< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لا يجب تجفيفُ مواضعِ المسح
لا بأس بأن يمسح على رأسه وعلى قدمَيه وإن كان عليهما بلل ظاهر، فإنه لا يجب تجفيف البلل عن مواضع المسح،
من المسائل المجمَع عليها في دين الإسلام عدمُ وجوبِ تجفيف مواضع المسح في الوضوء وإنْ غَلَبَ ماءُ الممسوح ماءَ الماسح، بل هي من المسلّمات الفقهيّة مِن زمن رسول الله الأعظمw إلى زمن المحقّق الحلّيS إلى حدٍّ لم ينبّه عليه أحدٌ من المعصومين iولا مِنَ الفقهاء أصلاً رغم أنه محلُّ ابتلاءٍ دائم كلّ يوم ولكل مسلم في العالم . فأنت حين تقول لأيّ إنسان : إغسل وجهَك ويديك وامسح ببلّة يديك ناصيتَك وظاهرَ قدميك ولا تقول له : "إنتبهْ، لا يصلِ الماء إلى الناصية، وجفّفْ مواضعَ المسح قبل أن تمسح عليها"، بل تقول له : إحتط وأدخِلْ جزءً من ناصيتك ضمن وجهك من باب المقدّمة العلمية لتُحرز غسل وجهك كلّه، فهو ـ كمتديّن ـ من الطبيعي أن يُدخل جزءً من ناصيته ضمن غسل وجهه ويبالغ إلى حدّ عقلائي أو غير عقلائي ـ أي بشكل وسواسي ـ وسيصل إلى ناصيته ماءٌ دائماً أو غالباً، ومع ذلك كان كلّ المسلمين في العالم طيلة 700 سنة ( إلى ما بعد زمان المحقّق الحلّي)، في محضر المعصومينi منها : 342 سنة (13 سنة قبل الهجرة + 329 سنة بعدها) كانوا يتوضّؤون بهذا الشكل الفطري والطبيعي، ولم يذكر لهم أحدٌ ـ لا معصوم ولا غير معصوم ـ أنه إنْ وَصَلَ ماءٌ كثيرٌ إلى رأسك أو قدميك فجفّفه أوّلاً ليغلِبَ ماءُ الماسح ماءَ الممسوح وإلاّ ـ إن لم تجفّف ـ فسيكون الوضوء باطلاً .
وبتعبيرٍ آخر : لم يَرِد في الآيات ولا في الروايات ـ حتى في أضعف الروايات ـ لزومُ تجفيف مواضع المسح في الوضوء مع أنه محلُّ ابتلاء يومي، فإنّه لو كان واجباً ـ ولو من باب الإحتياط ـ لورد فيه الكثيرُ من الروايات، لأنّ كل إنسان يتوضّأ سيصل إلى رأسه ماءٌ غالباً أو دائماً، خاصّةً إذا كان قليلَ الشعر على الناصية فإنه دائماً سيصلُ ماءٌ إلى رأسه على فرض عدم التنبيه على لزوم أغلبية ماء الماسح على ماء الممسوح .
وأيضاً روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حَمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر t: > ألا أحكي لكم وضوء رسول الله w؟ < فقلنا : بلى، فدعا بقَعْبٍ[1] فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال ( هكذا، إذا كانت الكف طاهرة )، ثم غَرَفَ مِلأها ماءً فوضعها على جبهته ثم قال ( بسم الله )، وسدله على أطراف لحيته، ثم أمَرَّ يده على وجهه وظاهرِ جبهتِه مرة واحدة، ثم غَمَسَ يدَه اليسرى فغرف بها مِلأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمَرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماءُ على أطراف أصابعه، ثم غَرَفَ بيمينه مِلأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمَرَّ كفَّه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه، ومسح مقدم رأسه ... [2] صحيحة السند، وهي تفيد استحباب أن يبتدئ المتوضّئ ـ عند إرادته صبّ الماء على وجهه ـ بجبهته، بأن يصبّ الماءَ على جبهته، وهذا بشكل طبيعي ـ مع عدم التنبيه على عدم إيصال الماء إلى الناصية ـ سوف يوجِبُ وصولَ الماء إلى ناصيته، ولا من معارِضٍ لهذه الروايات الكثيرة، وهذا منبّهٌ قويّ على عدم تأثير وجود الماء على مسح الناصية .
وكذلك إذا دخل إنسان إلى مكان الوضوء في المساجد فإنه سيصل ماء إلى قدميه عادةً من نفسه أو من غيره، خاصةً إذا نزل في حوض الماء، ممّا يستدعي ـ لو وجب لزوم أغلبية ماء الماسح على ماء الممسوح ـ التنبيهَ عليه حتماً، بل كلّ المتديّنين يوصلون الماء عمداً إلى نواصيهم ليتأكّدوا من وصول الماء إلى كلّ الوجه، وحتى إذا كان الشخص في الحمّامات العموميّة التي كانت منتشرة جداً في عصر المعصومينi فإنّ الرطوبة تكون كثيرة أيضاً على الرأس والقدمين، ومع ذلك لم ينبَّه في الروايات على لزوم أغلبية ماء البلّة على ماء الممسوح، بل إنّ الهواء يكون في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة والكوفة ـ أماكن صدور الروايات وأماكن أركان الرواة ـ جافاً جداً بحيث يجفّ ما على راحة اليدين بسرعة أو يقلّ ورغم ذلك لم ينبِّه أئمّتُناi على وجوب أغلبية ماء الماسح على ماء الممسوح .
وأقصى ما ورد في الروايات لزومُ أن يكون المسح ببلّة ما على اليدين ـ لا أكثر ـ لِذِكْرِ ذلك في الروايات الصحيحة[3] .
وأقصَى ما يُستشكَل به على هذا الكلام هو أنّ الأمر بالمسح بالبلّة ينصرف إلى الأفراد الغالبة، بل لا يصدق أنه مسْحٌ بالبلّة مع امتزاجها بغيرها، ولأنّ المركّب بين الداخل والخارج خارج، على أنه إنْ سلّمنا أنه ليس مسْحاً بماء جديد لكنه ليس مسحاً بالبلّة خاصّة، مع ظهور الأدلّة بالمسح بما بقي في اليد خاصّة، مع أنه لا يُقطع أيضاً في مثل ظاهر القدم باتصال تلك البلّة من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وأنّ المنساق من الأدلّة تأثّر الممسوحِ برطوبة الماسح كما في سائر موارد استعمالات المسح كمسح الرأس ـ مثلاً ـ بالدهن أو الطيب . هذه كلّ أدلّة علمائنا الأعلام في وجوب تجفيف مواضع المسح .



[1] هو (الجاط) بالتعبير اللبناني، الذي يسع ماء بقدر ليترين تقريباً ..
[3] من قبيل ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر t: ( إنّ الله وِترٌ يحبّ الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاثُ غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلّة يمينك ظهرَ قدمِك اليمنى وتمسحُ ببلّة يسارك ظهرَ قدمِك اليسرى .< (ئل 1 ب 15 من أبواب الوضوء) ولذلك كان المسح بالبلّة هو المشهور جداً عند الأصحاب ولم يُنقل الخلاف في ذلك إلاّ عن ابن الجنيد الإسكافي !

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo