< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لا بأس بأن يمسح على رأسه وقدمَيه وإن كان عليهما ماء
لا بأس بأن يمسح على رأسه وعلى قدميه وإن كان عليهما بلل ظاهر، فإنه لا يجب تجفيف البلل عن مواضع المسح،
ذكرنا أمس الأدلّة على ذلك ونزيد اليوم بعض كلمات فنقول :
إنّ أقصَى ما يُستشكَل به على أدلّتنا هو أنّ الأمر بالمسح بالبلّة ينصرف إلى الأفراد الغالبة، بل لا يصدق أنه مسْحٌ بالبلّة مع امتزاجها بغيرها، ولأنّ المركّب بين الداخل والخارج خارج، على أنه إنْ سلّمنا أنه ليس مسْحاً بماء جديد لكنه ليس مسحاً بالبلّة خاصّة، مع ظهور الأدلّة بالمسح بما بقي في اليد خاصّة، مع أنه لا يُقطع أيضاً في مثل ظاهر القدم باتصال تلك البلّة من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وأنّ المنساق من الأدلّة تأثّر الممسوحِ برطوبة الماسح كما في سائر موارد استعمالات المسح كمسح الرأس ـ مثلاً ـ بالدُّهن أو الطيب . هذه كلّ أدلّة علمائنا الأعلام في وجوب تجفيف مواضع المسح .
وهذه الإشكالات مردودةٌ بوضوح :
فإنّ قولهم بأنّ الأمر بالمسح بالبلّة ينصرف إلى الأفراد الغالبة هو لصالحنا وليس لصالحهم، فإنْ كان دليلُهم بأنّ الإنصراف يكون إلى الأفراد الغالبة، فإنّ الغالب في الوضوء أن تكون الناصية ـ بعد غسل الوجه ـ مبتلّةً بالماء لا جافّة، ومع ذلك لم ينبّه أئمّتـُناi على لزوم التجفيف ولو جزئيّاً مع أنه غالباً يصل إلى مواضع المسح ماءٌ، فإن استدللتم بالغلبة على الإنصراف فهذا يؤكّد مدّعانا، لأنه رغم غلبة وصول ماء إلى الناصية لم ينبّه المعصومون على هذه المسألة ممّا يكشف بنحو القطع عن عدم وجوب تجفيف مواضع المسح ولو جزئياً .
على أنه يصدق أنه مسح بالبلّة ولو مع امتزاجها بماء الناصية والقدمين، لأنّ هذه التنبـيهة من أئمّتناi بالمسح بالبلّة هي لئلاّ يأخذ الإنسان ماءً جديداً على يديه، فح نقول : لا يضرّ امتزاج بلّة الماسح بماء الممسوح على صدق المسح بالبلّة الباقية في اليد .
على أنه لو كان يُشترَط غلبةُ ماء الماسح ماءَ الممسوح فلماذا لم يُذكَر هذا الشرطُ في الروايات على كثرتها مع أنّ مناطقهم جافّة الهواء ومن المحتمل أن تجفّ أيديهم إلى حدّ ما بحيث يغلب ماء الناصيةِ ماء بلّة الكفّ ؟! وأقصى ما ورد في الروايات أن يكون على اليد بلّةٌ يَمسح بها مواضعَ المسح ولم يُذكر شرطيةُ أغلبيّة ماء الماسح على ماء الممسوح .
ومن هنا تعرف أنّ إشكالاتهم هي ـ بالدقّة ـ إشكال على المعصومين، وحكمهم بلزوم تجفيف مواضع المسح إلى حدّ تغلب رطوبة الكفّ رطوبةَ الناصية هو بالواقعِ إجتهادٌ في مقابل النصّ، لا، بل إنّ فتواهم هذه ناشئةٌ من عدم التأمّل في الروايات وأقوال القدماء، بل ليست هي إلاّ من باب التقليد الأعمى لوالد العلاّمة الحلّيN الذي ابتدع هذه الفتوى لأوّل مرّة في التاريخ، فإنّ النصوص على كثرتها لم تشترط تجفيفَ الممسوح أو تقليل الماء المتواجد على مواضع المسح، رغم أنّ غلبة رطوبة الممسوح أمرٌ متوقّع جداً وذلك لجفاف الهواء في مناطقهم الذي يسرِّعُ في تجفيف راحة اليد قبل تجفيف مواضع الشعر في الناصية، فإنّ راحةَ اليدِ ـ بحسب عدّة تجارب ـ تجفّ قبل شعر الناصية، ومع ذلك لم ينبّه أئمّتناi على لزوم غلبة ماء الماسح على ماء الممسوح ! بالله عليك أليس عدمُ التنبيه على هكذا أمرٍ متوقّعِ الحصولِ جداً أمراً عجيباً ؟!
بل لم تَرِدْ هذه المسألة في كلمات أحدٍ من الفقهاء ـ رغم التحقيق جداً ـ قبل ابن إدريس الحلّي (وفاته 598 هـ) ! ممّا يعني مسلَّميّة عدم وجوب التجفيف عند الفقهاء القدماء، ولعلّه لذلك قال ابنُ إدريس بعدم وجوب تجفيف مواضع المسح أصلاً، لا، بل قال في السرائر أكثر من ذلك قال : (إنّ من كان قائماً بالماء وتوضّأ ثم أخرج رجليه من الماء ومسح عليهما من غير أن يُدخِل يديه في الماء فلا حرج عليه لأنه ماسح بغير خلاف، وظواهرُ الآيات تقتضيه والأخبار شاملة بإطلاقها له)، ومثلُه قال المحقّق في المعتبر، قال : (إنه لو كان في الماء وغسل وجهَه ويديه ثم مسح برأسه ورجليه جاز لأنّ يديه لم تنفكّّ من ماء الوضوء ولم يضرّه ما كان على القدمين من الماء)، ولم يذكر خلافاً ولا إشكالاً في ذلك على خلاف عادته جداً . وكذلك نصّ ابنُ الجنيد على جواز المسح على الأرجل رطبتين[1] .
والنتيجة هي أنه في هذه المسألة يجب المسح على مواضع المسح حتى ولو كان على الممسوحِ ماءٌ طالما لم يأخذِ الشخصُ ماءً جديداً على يديه، وأقصى ما يجب هو تأثير ماء الماسح في الممسوح ولو كان ذلك برطوبة قليلة على الماسح ومنضمّاً مع رطوبة الممسوح، بل ولو مع غلبة ماء الممسوح على ماء الماسح، وهذا الحكم واقعي لا ظاهري، وإنّ تجفيفَ مواضعِ المسح بِدعةٌ في دين الله يجب على العلماء الأعلام أن ينبّهوا عليها مقلّديهم لأنّ كلّ المؤمنين صاروا يجفّفون مواضع المسح دائماً، بل صاروا يضعون مناشفَ في المساجد لتجفيف الأرجل قبل مسحها ! ليتأكّدوا من عدم وجود بلل ظاهر أي لتحقيق غلبة ماء الماسح على ماءِ الممسوح حتى صارت سنّة عمليّة بين المؤمنين آجرهم الله !!! أعاذنا الله من قلّة التدبّر في أحكام دين الله جلّ وعلا . وما ستراه في المسألة التالية يؤيّد ما ذكرناه هنا .
* * * * *

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo