملاصِقاً لمسجدٍ أو لحوزة دينيّة مثلاً، بحيث شككنا جداً في كون الوقف هو لخصوص المصلّين مثلاً أو لعموم الناس، فما هو الأصل في ذلك ؟
الجواب : قد تقول : الأصلُ هو عدم الوقف على عموم الناس، وقد تقول : الأصلُ هو عدم الوقف على خصوص المصلّين، وهما متعارضان، ولذلك قد تقول لا يوجد أصلٌ واضح في المقام .
فأقول : لا شكّ في أنّ الإنسان حين الوقْفِ هو يوقف العَين بكلّ شؤونها، أي هو يرفع سلطنتَه عنها بالكُليّة، ولا يستـثني أحداً في جواز التصرّف بهذا الموقوف، إلاّ القدر المتيقّن، أي أنّ الأصل هو عدم الإذن لهذه الطائفة المشكوكة، ولذلك يجب التأكّدُ ـ على الأحوط وجوباً ـ في أنه أجاز التصرّفَ لهذه الطائـفة الفلانيّة المشكوكةِ الدخول في الموقوف عليهم، ولذلك يكون المرجعُ هنا هو أصالةُ عدم جواز التصرّف في الوقوفات للطائفة الفلانيّة المشكوكة، أي أنّ الأصل هو حرمة التصرّف بأموال الغَير، أو قُلْ : الأصلُ هو عدم الإذن، والأصل هو حرمة أموال الغَير ... ولعلّ الأمْرَ في بعض موارد الوقوفات سهل، لأنّ الوقف هو لله عزوجل فإذا اضطرّ شخصٌ أن يدخل إلى الحمّام مثلاً فهو يَعلم برضا الله سبحانه وتعالى، لأنه هو صاحبه الواقعي ولا صاحب للوقف غيره، وإذا كان يريد أن يدخل ليتوضّأ ليكون على طهارة فالله يحب ذلك، فالمرجعُ رضاه عزوجل .
مسألة 9 : إذا حَفَرَ زيدٌ مِنَ الناس بِئراً وأجراه في قناةٍ على أرضه، وجاء جارُه فشقّ قناةً من قناة زيدٍ من دون الإستئذان من زيد، فهذا الماء بما أنه ملك لزيد فإنه لا يجوز للجار الوضوءُ به حتى وإن وصل هذا الماء إلى أرض الجار . وأمّا لو كان هناك نهرٌ كبيرٌ عرفاً يمرّ في أرض زيدٍ فشقّ الجارُ قناةً عبر أرض زيد ـ من دون الإستئذان من زيدٍ ـ وأوصل من ذلك النهر الكبيرِ الماءَ إلى أرضه، فإنّ الماء لا يصير ـ بمجرّد مروره في أرض زيدٍ ـ مُلْكاً لزيد، نعم حفْرُ القناةِ في أرض زيدٍ هو حرامٌ تكليفاً، ولكنْ هذه الحرمةُ لا تجعل الماءَ مغصوباً ولا دليل على صيرورته مغصوباً . لكنْ لو فَرَضنا أنّ زيداً شَقّ جدولاً من النهر الكبير من مسافةٍ بعيدةٍ حتى أوصل الماءَ من النهر إلى أرضه، أفرض بِعَرْضِ متر واحد مثلاً، ليَسقِيَ أرضَه، فجاء جارُه ـ بسهولةٍ ومِن دون استئذان مِن زيدٍ ـ وشَقّ قناةً ـ من هذا الجدول ـ إلى أرضه، فهل لزيدٍ حقُّ منْعِ جارِه من أخْذِ الماءِ ـ بعد وضوح حرمةِ شقّ قناةٍ في أرضه من دون إذنه ـ ؟ وبتعبير آخر : هل لزيدٍ حقُّ الإختصاصِ بهذا الماء بحيث يكون الماءُ الذي أوصله زيدٌ إلى أرضه هو لزيد عرفاً أو لا ؟ الجواب هو أنه لا شكّ في أنّ العرف يرى أنّ الماء هو من حقّ زيد فقط ولا يجوز لغيره الأخْذُ منه إلاّ بإذنه، وكلمةُ (مغصوب) مرجعُ معناها إلى العرف، وهم يرون أنّ هذا غصبٌ، فإذا صدق عِنوانُ الغصبِ على الماء الذي وصل إلى أرض الجار، فسوف يكون التصرّفُ به محرّماً وسوف يكون الوضوءُ به باطلاً لا محالة .
لو أنّ زيداً من الناس حفر بئراً فنبع ماءٌ، هذا الماءُ صار خاصّاً بزيدٍ، أي حقّ الإختصاص هو لزيدٍ، لا لغيره، لأنه هو الذي أخرج الماء، وكميّتُه عادةً متواضعةٌ . ثم إنّ زيداً أجرى الماءَ في أرضه، فجاء جارُ زيدٍ وشقّ نهراً إلى أرضه من دون الإستئذان من زيد وأخَذَ مِن هذا الماءِ إلى أرضه، في هكذا حالة لا شكّ في أنّ هذا الماء مغصوب عرفاً وعقلاً، والوضوء به باطل .
وأمّا لو كان جدول ماءٍ كبير ـ أفرُضْ أن عَرْضَها مثلاً حوالي أربعة أمتار ـ يَمُرُّ في أرضِ زيدٍ، فشَقَّ جارُه من هذا الجدولِ إلى أرضه قناةً فوصل الماءُ إلى أرضه من دون إذن زيدٍ، وأنت تعلم أنّ أصلَ الماءِ مباحٌ لأنه نهرٌ كبيرٌ نابعٌ طبيعيّاً من الأرض، وقد اشترى زيدٌ هذه الأرضَ بما فيها من هذا النهر المارّ فيها من الأصلِ أو حازها، فلا يبعد صحّة القول بأنّ الماء الذي وصل إلى أرض الجار يَبقى على إباحته، لأنّ مجرّد مرور النهرِ في أرض زيد لا يُصَيِّرُ الماءَ لزيد، خاصّةً إذا كان النهر كبيراً، ولا يُـباع ولا يُحاز، إلاّ أنّ الجار قد تجاوز على أرض زيدٍ وشَقّ فيها نهراً ليوصل الماءَ إلى أرضه، فيبقى الماءُ على إباحته وح يصحّ الوضوء به .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo