< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الوضوء في التـقيّة

مسألة 35 : إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ـ ما عدا التقيّة ـ إذا لم يمكن رفْعُه ولم يكن بد من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت [1] (428) ، وأما في خصوص التقية فالأمر أوسع ، فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه وإن أمكن بلا مشقة .

قلنا أمس إنه لا شكّ في وجوب العمل بالتقيّة فيما لو لم يمكن التفصّي بالذهاب إلى مكان آخر ولو بتأخير الصلاة إلى أواخر وقتها .

لكن السؤال هو أنه ـ في حال التقيّة ـ هل يجوز لنا أن نتوضّأ معهم بالتقيّة ونصلّي معهم صلاة التقيّة ونحن قادرون على أن نصبر إلى أواخر الوقت فنصلّي في بيوتنا صلاة المختار ، أم لا يجوز ؟

فلننظر إلى كلمات أئمّتنا في ذلك ، وهي على طوائف :

الطائفة الاُولى وهي ما أمر فيها الإمامُ شيعتَه بالوضوء مثلهم لعلمه الغيبي أنهم سوف يتعرّضون للأذى أو للقتل ، فمن الطبيعي أن يأمر الإمام شيعته بوضوء التقيّة حفاظاً عليهم ، وهذا من قبيل :

ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشاء عن داود بن زربي(ثقة) قال : سألت أبا عبد اللهt عن الوضوء ؟ فقال لي : ( توضأ ثلاثاً ) ، ثم قال لي : ( أليس تشهد بغداد وعساكرهم ؟ ) قلت : بلى ، قال : فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي ، فرآني بعضهم وأنا لا أعلم به فقال : كذب من زعم أنك فلاني وأنت تتوضأ هذا الوضوء ، قال : فقلت لهذا واللهِ أمرني .[2] صحيحة السند . ومثلُها مكاتبةُ علي بن يقطين .

الطائفة الثانية وهي ما كان فيها العنوانُ "التقيّة ديني ودين آبائي ، من لا تقيّة له لا دين له ، ولا إيمان له" وهذا من قبيل :

ما رواه سعد بن عبد الله في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن المعلّى بن خنيس قال : قال لي أبو عبد الله× : ( يا مُعَلَّى ، اُكتم أمرنا ولا تُذِعْهُ ، فإنه مَن كَتَمَ أمْرَنا ولا يُذيعُه أعزه اللهُ في الدنيا ، وجعله نوراً بين عينيه يقوده إلى الجنة ، يا معلى ، إن التـقية ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تـقية له ، يا معلى ، إن الله يحب أن يُعْبَدَ في السر كما يحب أن يعبد في العلانية ، والمذيع لأمرنا كالجاحد له )[3] صحيحة السند .

وهكذا روايات قد لا تنفعنا فيما نحن فيه لأنها تتحدّث عن حكم التقيّة إذا كان الظرفُ ظرفَ تقيّة ، وقد لا تدلّ على جواز التقيّة مع المندوحة بالذهاب إلى غرفة اُخرى أو إلى بيت آخر لا موجِبَ للتقيّة فيه ، إلاّ أن تـقول إنّ كون التـقيّةِ دِيناً يعني أنّ للإنسان أن يتخيّر بين وضوء التـقيّة ووضوء المختار ، وصلاة التـقيّة وصلاة المختار ، لأنّها كلّها دِينٌ ، فإذا كانت دِيناً فهذا يعني الإجزاءَ قطعاً .

الطائفة الثالثة وهي نافعة فيما نحن فيه وهي :

1 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن ربعي(بن عبد الله ثقة) عن زرارة عن أبي جعفر× قال : ( التقية في كل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به )[4] صحيحة السند ، والذي بيته قريباً من مسجد النواصب هو غير مضطرّ لأن يتوضّأ أو يصلّي عندهم ، ومِثْلُها ما بَعدها .

2 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سالم ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا : سمعنا أبا جعفر× يقول : ( التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له ) صحيحة السند ، ورواها البرقي في (المحاسن) عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن محمد بن مسلم وإسماعيل الجعفي وعدة من أصحابنا مثله[5] .

3 ـ وأيضاً في الكافي عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة(ثقة لرواية الفقيه عنه مباشرةً) عن أبي عبد الله× ـ في حديث ـ ( إن المؤمن إذا أظهر الإيمان ثم ظهر منه ما يدل على نقصه خرج مما وصف وأظهر ، وكان له ناقضاً إلا أن يدعي أنه إنما عمل ذلك تقية ، ومع ذلك يُنظَرُ فيه ، فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يُقبل منه ذلك ، لأنّ للتقية مواضعَ ، مَن أزالها عن مواضعها لم تستقم له ، وتفسيرُ ما يُتَّقَى (منه ـ ظ) مِثل أن يكون قومُ سوءٍ ظاهرٌ حُكْمُهم وفِعْلُهُم على غير حكم الحق وفِعْلِه ، فكلُّ شيءٍ يَعمل المؤمنُ بينهم لمكان التقية مما لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنه جائز)[6] مصحّحة السند ، فإن كان بيته قرب مسجدهم فهو ليس ممّا يمكن أن تكون التقيّةُ في مثله ، وذلك لأنه يمكن له الذهاب إلى بيته بلا ضرر ولا حرج .

4 ـ وروى أحمد بن أبي عبد الله البرقي في (المحاسن) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ابن مسكان عن عمرو بن يحيى بن سالم(مجهول) عن أبي جعفر× قال : ( التقية في كل ضرورة ) [7] ، وعن النضر عن يحيى الحلبي عن معمر مثله . وعن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحارث بن المغيرة نحوه .

5 ـ وروى أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في (الإحتجاج) عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام ـ في حديث ـ اَنّ الرضا× جفا جماعة من الشيعة وحجبهم فقالوا : يا ابن رسول الله ، ما هذا الجفا العظيم والإستخفاف بعد الحجاب الصعب ؟ قال : ( لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين× وأنتم في أكثر أعمالكم مخالفون ، ومقصرون في كثير من الفرائض ، وتتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله ، وتتقون حيث لا تجب التقية ، وتتركون التقية حيث لا بد من التقية )[8] .

6 ـ وروى محمد بن مسعود بن عيّاش العياشي(جليل القدر واسع الأخبار ثقة ثقة ط 8) في تفسيره عن عمرو بن مروان الخزاز قال : سمعت أبا عبد اللهt يقول : قال رسول الله| : ( رفعت عن أمتي أربع خصال : ما اضطروا إليه وما نسوا وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا ، وذلك في كتاب الله قوله ﴿ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ﴾ وقولُ الله ﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ )[9] مرسلة السند ، والتقيّةُ داخلةٌ في الإضطرار ، والموجود في مكان التقيّة غير مضطرّ أن يصلّي فيه إذا كان قادراً على الذهاب إلى غرفة ثانية ويغلق الباب عليه ويصلّي باختياره .

الطائفة الرابعة وهي أكثر الطوائف نفعاً فيما نحن فيه وهي :

ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن علي بن الحكم(ثقة جليل القدر) عن هشام(بن الحكم) الكندي(ثقة حسن التحقيق بهذا الأمر فَتَقَ الكلامَ في الإمامة) قال : سمعت أبا عبد الله× يقول : ( إياكم أن تعملوا عملاً نُعَيَّرُ به ، فإنَّ وَلَدَ السوءِ يُعَيَّرُ والدُه بعمله ، كونوا لمن انقطعتم إليه زَيناً ، ولا تكونوا عليه شَيناً ، صَلُّوا في عشائرهم ، وعُودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير أنتم أولى به منهم ، واللهِ ما عُبِدَ اللهُ بشيءٍ أحب إليه من الخباء ) ، قلت : وما الخباء ؟ قال : ( التقيّة )[10] صحيحة السند جداً ، إلاّ أن عَيبها أنها وحيدة لا ثاني لها فيما أعلم ، إلاّ أن تقول بأنّ مصحّحة مسعدة بن صدقة السالفة الذكر تجيز الصلاة معهم لصدق أنه يوجد تقيّة رغم وجود مندوحة ، لاحِظْها مرّة ثانية ( فكلُّ شيءٍ يَعمل المؤمنُ بينهم لمكان التقية مما لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنه جائز ) ، فإنه رغم أنّ بيته قريبٌ من مسجدهم فهو يصدق عليه أنه يَصلّي بينهم كما يصلّون لمكان التقية . وقوله ( صَلُّوا في عشائرهم .. واللهِ ما عُبِدَ اللهُ بشيءٍ أحبَّ إليه من الخباء ) صريحة في جواز بل في استحباب أن يصلّي في عشائرهم بصلاتهم ، إلاّ أنها لم تقل "وأن يتوضّأ معهم" وفرقٌ بين الوضوء والصلاة .

إلاّ أن تقول بأنّ كثرةَ التحريضِ على العمل بالتقيّة وأنها (دِيني ودين آبائي ... ) تشير إلى جواز أن يتوضّأ معهم وضوء التقيّة ويصلّي معهم كصلاتهم حتى مع وجود مندوحة بالذهاب إلى بيته .

لكنْ روايات الضرورة والإضطرار قد تقف مانعاً من أن يفتي الفقيه بجواز أن يتوضّأ معهم ـ مع وجود مندوحة ـ كما يتوضّؤون ويصلّي معهم كما يُصَلّون.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo