< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأفضلُ في مسح الرأس أن يكون بطول إصبع

الأفضلُ في مسح الرأس أن يكون بطول إصبع أو قُلْ أن نمسح كلّ الناصية وذلك للروايات السابقة من قبيل :

1 ـ ما رويناه قبل قليل عن زرارة في صحيحته ( ومَسَحَ مقدَّمَ رأسِه ، وظهْرَ قدميه ببلة يساره ، وبقية بلة يمناه )[1] ، قال وقال أبو جعفر ×( .. وتمسح ببلة يمناك ناصيتك )[2] . ومقدار مقدّم الرأس هو إصبع ، وهو الناصية ، ومِثْلُها ما بَعدها .

2 ـ صحيحته الثانية ( ثم مسح ببَلّة ما بقي في يديه رأسَه ورجليه ، ولم يُعِدْهُما في الإناء)[3] . وقوله "رأسَه" أي كلّ رأسه ، وبما أنّ هذا خطأ قطعاً ، يتعيّن أن نقول (كلّ مقدّم رأسه) ، ومِثْلُها ما بَعدها .

3 ـ صحيحة عمر بن أذينة ( ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك ... )[4] .

4 ـ مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال : ( يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه )[5] ، وهي من مراسيل أصحاب الإجماع ، فهي مصحّحة المتن بناءً على هذا . وما يفهمه الإنسانُ من لزوم أن يدخل إصبعه ـ وليس نصف إصبعه ولا مقدار إصبعتين ـ هو أن يكون مقدارُ المسح حوالي إصبع .

5 ـ موثّقة الحسين بن المختار القلانسي قال قلت لأبي عبد الله× : رجل توضأ وهو معْتَمّ ، فثقُل عليه نزْعُ العمامة لمكان البرد ، فقال : ( لِيُدْخِلْ إصبَعَه )[6] موثّقة السند ، ولم يَقُلْ ( لِيُدْخِلْ بعضَ إصبعه ) ، ممّا يفيدنا استحباب أن يكون المسحُ بطول إصبع .

كلّ هذا يفيد قطعاً استحباب أن يكون مقدار المسح ـ طولاً ـ مقدار إصبع .

وإن كان لا يجب كونُه من الأعلى إلى قصاص الشعر ، فيجزي النكس ، دليلُنا إطلاقُ الروايات من قبيل :

1 ـ ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) ، وعن أبي داود جميعاً عن الحسين بن سعيد عن فُضالة(بن أيوب) عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله× يقول : ( إنّ أبي كان يقول : إنّ للوضوء حداً مَن تعدّاه لم يؤجَر ، وكان أبي يقول : إنما يُتَلَدَّد ، فقال له رجل : وما حدُّه ؟ قال : تغسل وجهك ويدك ، وتمسح رأسك ورجليك )[7] صحيحة السند . ومعنى يُتَلَدَّد أي يخاصمون الله بالوسوسة ، من اللدَد وهي المخاصمة أي يخاصمون الله تعالى في تعمّقهم في الغسل ويغسلون كثيراً ويقولون هو إسباغ الوضوء ! وهي تصرّح أنها في مقام بيان حدّ الوضوء ، ولم تحدّد كيفيةً خاصّة لمسح الرأس.

2 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر× : ( ... وتمسح ببلة يمناك ناصيتَك ، وما بقي من بلة يمينك ظهرَ قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى ) صحيحة السند ، وهي أيضاً في مقام البيان ، فيصحّ ـ إذَنْ ـ التمسّكُ بالإطلاق .

3 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وبكير أنهما سألا أبا جعفر× عن وضوء رسول الله |... ثم قال ×: ( إنّ الله تعالى يقول ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاةِ فاغسِلوا وجوهَكم وأيديَكم [8] ... فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه )[9] ، قال فقلنا : أين الكعبان ؟ قال : ( هيهنا ، يعني المفصل دون عظم الساق ) ، فقلنا : هذا ما هو ؟ فقال : ( هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك ) ، فقلنا : أصلحك الله فالغَرفة الواحدة تجزي للوجه وغَرفة للذراع ؟ قال : ( نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان على ذلك كله ) صحيحة السند ، وهي وما بعدها ـ كسابقتيهما ـ في مقام البيان والعمل .

4 ـ وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله× ـ في حديث طويل ـ : ( أنّ رسول الله| قال : لما اُسري بي إلى السماء أوحى الله إليَّ يا محمد اُدْنُ من (صاد) فاغسل مساجدك وطهرها وصلِّ لربك . فدنا رسول الله| من (صاد) وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقّى رسول الله| الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ، ثم أوحى الله إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر إلى عظمتي ، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنك تلقى بيديك كلامي ، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك ... )[10] صحيحة السند .

فالأئمّة^ حين يعلّمونا كيفيةَ المسح لا يلفتونا إلى لزوم كونه من قبّة الرأس إلى قصاص الشعر ، فنأخذ بإطلاق كلامهم ، وهو ما يعبّر عنه بالإطلاق الأحوالي ، ولذلك اشتهر القولُ بجواز النكس في مسح الرأس .

يؤيّد هذا ما رويناه قبل قليل ـ على بعض النسخ ـ عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله× قال : ( لا بأس بمسح الوضوء مقبِلاً ومدبِراً )[11] ، على أنه يُحتمَل تعدّدُ الرواية أيضاً .

فإن قلتَ : لكن روى يونس ـ في روايته السابقة ـ قال : أخبرني مَن رأى أبا الحسن× بمِنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : ( الأمرُ في مسح الرجلين موسَّع ، مَن شاء مَسَحَ مقبِلاً ، ومن شاء مسح مدبِراً فإنه من الأمر الموسَّع إن شاء الله )[12] وبمفهوم اللقب نعرفُ أنّ الأمر في مسح الرأس غير ُموسّع ، فلا بدّ أن يكون المسحُ مقبلاً ، كما يقتضي الإرتكاز والسيرة أيضاً .

قلتُ : أوّلاً : هذه الرواية ضعيفة السند . ثانياً : قد لا يكون هناك رجحانٌ لكيفيّةٍ على كيفية في مسح القدمين بخلاف المسح على الرأس ، فإنه من المحتمل كونُ المسح في الرأس مقبلاً أولى من المسح مدبراً .

وإن استدللت على جواز النكس بإطلاق الآية الكريمة الآمرة بالمسح ، على أساس أنه يقتضي جواز المسح نكساً على الرأس ، فيَرِدُ عليه أنّ الباري تعالى ليس ـ في الآية الكريمة ـ بصدد بيان جميع جهات الوضوء كي يُتمسّك بإطلاق الآية .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo