< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : آخر مكروهات الوضوء

وذكرنا باقي الكلام في (فَصْلٌ في الأسآر) من قبيل ما رواه في التهذيبين عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز عن الفضل أبي العباس قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهِرَّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه ؟ فقال : ( لا بأس به ) حتى انتهيتُ إلى الكلب فقال : ( رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصببْ ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء )[1] صحيحة السند ، فراجع .

ولكنه روى في يب عن الحسين بن سعيد عن (محمد) ابن سنان (موثّق عندي لعدّة قرائن) عن (عبد الله) ابن مسكان (ثقة عين) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسنور ، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك ، أيتوضأ منه أو يغتسل ؟ قال : ( نعم ، إلا أن تجد غيرَه فتَنَزَّهْ عنه )[2] مصحّحة السند .

وروى يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) : سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً أو ميتاً ؟ قال (عليه السلام) : ( لا يَضُرُّه ، ولكنْ يَغسل يده ) ، فإنه يستفاد منها كراهة التوضّي من ماء مسّه الثعلب أو الأرنب وشيء من السباع حيّاً أو ميتاً ، ولا يمكن استفادة أكثرَ من ذلك ، وذلك لأنّ هذه الرواية مرسلة السند ، ثانياً القول بوجوب الغسل أو بنجاسة المذكورات مخالف للضرورة الفقهية ، ولذلك لا أظنّ أنه يوجد فقيه في كلّ الأزمنة التزم بهذه الرواية ، خاصّةً إذا كان السبع أو الأرنب حيّاً ـ طبعاً ما عدا الكلب والخنزير ـ .

أمّا الوضوء بالماء المظنون النجاسة فمكروه شرعاً ومرفوض عقلاً ، وقد مرّ الكلام في ذلك في (فصلٌ في الأسآر) فراجع .

* * * * *

 

( فَصْلٌ في أفعالِ الوضوء )

الأول : غسل الوجه386، وحَدُّه مِن قَصاص[3] الشعر إلى الذقن طولاً ، وما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرْضاً ، بحسب الأصابع العاديّة . والأنْزَعُ ـ أي الذي انحسر شَعرُه عن الحدّ المتعارف ـ والأَغَمُّ ـ وهو بعكس الأنزع ، أي الذي نَبَتَ شَعرُه على جبهته ـ 387 . ويجب إجراء الماء ولو بطريقة المسح المتعارفة عند المتشرّعة ، بشرط صدق الغَسل عرفاً ، فلا الجريانُ الكثير واجب ولا المسح بالماء القليل جداً مجزٍ388 . ويجب الإبتداء بالأعلى والغَسْلُ من الأعلى إلى الأسفل عرفاً 389 ، ولا يجوز النكس ، ولا يجب غسل ما تحت الشعر بل يجب غسل ظاهره ، سواء شعر اللحية والشارب والحاجب بشرط صدق إحاطة الشعر على المحل ، وإلا لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(386) دلّ على ذلك الكتاب والسُّـنّة المتواترة ، ولذلك أجمع علماء الإسلام على ذلك ، بل صار من الضروريات.

أمّا كونُ حدّهِ من قصاص الشعر إلى الذقن طولاً فلا إشكال فيه ولا خلاف فيه ، بل عن المعتبر والمنتهى أنه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وعن جماعة حكايةُ الإجماع عليه.

وأمّا حَدُّهُ عرْضاً فهو ما اشتمل عليه الإبهام والوسطى بلا خلاف أيضاً ، وذلك لما رواه في الفقيه بإسناده الصحيح عن زرارة بن أعين أنه قال لأبي جعفر (عليه السلام) : أخبِرْني عن حَدِّ الوجْهِ الذي ينبغي أن يُوَضّأ ، الذي قال الله عز وجل ؟ فقال (عليه السلام) : ( الوجْهُ الذي أمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر ، وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه ) فقال له : الصدغ من الوجه ؟ فقال (عليه السلام) : ( لا )[4] صحيحة السند ، ورواها في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه ، وعن[5] محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان ، جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلتُ له أخبرني ... وذَكَرَ مِثْلَه إلاّ أنه قال ( .. ما دارتْ عليه السبّابَةُ والوسطى والإبهام من قَصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه ) ، وهي أيضاً صحيحة السند . ويظهر أنّ قوله ( السبّابة ) هو إضافة ، وذلك لكفاية الوسطى والإبهامِ في البيان ولكون السبّابة تقع ضمن هذا التحديد ، أو أنّ قوله ( السبّابة ) هو من إضافة الراوي ، وذلك لقول الإمام (عليه السلام) بعد ذلك ( وما جرت عليه الإصبعان ... ) مع أنه لا أثر له في الفرق ، ولذا لم يتوهم أحدٌ الخلافَ في التقدير ممن ضم السبابة إلى الوسطى والإبهام ، كما عن المبسوط والناصريات.

وقد أشار (عليه السلام) إلى التحديد الطولي بقوله ( من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ) ، وإلى التحديد العرْضي بقوله (عليه السلام) ( ما دارت عليه الوسطى والإبهام ، وما جَرَتْ عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه ) ، ومن الواضح أنّ قولَه (عليه السلام) ( وما جَرَتْ عليه ... ) تأكيدٌ لقوله (عليه السلام) ( ما دارت ... ) ، وكأنّ التعبير بالدوران هو بمناسبة تدوير الوجه عرفاً ـ لا بالدقّة العقليّة.

ومن هنا تعرف أنّ اللحية الخارجة عن حدّ الذقن ليست من الوجه ، فلا يجب غسلها بالإجماع .

387 لا شكّ أنّ المراد قوله في الروايات هو الوجه ، فمَن نبَتَ شَعرُه على جبهته ، فلا شكّ في وجوب غسل الوجه بما فيه محلّ الشعر النابت على جبهته ، ولكن لا يجب غسل ما تحت الشعر ، وإنما يكفي الغسل الذي عليه سيرة المتشرّعة ، فقد روى في يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى من أصحاب الإجماع) عن زرارة قال قلت له : أرأيت ما كان تحت الشعر ؟ قال : ( كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء )[6] صحيحة السند.

وهكذا الأمر في الأصلع وفيمن انحسر شَعْرُه عن جبهته ، فإنه يكفي أن يغسلا ما صدق عليه الوجه ، ولا يجب أن يغسلا ناصيتهما ، والأمر عرفي ، فلا داعي للتطويل.

388 تستفيد من الرواية الأخيرة وجوبَ أن يجري الماءُ على أعضاء الوضوء ، ولا يكفي المسح ، ولكنْ جَرَتِ العادةُ عند المتشرّعة أن يصبّوا الماء على العضو ، فهو يجري بشكل طبيعي على أعضاء الوضوء ، ثم يمسحون العضو به ، وهذا يصدق عليه الغَسل ، فليس الوضوء كالغُسل الذي مِن طبيعته جريانُ الماء فيه على العضو أكثر من الوضوء ، وهذا هو الأمر الفطري الذي عليه السيرة ، وهو كاف في الوضوء ، ولذلك تلاحظ كفايةَ المسح المتعارف في الوضوء في الروايات ،

ففي الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن جميل(بن درّاج) عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في الوضوء قال : ( إذا مسّ جِلْدَك الماءُ فَحَسْبُكَ )[7] أي فهذا يكفيك ، صحيحة السند ، وهي تفيد كفاية ما هو أقلّ ممّا جرت عليه سيرة المتشرّعة.

وكذا في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان (بن يحيى) عن (عبد الله) ابن مسكان عن محمد (بن علي) الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( أسبغِ الوضوءَ إن وجدتَ ماءً ، وإلا فإنه يكفيك اليسير )[8] صحيحة السند ، وهي تفيد استحباب الإكثارِ من الماء ، وإلاّ فإنه يكفي المسحُ كما هي سيرة المتشرّعة ، أقصد أنه لا بدّ مِن حمْلِ اليسيرِ على ما عليه سيرة المتشرّعة ، أو أقلّ بقليل.

وأيضاً في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن موسى الخَشّاب(من وجوه أصحابنا كثير العلم والحديث) عن غياث بن كلوب (قال الشيخ في العدّة إنّ العصابة عملت برواياته فيما لم ينكر ولم يكن عندهم خلافه) عن إسحاق بن عمار (ثقة وأصله معتمد إلاّ أنه كان فطحيّاً) عن جعفر عن أبيه أن علياً (عليه السلام) كان يقول : ( الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزَى من الدهن الذي يَـبِـلُّ الجسدَ )[9] موثّقة السند ، ولا بدّ من حمل هذه الرواية أيضاً على ما عليه السيرة المتشرّعيّة ، أو أقلّ منها بقليل.

وتستفيد ذلك أيضاً ممّا رواه في الكافي بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن العلا بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( يأخذ أحدُكم الراحةَ مِنَ الدهن فيملأ بها جسدَه ، والماءُ أوسع . ألا أحكي لكم وضوءَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله ؟ ) قلت : بلى ، قال : فأدخل يده في الإناء ولم يغسل يده فأخذ كفّاً من ماء فصبه على وجهه ، ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله ، ثم أخذ كفّاً آخر بيمينه فصبه على يساره ، ثم غسل به ذراعه الأيمن ، ثم أخذ كفّاً آخر فغسل به ذراعه الأيسر ، ثم مسح رأسه ورجليه بما بقي في يديه .[10] صحيحة السند . والمعنى : يأخذ أحدُكم كفّاً من الدهن فيدهن به جسدَه كلَّه ، ولا يكفيه كفٌّ من الماء فيوضّئ به العضو الواحد من أعضاء وضوئه ؟! مع أنّ الماء أكثرُ سيلاناً من الدهن . وهذا أيضاً يعني كفايةَ الدهن بالماء . وهذه الرواية تستنكر زيادةَ استعمال الماء في الوضوء.

(389) ويجب الإبتداء من الأعلى إلى الأسفل عرفاً ، "صرّح بذلك جماعة كثيرة ، بل نُسِب إلى الأكثر والمشهور ، بل عن التبيان الإجماع عليه" كما قال في المستمسك. ولك أن تستفيد ذلك من عدّة روايات :

فقد روى عبد الله بن جعفر الحميري (ط كر) في (قرب الإسناد) عن أحمد بن محمد (بن عيسى أو ابن خالد ط 7 أي طبقة الإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام)) عن (الحسن) ابن محبوب (ط 6 : ط ظم وضا (عليهم السلام)) عن أبي جرير الرقاشي (رواها في جامع الرواة عن الروّاسي وليس الرقّاشي وهما مهملان) قال قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) : كيف أتوضّأُ للصلاة ؟ فقال : ( لا تُعَمِّقْ في الوضوء ، ولا تَلْطُمْ وجهَك بالماء لَطْماً ، ولكنِ اغسلْه مِن أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مَسْحاً ، وكذلك فامسحِ الماءَ على ذراعيك ورأسك وقدميك )[11] قد يصحّح متنها لكون ابن محبوب من أصحاب الإجماع ، وعن المنتهى للعلاّمة نِسبتُه إلى مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السلام).


[3] قَــُصاص الشَّعر ـ كما في لسان العرب ـ هو، تهَى شعرِ الرأس حيث يؤخذ بالمقصّ، ويصحّ فَتْحُ القاف وكسْرُها وضَمُّها.
[5] أي ورواها الكليني عن محمد بن إسماعيل النيشابوري عن الفضل بن شاذان ...
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص335، أبواب الوضوء، ب46، ح2، ط الاسلامية والظاهر أنّ حمّاد بن عيسى رواها عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين، كما في طريق الصدوق إلى زرارة، حيث روى الصدوقُ نفسَ هذه الرواية بسنده إلى زرارة، وقد ذكر طريقه إلى زرارة مارّاً بـحَريز . راجع مشيخة الصدوق / طريقه إلى زرارة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo