< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسح الرأس بما بقي من البَلَّة في اليد

الثالث : مسح الرأس بما بقي من البلة في اليد كتاباً وسُنّةً وإجماعاً من المسلمين .

أمّا كونه (بما بَقِيَ من البلة في اليد) فللروايات البيانيّة السالفة الذكر ، ولكثرتها يكفي أن نذكر بعض الروايات فقط ، للتبرّك :

1 ـ فقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حَمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر (... ومسح مقدم رأسه ، وظهر قدميه ببلة يساره ، وبقية بلة يمناه ) ، قال وقال أبو جعفر (عليه السلام) : ( إن الله وتر يحب الوتر ، فقد يجزيك من الوضوء ثلاثُ غَرْفات : واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى )[1] صحيحة السند . فإن احتملتَ أن تكون جملة ( وتمسح ببلة يمناك ناصيتَك ) معطوفة على ( فقد يجزيك .. ) فيصير المعنى ( وقد يجزئك أن تمسح ببلّة يمناك ناصيتك ) فيكون الجواب : إنه لم يتّضح هذا العطف ، فيجب ح أن نأخذ بالقدر المتيقّن وهو لزوم أن يكون المسح ببلّة اليد .

2 ـ ومثلها أيضاً ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل ـ : ( أنّ رسول الله | قال : لما اُسري بي إلى السماء أوحَى الله إليَّ : يا محمد اُدْنُ من (صاد) فاغسل مساجدك وطهرها وصلِّ لربك ، فدنا رسولُ الله | من (صاد) وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقّى رسول الله | الماءَ بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ، ثم أوحى الله إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر إلى عظمتي ، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنك تلقى بيديك كلامي ، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك ... ([2] صحيحة السند ، فإن قلتَ : قد تفيد هذه الرواية استحباب أن يكون المسحُ من فضل اليد ، لأنّ حال المعراج يناسبه أن يقوم رسول الله بأفضل الوضوءات ، قلتُ : لا يمكن التيقّن بهكذا احتمال ، والظاهرُ أنّ الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الوضوء الصحيح وأسرارِه ، ومع الشكّ ، علينا أن نعمل بالقدر المتيقّن ، وهو مفاد الرواية .

3 ـ ومثلهما ما رواه في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن عثمان(بن عيسى ثقة كان واقفياً وقيل رجع إلى الرضاt) عن (عبد الله) ابن مُسكان عن مالك بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( مَن نسي مسْح رأسِه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه فإنْ كان في لحيته بللٌ فليأخذ منه وليمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليُعِدْ الوضوءَ )[3] ، ويمكن تصحيح متن الرواية من باب أنها ممّا رواها أحدُ أصحاب الإجماع وهو ابن مُسكان ، ويمكن تصحيح السند من باب أنّ مالك بنَ أعين ممّن روى عنه في الفقيه مباشرةً فيكون من أصحاب الكتب التي إليها المرجع وعليها المعوّل .

4 ـ وروى في الفقيه قال : قال الصادق (عليه السلام) ( إن نسيت مسحَ رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحيةٌ فخُذْ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء )[4] ، وهي صحيحة لبنائنا على حجيّة خبر الثقة في نقل الروايات بشرط احتمال كون نقله عن حسّ ـ كنقل وثاقة الرواة البعيدين عن النجاشي والطوسي ـ .

5 ـ ومثلها ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير وفضالة عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين قال ( حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله | ، فدعا بقدح من ماء ، فأدخل يده اليمنى فأخذ كفّاً من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعاً ، ثم أعاد اليسرى في الاناء فأسدلها على اليمنى ، ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء ، ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ، ثم مسح ببَلّة ما بقي في يديه رأسَه ورجليه ، ولم يُعِدْهُما في الإناء )[5] صحيحة السند . وإنْ قلتَ : العمل لا يفيد الوجوب ، فقد يكون عمَلُ النبيّ | هنا من باب الإستحباب لا من باب الوجوب ! قلتُ : بلَى ، صحيح ، لكن مع إعادة اليد في الإناء يشكّ الإنسان المتوضّئُ في حصول الوضوء ، ولا محلّ هنا لجريان البراءة ، لأنّ البراءة محلّها الاُمور المركّبة كالصلاة ، أمّا الوضوء فالمراد منه النتيجة ، وهي الطهارة ، فالطهارة هي شرط الصلاة ، وليس الوضوءَ المركّب ، هذا ما نفهمه من آيات التطهير والروايات ، من قبيل قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ ، وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ، مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ، وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) ﴾ [6] ومثلُها غيرُها ، وهي صريحة في كون الغاية هي الطهارة .

هذا ، ولكن ورد في بعض الرواياتِ وجوبُ أن يأخذ ماء جديداً للمسح على الرأس ، ويجب حمل هذه الروايات على التقيّة ، قال السيد محسن الحكيم في المستمسك : ( وأما ما في موثق أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسح الرأس ، قلت : أمسح بما على يدي من الندى رأسي ؟ قال : ( لا ، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح ) ، وخبر جعفر بن عمارة قال : سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) أمسح رأسي ببلل يدي ؟ قال : ( خذ لرأسك ماءً جديداً ) ، ونحوُهما خبرُ معمر بن خلاد ، فهي صريحة في المخالفة لجميع ما تقدم ، وغير معمول بها حتى من ابن الجنيد ، فلا بد إمّا مِن طرْحِها ، أو حملِها على التقية ، لموافقتها لمذهب كثير من العامة ، كما عن الشيخ رحمه الله .

وأمّا ما عن ابن الجنيد من جواز المسح بماء جديد فيشهد له إطلاق الآية والنصوص التي ورد بعضها في ناسي المسح ، وقد يستدل له بما في خبر أبي بصير الوارد في مَن ذَكَرَ وهو في الصلاة من قوله (عليه السلام) ( وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة وليمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه وليمسح به رأسه ) ، لكن اطلاق الآية وغيرها مقيد بما عرفت ، والخبر ليس مما نحن فيه ، لوروده في الشك الذي هو مورد قاعدة الفراغ ، فالمسح فيه غير واجب . فتأمل . ولو سلم فلا يصلح لمعارضة ما تقدم . ولا سيما مع حكاية الإجماعات على خلافه . هذا وسيجئ التنبيه على اعتبار كون المسح ببلل اليد دون غيره أو عدمه في المسألة الخامسة والعشرين فانتظر) (إنتهى ما في المستمسك)ط الاسلامية [7] .

فالمسألة واضحة ، ومع التنزّل عن بعض ما نقول فلا شكّ في كون الإحتياط الوجوبي هو سيّدُ الموقف في مثل هكذا حالة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo