< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/01/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة فروع الوضوء

مسألة 14 : إذا انقطع لحمٌ من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع[1] لأنه من ظاهر اليد ، ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً ما دام لم ينفصل وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة لأنه أيضاً من اليد ، ولا يجب قطعه ليُغسَلَ ما تحت تلك الجلدة طالما كان يُعَدُّ مِنَ اليد 405.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

405 يفهم من الآية والروايات وجوبُ غسْلِ اليدين ، وعليه فلو انقطع لحمٌ من اليدين لوجب غسلُ ما ظهر بعد القطع ، لكونه من اليد ، كما ويجب غسل ذلك اللحم ما دام لم ينفصل ـ وإن كان اتصاله بجلدة ـ وذلك لأنه يُعَدُّ عرفاً من اليد .

* * * * *

مسألة 15 : الشقوق التي تحدث على ظهر الكَفّ مِن أثر البرد إن كانت وسِيعَةً يُرَى جَوفُها[2] فإنه يجب إيصالُ الماءِ إليها ، إذا عُدّ الجوفُ مِنَ ظاهر اليد ، فإنه ليس كلّ باطن يجب غسله ، كما لو وصل جرح اليد إلى العظم فإنه لا يجب غسل العظم ، وكما لو فُتِحَتْ بَطْنُ الإنسان فإنه لا يجب غسل داخل بطنه في الغُسل ، فليس كلّ مرأيّ في أعضاء الوضوء هو من الظاهر الذي يجب غسله ، وعليه فإنْ عُدّ مِنَ الباطن فلا يجب غسله ، ومع الشك في صيرورة ما في الباطن من الظاهر فإنه لا يجب غسْلُه ، وذلك لاستصحاب كونه من الباطن406.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

406 قد يقال : هذا الإستصحاب أصلٌ مثْبِت ، لأنك بهذا الإستصحاب تُثْبِتُ أنّ هذا من الباطن ـ وكونُه (من الباطن) أثرٌ عقلي ـ إذن فلا يجب غسله ، فالأثرُ الشرعي ـ أي عدم وجوب الغسل ـ ترتّبَ على (كونه من الباطن) . وحتى عدمُ وجوب غسل هذا المحلّ ليس من الأحكام الشرعيّة ، فإنّ الأثر الشرعي هو حصول الطهارة ، فإنها هي شرط الصلاة ، وأمّا وجوب غسل هذا العضو فإنه وجوب عقلي ، لأنه مقدّمة داخليّة لتحصيل الوضوء .

فأقول : ليس الإستصحاب هنا من الأصل المثبت ـ كما ذهب إلى ذلك جمعٌ من العلماء كالسيد السبزواري في مهذّب أحكامه ـ وذلك لأننا لا نريد إثبات عنوان (أنه من الباطن) ، ثم نقول لا يجب غسله ، وإنما نقول بأنّ استصحاب كونه من الباطن يُثْبِتُ مباشرةً عدمَ وجوب غسله ، ولا مانع عقلي من ترتّب عدمِ وجوب الغَسل على استصحاب كونه من الباطن ، ووجوبُ الغَسل أثرٌ شرعي حتى ولو كان مقدّمةً داخليّة للوضوء ، فعدمه أيضاً أثر شرعي . وبتعبير آخر : لو سألتَ الباري تعالى عن غَسْلِ اليد لقال لك هو واجب ، لأنه جزء داخلي من الوضوء ، وهذا يكفي في كونه أثراً شرعياً ، وليس المطلوب في الأثر الشرعي أن يكون تشريعه بنحو الإستقلال ، أصلاً وأبداً ، وذلك كما نستصحب أيّ شيء من الشبهات الموضوعيّة ، فلو استصحبنا مثلاً كريّةَ الماء الموجود على السطح فإنه يَثبت عِصمتُه ، وبالتالي تَثبتُ طهارةُ الماء المتنجّس الموجودِ في البيت التحتاني ـ تحت السطح ـ الذي فتحنا عليه الحنفيّةَ ووصلناه بماء خزّان السطح . ولا يقول أحدٌ بأنّ استصحاب كريّة الخزّان يُثبِت كُرّيّتُه ، وهو أثر تكويني ! وإنما كلّ العلماء يستصحبون الكريّة ، ولا يرون ذلك الإستصحابَ من الأصل المثبت . وكذا إن استصحبنا بقاء حياة زيد المفقود ، فإننا نقول ـ ككلّ العلماء ـ نُـثْبِت بذلك مباشرةً بقاءَ زوجيّة امرأته وعدمَ جوازِ توزيع تركته ، ولا نقول هذا أصل مثبت .

وأمّا مثالُ الأصل المثبت فهو ما لو كان شخص قاعداً تحت حائط مائل ، وصادف أن وقع الحائط ، ولم نعلم أنّ هذا الشخص كان لا يزال ـ حين وقع الحائطُ ـ تحت الحائط أم لا ، ففي هكذا حالة لا يمكن لنا أن نقول لزوجته اعتدّي وأن نوزّع تركته ، بناءً على استصحاب بقائه تحت الحائط !! فإنّ هذا الإستصحاب هو أصل مثبت بلا شكّ ، وذلك لأنّ ما يترتّب على استصحاب بقائه تحت الحائط هو (وقوع الحائط عليه) أوّلاً ثم (موته) ، و(وقوع الحائط عليه) أثر تكويني واضح ، ولا يصحّ أن نرتّب الإعتدادَ وتوزيع التركة على أثر تكويني وهو (وقوع الحائط عليه) . فالأمر دقيق .

توضيح المثالين السابقين ببيان آخر : إذا فُقِدَ الزوجُ فإننا نستصحب بقاء حياته ، فلا تعتدّ زوجتُه عدّةَ الوفاة ولا يقسّمُ مالُه ، وأمّا إذا كان قاعداً تحت حائط مائل ووقع الحائطُ إلى جهته ، وشككنا في بقاء الزوج تحت الحائط حين وقوعه ، بحيث لو كان باقياً تحته لمات قطعاً ، فإننا لا نستصحب بقاءَه تحت الحائط ـ بالإجماع ـ ولا تَعتدُّ زوجتُه ، ولا يقسّم مالُه . فما الفرق بين الحالتين ؟

الجواب : في الحالة الاُولى ترتّبت الآثارُ الشرعيّة على استصحاب (بقاءِ حياة الزوج) مباشرةً ، وأمّا في الحالة الثانية فقد ترتّبت الآثار الشرعيّة على (وقوع الحائط على الزوج) أوّلاً ثم (موته) ، وبين الحالتين فرقٌ واضح ، أي أنّ استصحاب (بقاء حياة الزوج) ـ في المثال الأوّل ـ ترتّبت عليه هذه الآثارُ الشرعيّة المذكورة مباشرةً ، وأمّا في المثال الثاني فقد استصحبنا (بقاءَ الزوج تحت الحائط) وترتّب على بقائه تحته (وقوعُ الحائط عليه) وترتّب على بقائه تحته (موتُه) ، وهذه آثارٌ تكوينيّة ، ثم نحن نريد أن نرتّب الآثار الشرعيّة ـ أي اعتداد الزوجة وتقسيم التركة ـ على هذه الآثار التكوينيّة !! فهنا الأصلُ المثبت الواضح . أي أننا إذا أردنا أن نرتّب الآثار الشرعيّة فإنّ هذه الآثار سوف تترتّب على (وقوع الحائط على الزوج) أوّلاً وبالتالي على (موته) ثانياً ، و(وقوعُ الحائط عليه) ثم (موته بهذا الهدْم) هي آثار تكوينيّة واضحة .

* ثم إننا لا نجري استصحابَ عدم وجوب الغسل ، وذلك لأننا ننظر دائماً إلى موضوع الحكم ، ولا ننظر إلى الحكم مع غضّ النظر عن موضوعه ، وذلك لأنّ الحكم ما هو إلاّ ظلّ ومعلول للموضوع .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo