< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تحديد الكعبين
والكعبان هما قبتا القدمين على المشهور، وهما المفصل بين الساق والقدم على قول بعضهم، وهو الأحوط وجوباً .
أقول : الظاهر أنّ الكعب هو أعلى ظهر القدم الملاصِق تماماً بالمفصل، فكلمة (كعبة) تعني المكان المرتفع، و ( كواعب أتراباً) أي اللواتي ثديُهنّ مرتفع أي الشابّة، ولذلك هو ـ عملياً ـ المفصل من جهة ظاهر القدم لا من جهة جانبَي الساق، فهو أعلى مِنطَقة في ظهر القدم، وقلنا (عملياً) لوجوب أن يكون المسح إلى الكعب، وزيادة، فيصير المسح إلى المفصل قطعاً، من باب المقدّمة العلميّة، كما نقول ذلك أيضاً في المرافق (في الوضوء) وفي السعي والطواف وغيرها .
قيل هذا هو المشهور بين الإمامية، بل ادُّعي عليه الإجماع،
ويدلّ على ذلك الرواياتُ الصحيحة السابقة من قبيل ( وتمسح رأسك ورجليك ) و (... وتمسح ببلة يمناك ناصيتَك، وما بقي من بلة يمينك ظهرَ قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى )، فإنّ قولهt ( ورجليك ) و ( ... وتمسح ببلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى ) مع علمنا أنّ المسح يجب أن يكون إلى الكعبين معناه أنّ الكعبين هما قرب المفصل تماماًً كي يصدق أنهمi مسحوا ظهر القدم، ولذلك أمروا iبمسح ظهر القدم، ولو فرضنا أنّ الكعب هو إلى وسط ظهر القدم مثلاً ـ أي قبل المفصل بـ 2 أو 3 سنتم مثلاً ـ لذكروا ذلك في الروايات مع أنهمi كانوا ـ ظاهراً ـ يمسحون كل ظاهر القدم أي إلى المِفصل عملياً ممّا يعني أنّ ما يلاصق المفصل هو الكعب وهو أعلى مِنطَقة في ظهر القدم .
ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً ما رواه زرارة وبكير ـ في صحيحتهما السالفة الذكر ص 827 ـ ( ... إن الله تعالى يقول[ يا أيها الذين آمنوا إذ أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ] فليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلا غسله، وأمَرَ بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له اَنْ يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلا غسله، لأنّ الله تعالى يقول[ فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق] ثم قال [ وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين ] فإذا مسح بشي من رأسه، أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه )، قال : فقلنا أين الكعبان ؟ قال : ( هاهنا، يعني المفصل دون عظم الساق )، فقلنا : هذا ما هو ؟ فقال : ( هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك )[1] أي أنّ الكعْبَ هو أسفل من الساق مباشرةً، وهو يعني أنّ الكعب والساق متلاصقان، أي آخر نقطة من ظاهر القدم الملاصقة للمفصل.
وقيل : بل هو ما قبل المفصل بـ 2 ـ 3 سنتم، وهو ما يلاحظه الإنسان من قُبّةٍ خفيّة في وسط ظاهر قدمه، نُسب ذلك إلى المقنعة، بل في التهذيبِ الإجماعُ على أنه معقد الشراك، ومثلَه قال في الإشارة والغنية والإنتصار والمهذّب والمراسم والسرائر والخلاف والجمل والعقود والنافع ومجمع البيان، ونُسب إلى الكافي والمبسوط، بل نسبه في الروضة إلى أصحابنا، ومن المعاصرين : الشيخ علي بن الشيخ باقر ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (1340 هـ) والسيد محمد بن السيد محمد باقر الفيروزآبادي اليزدي (1345 هـ) والسيد عبد الهادي الشيرازي (1382 هـ) والسيد الحكيم (1390 هـ) والإمام الخميني (1409 هـ) حشرني اللهُ معهم . وعن المدارك ( إنّ اللغويين من الخاصّة متّفقون على أنّ الكعب هو الناتئ في ظهر القدم ... بل الظاهر أنه لاخلاف بين أهل اللغة في ذلك وإنِ ادّعى العامّةُ إطلاقَه على غيره أيضاً ).
أقول : لا يمكن الركون إليهم بعد صحيحة زرارة وبكير السابقة قال فقلنا : أين الكعبان ؟ قال : ( هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق )، فقلنا : هذا ما هو ؟ فقال : ( هذا من عظم الساق، والكعبُ أسفلُ من ذلك ) أي أنّ الكعب أسفل من الساق مباشرةً، وهو يعني أنّ الكعب والساق متلاصقان، وبعد الوضوءات البيانية التي يأمر فيها أئمّتُناi أو يمسحون فيها كل ظاهر القدم .
ولذلك ترى بعض علمائنا يذكرون أن الكعب هو عند المفصل ومتّصلٌ به عرفاً، أذكر بعضهم :
1 ـ قال العلاّمة في التحرير : ( إنّ الكعبين هما المفصلان اللذان يجتمع عندهما القدم والساق).
2 ـ وقال في القواعد : ( هما حدّ المفصل بين الساق والقدم) .
3 ـ وقال في التذكرة : ( إنهما العظمان في وسط القدم وهما معقد الشراك أعني مجمع الساق والقدم) .
4 ـ وقال الشيخ البهائي : (إنه ملتقى الساق والقدم) وادّعى إطباق كلمات الفقهاء عليه .
أقول : هنا أربع نـِقاط :
الاُولى : لا شكّ أنّك تلاحظ تردّدَ أكثر علمائِنا في حاشية العروة الوثقى في تحديد الكعب بدليل أنهم احتاطوا جميعاً، ولم يذكر واحدٌ منهم الكَعْبَ بضرسٍ قاطِع ـ رغم أنهم 23 مرجعاً في التعليقات المعروفة[2] ـ إلاّ خمسة منهم الذين أسلفنا أسماءَهم، فإنهم قالوا بأنه قبّة القدم وليس المفصل . والعجب أنه لم يقل واحد من هؤلاء المعاصرين أنه المفصل أو ما تحته مباشرةً، أي آخر نقطة من أعلى القدم الملاصق للمفصل، رغم ظهور الآية في ذلك، ورغم وجود رواية صحيحة تدلّ على ذلك أيضاً !!
الثانية : يُحتمَلُ جدّاً أن يكون المرادُ بالكعبين هما النتوءان الموجودان على الجانبين، بين القدم والساق، وليس هو في ظاهر القدم، فلا أعرف أنّ العرب يطلقون كلمة (كعب) على المفصل أو ما قبله بـ 2 ـ 3 سنتم، فالكعب يجب أن يكون واضحاً عند العرب وضوح الشمس، لأنّ القرآن نزل نوراً وهدى وتبياناً لكلّ شيء، ونزل بلسان العرب، وأستبعد أن يوجد عربيّ يدّعي أنّ المفصل أو ما تحته بقليل هو الكعب، وأمّا من ادّعى ذلك فقد تأثّر بكلام الفقهاء فقط . على أيّ حال فإذا مسح الإنسانُ إلى هذين النتوءين جانبي القدم معاً ـ أي وصل إليهما بإصبعه الوسطى وبإبهامه ـ فقد فعل المستحبّ، وهو مسْحُ كلّ ظاهر القدمين .
الثالثة : أمّا نحن فلا يهمّنا هذا الخلاف، بعد أن صرّحت الرواياتُ السابقة الصحيحة السند بكفاية مسح شيء من ظاهر القدمين .
والنقطة الرابعة : هو أنه بناءً على وجوب أن يكون المسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، ومع التردّد في تحديد الكعب، لا شكّ ـ عند كلّ العلماء ـ في وجوب الرجوع إلى أصالة الإشتغال، ولا يقول أحدٌ بالرجوع إلى أصالة البراءة ـ بذريعة أنه شكّ في التكليف الزائد ـ وإنما يرَون أنّ التكليف معلوم، وأنه إلى الكعبين، إلاّ أننا لا نعرف محلّ الكعبين، فيكون الموردُ ـ لا محالةَ ـ موردَ الشكّ في امتثال المكلّف به . وبتعبير آخر : لا شكّ في أنّ المسح يجب أن يكون إلى الكعب، فمع الشكّ في أننا هل مسحنا إلى الكعب، أو قُلْ هل حقّقنا الطهارةَ المأمورَ بها بهذا المسح إلى ما قبل المفصل بـ 2 ـ 3 سنتم أم لا، فالأصل العدمي يقتضي أننا لم نحقّقه بعدُ .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo