< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : دليل حجيّة الإطمئنان
مسألة 1 : لا بأس بالتوضُّؤ بماء القليان ما لم يَصِرْ مضافاً .
الظاهر أنّ مقصوده هو أنه لو قَلَى بعضَ المأكولات ـ كالبطاطا مثلاً ـ بالماء، فهل يَخرُجُ الماءُ عن إطلاقه بمجرّد قَلْيِ البطاطا فيه ؟
أقول : هذه من المسائل اللغْوِيّة، لأنّ العِبْرَة بكونه ماءً بنظر العرف، فإنْ بَقِيَ هذا الماءُ المقلي به ماءً بنظر العرف جاز التوضُّؤُ به وإلاّ فلا .
مسألة 2 : لا يَضُرُّ في صحة الوضوء نجاسةُ سائرِ مواضع البدن بعد كون مواضع الوضوءِ طاهرةً .
هذه المسألة بديهيّة .
مسألة 3 : إذا كان في بعض مواضع وضوئه جُرحٌ صغيرٌ لا يَضُرُّه الماءُ ولا ينقطع دمه فليضغط عليه قليلاً حتى ينقطع الدمُ آناً ما، ثم ليدخله بالماء المعتصم بنيّة الوضوء، مع ملاحظة الشرائط الأخرى كالمحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان الجرحُ في اليد اليسرى وذلك بأن يَترك ـ بِنِيَّتِه ـ جزءً ولو قليلاً من يده اليسرى فيخرجها مِنَ الماءِ المعتصم ثم يمسحها بيمينه بِنِيّةِ إكمال الغَسْلِ .
وهذه المسألة أيضاً من البديهيّات .
الثالث من شرائط الوضوء : أن لا يكون على المحل حائلٌ يَمنع وصولَ الماءِ إلى البشرة، ولو شك في وجوده فإنه يجب الفحص حتى يطمئنّ بعدمه، والإطمئنان قريب من العلم القطعي، وهو يتاخمه، ومع العلم بوجوده يجب تحصيل الإطمئـنانِ بزواله .
تعرّضنا لهذه المسألة سابقاً أكثر من مرّة، راجع مسألة 3 ص 177 حاشية 93 ومسألة 5 ص 350 حاشية 154 ومسألة 9 ص 802 حاشية 399 فلا نعيد . وحجيّة الإطمئنان أمر بديهيّ عند العلماء واستدلّوا عليه بعدّة أدلّة، يكفينا هنا دليلٌ واحد فقط وهو مقبولةُ عمر بن حنظلة المشهورة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما .. إلى أن قال : فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرَين في حقهما واختلف فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : > الحكمُ ما حكم به أعدلُهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يَحكم به الآخرُ < قال فقلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال فقال : > يُنظَرُ إلى ما كان مِن روايتهما عنّا في ذلك الذي حَكَما به المجمعِ عليه عند أصحابك فيُؤخَذُ به مِن حُكْمِنا ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمَعَ عليه لا ريبَ فيه ـ فقالt لا ريب فيه مع أنّ له خبر ثقة معارِض، وليس ذلك إلاّ لأنّ المشهور جدّاً يُطلَقُ عليه عرفاً بأنّ عليه الإجماع، لأنه يورث الإطمئنانَ، ثم قال لتأكيد ذلك : ـ وإنما الأمورُ ثلاثةٌ : أمْرٌ بيِّنٌ رُشْدُهُ فيُتَّبَعُ ـ فاعتبر خبرَ الثقةِ المشهورَ عند الرواة والفقهاء بيّناً رُشدُه، وليس ذلك إلاّ لحجيّة الإطمئنان ـ، وأمْرٌ بيِّنٌ غَيُّهُ فيُجتنَبُ، وأمْرٌ مشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله(ص) : ( حلالٌ بيِّنٌ، وحرامٌ بيِّنٌ، وشبُهاتٌ بين ذلك، فمَن ترَكَ الشبهاتِ نجا من المحرمات، ومَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهَلَكَ مِن حيثُ لا يَعلم .. )[1].
الرابع من شرائط الوضوء : أن يكون الماء وظرفه ومكان الوضوء ومصبُّ مائِه مباحاً، فلا يصح لو كان واحد منها غصباً، من غير فرق بين صورة الإنحصار وعدمه، إذ مع فرض عدم الإنحصار وإن لم يكن مأموراً بالتيمم إلا أن وضوءه حرام من جهة كونه تصرفاً أو مستلزماً للتصرف في مال الغير فيكون باطلاً، نعم لو صب الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف المباح ثم توضأ لا مانع منه، وإن كان تصرفه السابق على الوضوء حراماً، ولا فرق في هذه الصورة بين صورة الإنحصار وعدمه، إذ مع الإنحصار وإن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأموراً بالتيمم إلا أنه بعد هذا يصير واجداً للماء في الظرف المباح، وقد لا يكون التفريغ أيضاً حراماً، كما لو كان الماء مملوكاً له، وكان إبقاؤه في ظرف الغير تصرفاً فيه، فيجب تفريغه حينئذ فيكون من الأول مأموراً بالوضوء ولو مع الإنحصار .
تعرّضنا لهذه المسألة في (فَصْلٌ في حكم الأواني) مسألة 1 وقلنا إنّ استعمال الظروف المغصوبة لا يجوز مطلقاً، عقلاً ونقلاً، ولكنْ ـ رغم ذلك ـ إذا توضّأ الإنسانُ منها أو اغتسل بالإغتراف ـ رغم عِلْمِه بالغصبيّة ـ فإنّ وضوءَه وغسله يكونان صحيحين عندي، أمّا لو أفْرَغَ الماءَ منها في ظرف مباح فتوضأ أو اغتسل فإنهما يصحّان بلا شكّ ولا خلاف، وإن كان عاصياً من جهة تصرفه سابقاً في المغصوب . وأمّا إن توضّأ بالإرتماس فوضوؤه باطل على الأحوط وجوباً، وقلنا إنّ حرمة التصرّف بمال الغير ـ كالإناء ـ أمْرٌ واضحٌ عقلاً ونقلاً ولا شكّ ولا خلاف في ذلك، إنما الكلام في بطلان وضوئه وغُسْلِه لأنه يأخذ الماء من الإناء المغصوب وإنه يجب أن تكون العبادةُ ـ أي عبادةٍ كانت ـ مقرِّبةً من المولى تعالى ومحبوبةً لديه، فإن لم تكن مقرّبة ولا محبوبة فليست بعبادة أصلاً، فيجب ح أن يكون الوضوءُ والغُسل بالماء المغصوب باطلاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo