< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بقية الكلام في مكروهات الوضوء

أمّا الوضوء بالماء القليل الذي مسّته السباعُ وغيرُها ممّا ذكر في المتن

فقد روى يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) : سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً أو ميتاً ؟ قال (عليه السلام) : ( لا يَضُرُّه ، ولكنْ يَغسل يده )[1] ، فإنه يستفاد منها كراهة التوضّي من ماء مسّه الثعلب أو الأرنب وشيء من السباع حيّاً أو ميتاً ، ولا يمكن استفادة أكثرَ من ذلك ، وذلك لأنّ هذه الرواية مرسلة السند ، ثانياً القول بوجوب الغسل أو بنجاسة المذكورات مخالف للضرورة الفقهية ، ولذلك لا أظنّ أنه يوجد فقيه في كلّ الأزمنة التزم بهذه الرواية ، خاصّةً إذا كان السبع أو الأرنب حيّاً ـ طبعاً ما عدا الكلب والخنزير ـ .

وأمّا بالنسبة إلى الفأرة فقد روى في يب بإسناده الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب ، أيُصَلّى فيها ؟ فقال (عليه السلام) : ( إغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تَرَهُ انضحْهُ بالماء )[2] صحيحة السند . أقول : لا بدّ من لزوم الإحتياط عقلاً في ذلك ، لِعِلْمِنا العادي بمرور الفأرة دائماً أو غالباً على النجاسات ، ولعلمنا أو لظنّنا بتلوّثها بالنجاسات دائماً ، ذلك لأنّ مكانها المعتاد والمفضّل هي المجاري النجسة .

ويستفاد ذلك أيضاً ممّا رواه في يب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي(بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شَمّاه أيؤكل ؟ قال (عليه السلام) : ( يطرح ما شَمّاه ويؤكل ما بقي )[3] صحيحة السند .

وفي يب أيضاً بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سُئِل عن الكلب والفأرة أكلا عن الخبز وشبهه ؟ قال : ( يُطرح منه ويؤكل الباقي ) ، وقد تكون هذه الرواية هي نفس السابقة نقلها عمّار . أقول : وهذا أيضاً لازم شرعاً وعِلْمياً ، خاصةً بالنسبة إلى الكلب ، والقذارة فيهما معلومة .

وأمّا بالنسبة إلى الوزغ والعقرب وأشباهِ ذلك فقد روى في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن بن موسى الخشاب جميعاً عن يزيد بن إسحاق (له كتاب ، وروَوا أنه كان من أدفع الناس لهذا الأمر ، ووثّقَهُ العلاّمةُ والشهيد الثاني) عن هارون بن حمزة الغنوي(ثقة عَين له كتاب) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً ، هل يُشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه ؟ قال : ( يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثم يشرب منه ويتوضأ منه ، غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه )[4] في صحّة سند هذه الرواية إشكال ، والجواب يشير بوضوح أنّ النظر إلى البئر النابع ، وإلاّ فما قيمة أن يسكب من الوعاء الصغير أو الكبير ثلاث مرّات ؟! وهي تفيد استحباب إخراج ثلاثة دلاء من البئر ، وهذا أمر جيد عقلاً ، لتقليل مقدار الجراثيم ، ثم لمجيء ماء من المادّة ، كي لا يعفّن الماء وتتكاثر الجراثيم ، كما وتفيد التوقّي من الجراثيم الناتجة من الفأرة والعقرب وأشباه ذلك ، أمّا الوزغ فالتوقّي منه ألزم . وأنت تعلم بطهارة الفأرة الحيّة والعقرب والوزغ ، وتعرّضنا لبحث طهارتها سابقاً .

وكذلك يستفاد ذلك ممّا رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) وفضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار في الفأرة والوزغة تقع في البئر قال (عليه السلام) : ( يُنزح منها ثلاثُ دلاء )[5] صحيحة السند ، ولكننا نعلم هنا بإرادة استحباب النزح من أدلّة ذكرناها سابقاً ، نعم يستحبّ النزحُ لتنظيف البئر من الجراثيم ، وعليه تعرف من خلال ذلك كراهة التوضّي بماء البئر الذي وقعت فيه الفأرة والوزغة .

ومثلها ما ورد في الخنفساء والعقرب فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى(ثقة واقفي) عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جرةٍ وُجِدَ فيه خنفساء قد مات ؟ قال : ( ألْقِهِ وتوضّأ منه ، وإن كان عقرباً فاَرِقِ الماءَ وتوضأ من ماءٍ غيرِه )[6] موثّقة السند . وأنت تعلم أنّ العقرب مسمٌّ .

وأمّا بالنسبة إلى الحيّة فلم أجد روايةً تفيدنا كراهيةَ التوضّؤ من الماء الذي ماتت فيه الحيّة ، بل لعلّك تستفيد العكسَ من بعض الروايات من قبيل ما رواه السيد فضل الله الراوندي في نوادره : عن عبد الواحد بن اسماعيل الروياني عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي (كان يُخفي أمْرَه كثيراً ثم ظاهر بالدين في آخر عمره) عن محمد (بن محمد) بن الأشعث(الكوفي ثقة من أصحابنا ، له كتاب الحجّ)[7] عن موسى بن اسماعيل (بن الإمام موسى بن جعفر ، له كتاب جوامع التفسير وكتاب الوضوء وكتاب الصلاة رواها محمد بن محمد بن الأشعث) عن أبيه عن جدّه عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال قال عليّ (عليه السلام) : ( ما لا نفس له سائلة ، إذا مات في الإدام ، فلا بأس بأكله )[8] مرسلة جدّاً ، خاصّةً بين سهل بن أحمد (الذي سمع منه التلّعكبري سنة 370 هـ ق) ومحمد بن محمد بن الأشعث (يجب أن يكون من طبقة الإمامين زين العابدين والباقر (عليهما السلام)) إذ يجب أن يكون بينهما أكثر من مئتَي سنة ، وفيها خلل آخر واضح . المهم هو أنه قد لا يكون هناك ضرر من موت الحيّة في الماء القليل إذا أراد الإنسان أن يتوضّأ منه ، لكن من الطبيعي أنّ المؤمن النظيف يتوقّى ذلك ، ولو من باب احتمال تأثير سمّها الموجود في داخلها في الماء القليل والله العالِم.


[7] محمد هذا هو محمد بن محمد بن الأشعث بن الهيثم الملعون الخارجي، كان أبوه ـ أي محمد بن الأشعث ـ قائداً تحت لواء عمر بن سعد لعنه الله في كربلاء، وهو ـ أي محمد بن الأشعث ـ الذي بعثه ابنُ زياد فجلب مسلمَ بنَ عقيل ـ بعدما سقط في الحفرة في المعركة المشهورة في أزقّة الكوفة ـ وأعطاه الأمان، لكن ابن زياد لم يُمْضِ أمانَ محمد بن الأشعث. قصّة مفيدة، روى الكليني في اُصول الكافي /كتاب الحجّة / باب مولد الإمام الصادق (عليه السلام) ح6 قال: أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن جعفر بن محمد بن الأشعث قال قال لي: أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به ؟ وما كان عندنا منه ذِكْرٌ ولا معرفةُ شيءٍ مما عند الناس ؟ قال قلت له: ما ذاك ؟ قال: إن أبا جعفر ـ يعني أبا الدوانيق ـ قال لأبي أي محمد بن الأشعث: يا محمد اِبْغِ لي رجلاً له عقلٌ يُؤَدّي عني، فقال له أبي، قد أصبتُه لك، هذا فلان ابن مهاجر خالي، قال، فأْتِنِي به، قال، فأتيتُه بخالي، فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر، خُذْ هذا المالَ وأْتِ المدينةَ وأْتِ عبدَ الله بن الحسن بن الحسن وعدةً من أهل بيته فيهم جعفر بن محمد فقل لهم، إني رجل غريب من أهل خراسان وبها شيعة من شيعتكم وَجَّهُوا إليكم بهذا المال، وادفع إلى كل واحد منهم على شرط كذا وكذا، فإذا قبضوا المال فقل: إني رسولٌ وأحب أن يكون معي خطوطُكم بقبضكم ما قبضتم، فأخذ المالَ وأتى المدينة، فرجع إلى أبي الدوانيق ومحمد بن الأشعث عنده، فقال له أبو الدوانيق: ما وراءك ؟ قال: أتيت القوم وهذه خطوطهم بقبضهم المال خلا جعفر بن محمد، فإني أتيته وهو يصلي في مسجد الرسول (ص) فجلستُ خلفه وقلت حتى ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه، فعَجَّلَ وانصرَفَ، ثم التفت إلَيَّ فقال: يا هذا، اِتَّقِ اللهَ، ولا تغر أهل بيت محمد، فإنهم قريبوا العهد بدولة بني مروان وكلهم محتاج، فقلت: وما ذاك ؟ أصلحك الله ؟! قال: فأدنَى رأسَه مِنّي وأخبَرَني بجميع ما جرى بيني وبينك حتى كأنه كان ثالثنا قال فقال له أبو جعفر: ( يا ابن مهاجر ! اِعلمْ أنه ليس من أهل بيت نبوة إلا وفيه محدَّثٌ، وإنّ جعفر بن محمد محدَثنا اليوم )، وكانت هذه الدلالة سبب قولنا بهذه المقالة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo